الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل يستطيع حزب العدالة والتنمية إحداث ثورة ضد نفسه؟
أنس ماماش

أعاد أردوغان اتجاهه إلى أوروبا عندما انهارت سياسته الخارجية، بناءً على رؤيته لإقامة دولة عثمانية جديدة على أساس أيديولوجية الإخوان المسلمين. ثورة 


تركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية (AKP) غيّرت مجرى رؤيتها المستقبلية باتجاه الاتحاد الأوربي، والتي كانت أنقرة تنتهز كل فرصة لانتقادها حيث تسميها الاتحاد المسيحي، بدأ الرئيس أردوغان وزعيم حزب العدالة والتنمية الذي كان قد وصل، حتى يوم أمس، إلى نقطة شنّ الحرب على الاتحاد الأوربي في بحر إيجه والمتوسط، بالإشارة إلى أنّه سيعتمد استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية التركية.


ومؤخراً، التقى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع سفراء الدول الأوربية في قصر (تشان كايا) بأنقرة، حيث صرّح أوغلو في خطابه بأنّ أردوغان عازم على فتح صفحة جديدة من العلاقات وبناء المستقبل مع الاتحاد الأوربي، وكذلك أعرب الوزير خلال اجتماعه مع السفراء عن عزم حكومة بلاده القيام بإصلاحات على صعيد الاقتصاد والقضاء، طالباً من الاتحاد الدعم لحكومة أنقرة في هذا الصدد. ثورة 


حكومة حزب (AKP) التي مارست كافة أنواع الاستبداد السلطوي، انقلبت فجأة لتصبح مثل القابلة القانونية التي تقوم بتوليد مجتمع جديد متمخض عن القديم، ولكن هذه الولادة لم تلاقِ الاستحسان لدى الأحزاب المعارضة والاتحاد الأوربي، فحكومة العدالة التي تتحدّث عن الإصلاح التي ستجريها، وعلى الرغم من وجود القوانين في تركيا، إلا أنّها تقوم وعن طريق الضغط السياسي الذي تمارسه على القضاء، والذي أصبح مثيراً للاهتمام، باعتقال كل معارض يقف في طريق طموحاتها.


ومن غير المتوقّع أن يقوم حزب العدالة، الذي أقام شراكة ائتلافية مع حزب الحركة القومية (MHP)، ويتنافس مع هذا الحزب من خلال القومية، بإجراء إصلاحات ديموقراطية. ووفقاً لدوائر المعارضة، لقد اختار حزب (AKP) صورة شخصية جديدة لنفسه من أجل الفوز في الانتخابات العامة المقبلة. بعبارة أخرى، سنبدأ برؤية أردوغان بقميص ديمقراطي جديد حتى يوم الانتخابات.


فبسبب سياسة أردوغان الخارجية والسلوك العدواني في الأنظمة الشمولية التي اتبعها، أصبح يواجه أزمة اقتصادية وسياسية وجهاً لوجه، كما أنّه يرى ومن خلال هذا الوضع أنّه يخسر الأصوات الناخبة، ففوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وبعد تنصيبه في 20 يناير 2021، أصبح أردوغان مدركاً تماماً بأنّ بايدن سيدعم المعارضة ضده، ففي هذه الحالة سيكون في موقف صعب مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بالتالي يريد أردوغان تطوير علاقة بلاده مع أوربا على أساس العلاقة التكتيكية وليس الاستراتيجية. ثورة 


فبعد مجيء بايدن للحكم، يأس أردوغان تماماً من الولايات المتحدة، فبدأ فعلاً بحملة تشويه ضد بايدن، وقام بإرهاب المعارضة التي تطلق أنقرة عليهم لقب الإرهابيين من الأكراد وجماعة غولن، وأعلن أردوغان عن طريق أشخاص ووسائل إعلام مقربة منه بأنّ جو بايدن هو كردي وأطلقوا عليه اسماً ساخراً.


حيث قام النائب السابق لمجلس القرار المركزي لحزب العدالة والتنمية عن مدينة ماردين، أورهان مير أوغلو، بنشر معلومات عن جو بايدن على حسابه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لاقت متابعة مكثفة من قبل الدوائر الحاكمة، حيث ادّعى أنّ الاسم الحقيقي للرئيس جو بايدن هو (جمويه بهاء الدين آغا) (Cımoyê BehattÎn Ağa)، وهو ينحدر من عائلة كردية تعود أصولها إلى يريفان من قبيلة (بيروكي)، هاجرت إلى الولايات المتحدة، ويوضح مير أوغلو عن مصدر معلوماته المستندة إلى صديق كردي مقرّب منه.


