الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
اليمن وصراع الأفاعي
IMG-20191220-WA0027

مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية في كل من العراق ولبنان وإيران، تطلع كثيرون للعاصمة اليمنية صنعاء التي خضعت منذ خمس سنوات للمتمردين الحوثيين، لكن يبدو أن حاجز الخوف الناتج عن القمع الشديد الذي يمارسه الحوثيون بحق معارضيهم كان أقوى من أن يدفع من تبقى من الأحرار في المدينه لأن يكسروه وينتفضوا أسوة بباقي المدن التي قاومت المد الإيراني، حتى أنه لم يلق أحد فيها بالاً للدعوة التي أطلقها البعض في الشهر الماضي للاحتجاج، وذلك بمناسبه مرور الذكرى الثانية لقيام انتفاضة صنعاء ضد الحوثيين التي انتهت سريعاً بمقتل الرئيس اليمني السابق علي صالح مطلع ديسمبر ٢٠١٧، لقد كانت نهاية صادمة ليس لهذه الانتفاضة فحسب، ولكن لصالح نفسه الذي كان كثيرون يعتقدون أنه الشخص الوحيد القادر على قلب الطاولة على الحوثيين بعد أن عجز مايسمى بالجيش الوطني من أن يحرز أي تقدم باتجاه صنعاء، رغم كل الدعم الكبير الذي قدمه له التحالف العربي بقياده السعوديه والامارات


رحل صالح الذي كان يقول : (ان حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين)، بعد أن فقد توازنه أثناء أدائه الرقصة الأخيرة محاولاً تحرير صنعاء وتحرير نفسه من قبضة الحوثيين التي استحكمت حول عنقه، فلقد كبرت الأفاعي -التي رباها - كثيراً وأصبح من الصعب التحكم بها ناهيك عن الرقص عليها!


لقد امتد حكم صالح ٣٣ عام برقصات خطيرة فوق رؤوس هذه الأفاعي، محاولاً خلق التوازنات بين كثير من القوى التي كان يخشى صعودها على الساحة اليمنية و متبعاً سياسة فرق تسد و ضرب هذا بذاك، لكنه لم يدرك أبداً أن الأفاعي تظل أفاعي لا تؤتمن. وأن خطرها لن يقف عند بعضها البعض، بل قد يتجاوزهم ليصل لمن رباها ولا مناص من أن تفاجئه بلدغة قد تكون قاتلة يوماً ما، مطبقة بذلك المثل الشعبي اليمني القائل : (أخر المحنش للحنش) ويعني أن نهاية مربي الأفاعي (المحنش) ستكون على يد الأفعى (الحنش ) لامحالة.


كما يبدو أنه تأخر بإدراك أن الأفاعي تجاوزت حدود مسرحه، لتتعلم هي الأخرى الرقص على يد لاعبين جدد، فبعد أن دفع صالح بالشيخ عبدالله الاحمر عام ١٩٩٠ لتشكيل حزب الإصلاح بهدف ايجاد توازن عبر إضعاف الحزب الاشتراكي الذي شاركه حكم اليمن الذي كان قد توحد للتو (باعتبار الاشتراكي كان الحاكم الفعلي انذاك للجنوب)، انقلب حزب الإصلاح المكوّن من الإخوان والقبيلة وجزء من السلفيين عليه في عام ٢٠١١م مستغلاً الاحتجاجات التي بدأها الشباب و متسلقاً عليها للوصول للحكم وإزاحة صالح.


و كان الحزب قد تقوى بدعم قوى خارجية كثيرة أبرزها قطر ، وإنكار الحزب الآن أنه ليس جزءاً من التنظيم العالمي للإخوان ( رغم حقيقة ذلك) لايعني أنهم لم يكونوا مدعومين من التنظيم، ولا يمحي حقيقة أن الدعم القطري لهم ساعد كثيراً في تضخيم قوتهم وقدراتهم على منافسة صالح على الحكم.


أما الأفعى الأخرى التي كبرت وصعب السيطرة عليها من قِبله فهي جماعة الحوثي،  تلك الأفعى التي تغطت بقناع جماعه ( الشباب المؤمن) والتي أخذها صالح صغيرة ضعيفة وكبّرها بهدف خلق قوة أخرى قادرة على التصدي للمدارس الدينية السلفية والإخوانية، ووصل تشجيعه لهم حد دفعهم للدخول إلى مجلس النواب في الانتخابات الأولى بعد حرب ٩٤.


وكما تجاوزت أفعى الإخوان حدود مسرحه لتتغذى وتكبر من دعم تنظيم الإخوان وقطر، تسرّب عشرات الحوثيين إلى قم في إيران، وبدأ التحول إلى مذهب الشيعة الإثني عشرية، وهذا الأمر ساهم وبمساعدة من عناصر إيرانيه و عناصر من حزب الله بتحويل بوصلة جزء مهم من الولاء الزيدي تجاه ايران!


