الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل الأمير تميم مجرد ضحية لطموحات والدته؟
داليا زيادة

رغم كل التصريحات الإعلامية التي سبقت القمة الخليجية، التي انعقدت هذا الشهر، عن نية قطر للتصالح مع الدول العربية المقاطعة لها دبلوماسياً، خصوصاً المملكة العربية السعودية، غاب أمير دولة قطر عن القمة الخليجية، في مشهد أثار استغراب البعض لتناقض المنشورات الإعلامية الصادرة من الجانب القطري مع الأفعال والتصرفات الحقيقية للأمير تميم بن حمد على أرض الواقع.


كما خلّف غياب أمير قطر عن القمة الخليجية، رغم كونه أمر متوقع وليست المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، الكثير من خيبة الأمل لدى البعض ممن يرغبون، عن طيب قصد، في الإسراع برأب الصدع ما بين قطر وأشقاءها في الخليج، ووضع نهاية لهذا الجنوح المشين للأسرة الحاكمة في قطر نحو التآمر مع دول معادية ومعتدية على الأمن القومي والإقليمي لدول الخليج، والدول العربية بشكل عام، مثل تركيا وإيران.


وهذا ما يدعونا للتأمل طويلاً في تصرفات ومواقف الأمير تميم، التي عجز العقل والمنطق عن تبريرها مراراً، بدءً من انقلابه على أبيه للاستيلاء على مقاليد الحكم، وصولاً إلى تعاونه مع تركيا وإيران أكبر دولتين تشكلان تهديداً مباشراً لأمن وسلامة البلدان العربية، وعلى رأسها منطقة الخليج العربي الذي تنتمي له بلاده، قطر.


ولا تستغربوا كلامي حين أقول إن الأمير تميم لا يبدو لي في كثير من المواقف أنه سيد قراره، ويبدو أنه، في واقع الأمر، ضحية تنشئة خاطئة بواسطة أم، هي الشيخة موزة، معروف عنها الطموح الجامح والذكاء المتقد إلى حد الاشتعال المدمّر لكل ما حولها.


فكيف لشخص يعي ما يفعل، وهو في منصب مهم وحساس كأمير لدولة مثل قطر، هي الأغنى عالمياً من حيث نصيب المواطن من الناتج المحلي، أن يقطع الأواصر بينه وبين أشقاءه وأهله في منطقة الخليج بدم بارد هكذا، وهم الذين يشكلون امتداد للأمن القومي لبلاده، وفي المقابل يضع يده في يد أعداءه، سواء تركيا أو إيران، الذين لا يخفون نواياهم الشريرة نحو تدمير المنطقة العربية ونهب ثرواتها.


إن العقل يرفض أن يصدق مثلاً أن الأمير تميم لا يعي هذه الحقيقة البسيطة، فهل يظن الأمير تميم مثلاً أن إردوغان أو نظام الملالي في إيران سيحفظ له الجميل لو أنه توقف عن تمويلهم والصرف على مشاريعهم التدميرية في الشرق الأوسط؟ أو أنهم سيدمرون البلاد العربية ويتركون قطر في أمان من أجل عيونه؟ لقد رأينا لمحة من غضب إردوغان الذي أنقلب في ثوان معدودات ضد قطر وتميم لمجرد تراجعهم عن افتتاح القاعدة العسكرية التركية بالقرب من الدوحة كما كان مقرراً، إكراماً للعلاقات القطرية مع أمريكا.


وكذلك يرفض المنطق أن يفسر اهتمام الأمير تميم اللامشروط واللامحدود بالجماعات الإرهابية من أول الإخوان المسلمين وحماس وحتى تنظيمات القاعدة وداعش، وتقديم الملاذ الآمن لقيادات هذه التنظيمات، وتوفير الرعاية الإعلامية والتمويل اللامحدود لهم، من أجل أن يواصلوا أعمالهم في تدمير جيرانه الذين يتشاركون معه في بيت كبير أسمه الوطن العربي، لو انهدم سينهدم على رأس الجميع ولن تنجو منه قطر، ما الذي يفسر هذا الدعم الكبير من جانب الأمير تميم للتنظيمات الإرهابية لدرجة أنه قبل بالمقاطعة العربية حتى لا يتخلى عن دعم هؤلاء الإرهابيين؟!


إلا أن التناقضات المرعبة والخلل العجيب في تصرفات الأمير تميم ومواقف دولة قطر لم تتجلى بهذا الوضوح إلا عندما ظهر الأمير المجدد محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، على الساحة السياسية قبل أعوام قليلة. حيث أن كلاً من الأمير محمد بن سلمان والأمير تميم بن حمد هم شباب من مواليد الثمانينات، أي ينتميان لجيل الألفية بكل ما يحمله هذا الجيل من خصائص تمرد وتجديد وانفتاح نتجت عن نشأتهم بالتوازي مع الطفرة الهائلة التي حدثت في مجال الاتصال وتكنولوجيا المعلومات.


وهذا بالضبط ما انعكس على أداء الأمير الشاب محمد بن سلمان، من حيث السرعة والمرونة والإبداع في التخطيط والتنفيذ، الذي يتبناه في تجديد الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي لبلاده، والذي أنعكس بشكل إيجابي على علاقات السعودية الإقليمية والدولية، في وقت قصير جداً.


لكن بالنظر إلى حال الأمير الشاب تميم بن حمد، في قطر، ولن أقول "بالمقارنة"، فليس إنصافاً أن نقارن من يجدد ويبني المستقبل بمن يقطع الأواصر ويتلذذ بالهدم والخراب، لكن الحقائق تضح بأضدادها، وبالنظر في أمر الأمير تميم، سنصل لنتيجة واحدة لا يمكن إغفالها، وهي أن من يدير قطر اليوم ليس الأمير تميم، ولكنه فقط مجرد واجهة تدير من خلفها الشيخة موزة، والدته، الأمور، بطريقتها القديمة والمحفوظة منذ التسعينات، وأن الأمير تميم، في الحقيقة، ضحية طموح مجنون لا علاقة له به وهو أكبر منه بكثير، ولكنه أرغم على حمله، والمضي قدماً في تحقيقه حتى لو كان ذلك على حساب أمنه وأمن بلاده، أو حتى على حساب سلامه النفسي.


مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!