إنّ الهدف الأساسي لبحث مير أوغلو عن الأصل العرقي لبايدن هو إنشاء جبهة ضده، فإذا كان ما يدّعيه مير أوغلو عن الأصول الكردية لبايدن حقيقة، فستكون بانتظار تركيا الأيام الأكثر صعوبة، فهذه الثرثرة البسيطة التي تشارك مير أوغلو صديقه فيها، لها أغراض سياسية، وبحسب أردوغان فإنّه يرى عدم إمكانيّة حصوله على التنازلات التي أخذها من ترامب مثلها من بايدن، فبذلك يحاول الحصول على دعم القوميين الأتراك ضد بايدن من خلال إعلان جو بايدن كردياً.


وفي هذه المرحلة، بينما يعتقد أردوغان أنّه يستطيع مقاومة الولايات المتحدة بهذه الطريقة، فإنّه يخطط لمماطلة الاتحاد الأوروبي بوعود التغيير والإصلاح، فإنّ دمقرطة حزب العدالة والتنمية تتعارض تماماً مع طبيعة الوضع الراهن، فبسبب الفوضى والاعتقالات التعسفية، سيخرج الفساد لمواجهة دمقرطة تركيا. كذلك الإصلاح القضائي والاقتصادي الذي سيتم تنفيذه في اتجاه ديمقراطي، سيمهد الطريق أيضاً لمحاكمة حزب العدالة والتنمية. لهذا السبب، فإنّ الإصلاحات الديمقراطية لحزب (AKP) تعني أنّه يستعد لنهايته.


وهذا يدل على أنّ حزب (AKP) يقوم بأنشطة تهدف إلى كسب الوقت وإلهائهم من أجل الفوز في الانتخابات. وكما نتذكر في نوفمبر الماضي قال أردوغان "نحن في وقت لا يكفي فقط تغيير فرامل السيارة، بل يجب تغيير السيارة بكاملها، ونحن كدولة ندخل في فترة مهمة". هذا البيان كان بمثابة الضغط على زر التغيير، وبعدها طلب جاووش أوغلو راجياً من الاتحاد الأوربي تصديق بلاده. ثورة 


إن المثقفين والكتاب، وبالأخص الأحزاب المعارضة في تركيا، لم يكونوا واثقين من هذه الإصلاحات الديمقراطية التي يدّعيها حزب العدالة، ويرون بأنّ أردوغان لا يريد تغيير السيارة إنما يريد تغيير لونها فقط.


في الواقع، كانت حكومة (AKP) تفكر في الخروج من هذا الوضع الصعب بإجراء انتخابات مبكرة. لكن نتيجة استطلاعات الرأي العام التي أجروها، أدركوا أنّهم لا يستطيعون كسب المصداقية. لهذا السبب، يحاول أردوغان رسم صورة جديدة من خلال إذابة الجليد مع أوروبا والولايات المتحدة.


على الرغم من المعرفة الأكيدة لحزب العدالة بعدم فوزه بالانتخابات القادمة رغماً عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد، رغم ذلك تسعى جاهدة لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، فبسبب اتباع أنقرة الخط المناهض لأمريكا ودول الاتحاد في سياستها الخارجية، جعل أردوغان البلاد وجهاً لوجه مع أزمة اقتصادية كبيرة، لا سيما عندما عاد خالي الوفاض من شرق البحر المتوسط وبحر إيجة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في هذه المرحلة، يبدو أنّه يحاول إعادة الاندماج في الغرب من خلال القيام بدور (الالتفاف).


قوبلت وعود حزب العدالة والتنمية بالتغيير والإصلاح بالشكوك من قبل الاتحاد الأوروبي. فالمئات من السياسيين والصحفيين، الذين تم اعتقالهم لأسباب سياسية دون أي أساس قانوني، محتجزون حتى اليوم، هو سبب آخر لعدم ثقة الاتحاد في وعوده الإصلاحيّة.


خطابات حزب العدالة حول التغيير والإصلاح، والتي لم تنفذ أمر المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في الإفراج عن صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) والمدافع عن حقوق الإنسان، عثمان كافالا، لن يرحب بها الاتحاد الأوروبي ما لم يتم اتخاذ خطوة ملموسة.


لن يأخذ أي شخص وعودهم بالإصلاح القضائي والاقتصادي على محمل الجد، ما دام حزب العدالة يبقي الجماعات المعارضة في السجون دون أي بنية تحتيّة قانونية، متجاهلاً الاتفاقيات الدولية التي هو أصلاً طرف فيها. ثورة 


أنس ماماش


ليفانت - أنس ماماش ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!