لم يتنبه صالح أن تلك الأفعى الصغيرة التي رباها في جحور صعدة قد كبرت وتمددت، إلى عام ٢٠٠٣م عندما كان في طريقه لأداء فريضة الحج براً و توقف في صعدة لأداء صلاة الجمعة وبعد إنتهائه من خطبة الجمعة، فوجئ بوقوف شخص من الحوثيين وإطلاقه مايسمى بالصرخة، وهي ذاتها ما عرفت من قبل في إيران بصرخة البراءة الخمينية التي أطلقها الخميني في السبعينيات، معتبراً إياها من العبادة والمعاملات!


لحظتها أدرك صالح أن إيران قد احتوت جماعة الحوثيين وأن الوضع سيخرج عن سيطرته، فبدأ حملة اعتقالات واسعة في صفوفهم ومن تم إندلعت شرارة الحروب الستة معهم. وبرغم مقتل زعيمهم حسين الحوثي فيها، إلا أن هذه الحروب لم تنتهي بهزيمتهم النهائية واكتفى صالح بمحاصرة الحوثيين في نطاق جغرافي معيّن مرتكباً بذلك واحدة من أكبر أخطائه التي قتلته لاحقاً.


فهذه الأفعى التي أعتقد أنها ستظل حبيسة صعدة قامت أفعى الإخوان بمرافقتها وفك الحصار عنها بعد انطلاق احتجاجات الشباب في ٢٠١١.


و أنطلقت أفعى الحوثيين بقوة وتمددت منذ ذلك الحين في كل أنحاء اليمن وأسقطت صنعاء، عاصفةً بكل الأفاعي في طريقها وبطريقة أفزعت حتى حلفائها وعلى رأسهم الإخوان، الذين تخاذلوا عن صد تقدمها نحو صنعاء وهرب معظم قادتهم للخارج تباعاً بينما حاول البقية منهم الرقص معها والتماهي لمشاركتها السلطة، وكان الأمين العام لحزب الإصلاح عبدالوهاب الانسي قد قام بالذهاب شخصياً إلى كهوف صعدة لزياره عبدالملك الحوثي لعقد صفقة معه، لكن الأخير رفض محاولاتهم هذه، وقام الحوثيون أيضاً بعدها بتوجيه عدد من اللدغات للإخوان عبر اعتقالهم لعدد من القادة والاعلاميين المحسوبين على الحزب.


ثم واصلت الأفعى الحوثية تقدمها حتى وصلت إلى عدن لتواجهها عاصفة الحزم بقوة وهي العاصفة التي قادتها المملكة العربيه السعوديه والامارات وبقية دول التحالف العربي، وجاءت مساندة للمقاومة الجنوبية ومحققة معها أولى الهزائم للمشروع الإيراني، الذي لم يكن قد أكمل عاماً على احتفاله بإعلان سقوط صنعاء كرابع عاصمة عربية تقع في يده.


واستمرت انتصارات التحالف العربي والمقاومة حتى تحرير كل الأراضي الجنوبية وبدأ صالح (الذي كان قد أخطأ مجدداً بالدخول في تحالف مع الحوثيين متجاهلاً ما أدركه من خطورتهم و إنصياعهم الكامل لإيران) يراجع حساباته، خاصة بعد أن طلب منه الروس مغادرة اليمن لأن الأمر بقتله قد صدر من إيران كما تقول كثير من الروايات، لكن صالح كان لازال حتى تلك اللحظة مستهيناً بالحال الذي وصلت إليه الأفاعي التي رباها، و لم يدرك أنها قد التفت حوله مخترقة كل القوى التي أعتقد أنها ستقف معه، بينما لم يبق معه إلا قلة من الرجال الأوفياء من أتباعه، الذين قرروا المواجهة معه حتى آخر نفس من رقصة الموت الأخيرة التي انتهت بمقتله.


رحل صالح إذاً بنهاية مدوية تاركاً أفاعيه الغادرة وعلى رأسها الحوثيون والإخوان، تسعى في كل الإتجاهات وكل الجبهات بعد أن نهشته ورقصت على جثته محتفلة ومواصلة جشعها بامتصاص دماء الأبرياء وإطالة أمد الحرب، التي كلما تعالى قرع طبولها إزداد جنون ومجون هذه الأفاعي أثناء الرقص، وهي واهمة في ظنها أنها ستظل تعبث بالبلاد وترقص إلى مالانهاية، فلا مشروع إيران ولا مشروع الإخوان بقادر على البقاء في اليمن ونهايتهما قادمة مهما طال الزمن أو قصر ، ولابد من صنعاء ( كما يقول الشاعر المقالح ) وان طال السفر


كاتبة وإعلامية

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!