-
مسارات سوداء في انتظار تنظيم الإخوان المسلمين
تتجه كافة المسارات الخاصة بأزمة الصراع المحتدم داخل جماعة الإخوان الإرهابية إلى أفق مسدود، تحكمها جميعاً رؤى قاتمة بشأن مستقبل التنظيم الذي بات "قاب قوسين أو أدنى" من حالة انهيار تنظيمي هيكلي كامل، بسبب تفاقم الخلاف بين رأسيه في لندن وإسطنبول، وإقدام المئات من قواعده على تقديم استقالات جماعية بعد انهيار الثقة في القيادة واكتشاف زيف الشعارات التي طالما استغلتها الجماعة في بناء جماهرية واسعة، فضلاً عن الاتهامات المتبادلة، بين طرفي الأزمة، بالفساد المالي والأخلاقي، والتي لم تتوقف يوماً على مدار نحو 6 أشهر، منذ ظهور الخلاف للعلن.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، احتدّت حالة الخلاف بين قيادات التنظيم لتضيف مزيداً من التعقيد على الوضع الراهن، بعد قرار القائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، بفصل القيادي المعين من جبهة إسطنبول لشغل المنصب نفسه، واعتباره ولجنته "ليسوا من الإخوان"، ليأتي الرد سريعاً من جانب مجموعة محمود حسين، التي أعلنت بياناً خاطبت فيه قواعد التنظيم، في محاولة جديدة لتصفية الكتل وحسم الصراع، ومن ثم عاد التراشق الإعلامي بين الجبهتين يبلغ ذروته، على وقع تفسّخ تنظيمي غير مسبوق.
ماذا يحدث داخل التنظيم في الوقت الراهن؟
وفي قراءته للمشهد الحالي داخل التنظيم المأزوم، يقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب، أحمد سلطان، إن الأزمة الراهنة "تاريخية وغير مسبوقة" ولن تنتهي في وقت قريب، خاصة في ظل تمسك طرفي الصراع بموقفهما دون أدنى رغبة لقبول أية مبادرات تُطرح لرأب الصدع أو احتواء الأزمة، بالعكس، يشهد الصراع تطورات شبه يومية، تعكس جميعها حتمية الانهيار والتهاوي وفقد أي سيطرة مركزية لقيادات التنظيم على المراكز التنفيذية داخل الجماعة أو توجيه القواعد.
وفي تصريح لـ"ليفانت"، يوضح "سلطان" أن الوضع الداخلي لجماعة الإخوان بات "معقداً وصعباً"، ويحاول كل طرف استخدام كافة الأدوات المتاحة لديه، سواء مخصصات مالية أو وسائل إعلامية، لحسم الصراع لصالحه، مع الاعتماد على استراتيجية واضحة تستهدف تشويه الطرف الآخر ونسف سمعته وهدم ثقة القواعد لديه، مشيراً إلى أن كل فريق يسعى لإظهار مدى امتلاكه للشرعية التي من شأنها تمكينه من مفاصل التنظيم والسيطرة عليها، فيما يبدو الطرفان فاقدين لأي قدرة على السيطرة الفعلية.
شلل تنظيمي وحركي
ويصف "سلطان" جماعة الإخوان في الوقت الراهن بأنها تعيش حالة من "الشلل التنظيمي" وانعدام الفاعلية الحركية، في خضم أزمات مركبة يعاني منها التنظيم على مدار السنوات الماضية، منذ سقوطه في مصر إثر ثورة 30 يونيو، مشيراً إلى أن تأثير تلك الأزمات تجلى فيما يمكن وصفه، بأنها "نخرت بنية التنظيم الإخواني وقوضته، إلى حد أنه غدا بالياً ومهترئاً بفعل عوامل الزمن وطول سنوات المحنة، بالمفهوم الإخواني".
ولا يتوقع سلطان نهاية قريبة للصراع الإخواني المحتدم، مؤكداً أن النتائج جميعها تتسم بالضبابية، ولكن السيناريوهات المتوقعة يحكمها خيارات محددة جداً، حتى في حال نجح أحد طرفي الصراع في حسمه لصالحه، أو انهارت البنية التنظيمية، أو حدث أي سيناريو آخر، ستظل حالة التشظي والانهيار التنظيمي حاضرة بقوة في المشهد الإخواني، وستؤثر، وفق سلطان، في حظوظ الجماعة بخصوص استمرار النشاط أو بقاء الهيكل التنظيمي التاريخي، مستبعداً أن تنجو أي مبادرات مستقبلية للصلح في احتواء الأزمة أو تخليص الجماعة من "عنق الزجاجة".
انهيار المشروع الاقتصادي بالتوازي
ربما الملمح الأكثر وضوحاً وتأثيراً لأزمة الإخوان الراهنة، بعيداً عن التأثر التنظيمي والهيكلي بها، واحتمالات تحول الجماعة إلى تيار عام بديلاً عن المؤسسية التاريخية، ما يعني نهايتها أيضاً، يتعلق بانهيار مشروعها الاقتصادي الذي كان حاضراً وبقوة إلى جانب المشروع السياسي، بل مثل أحد أهم أسباب بقاء التنظيم على وضعه الحالي، وساهم إلى حد كبير في انتشاره وتوغله في المجتمعات ورعاية أنشطته.
وتبدو المسارات الخاصة بمستقبل منظومة الاقتصاد الإخواني قاتمة أيضاً في ضوء الأزمة الراهنة، ورجحت دراسة صدرت حديثاً عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، تهاوي الإمبراطورية المالية للإخوان بالتوازي مع انهيار المشروع السياسي للتنظيم.
اقرأ المزيد: الإخوان المسلمون في ألمانيا.. أنشطة سريّة ومخاطر محتملة
واعتبرت الدراسة التي صدرت تحت عنوان: "صراع المال والسلطة.. ما السيناريوهات المرتقبة لاقتصاد الإخوان في ضوء الأزمة الراهنة؟" أنه لا يمكن بأية حال فصل المشروع السياسي عن نظيره الاقتصادي داخل جماعة الإخوان، فكلاهما يرعى الآخر ويسهم في بقائه وتنميته 35، لذلك لا يمكن فصل التأثيرات الخاصة بأي مشروع للجماعة عن آخر وقراءتها منفصلة دون الإشارة للتأثيرات التي ستتبعها كإلقاء حجر في ماء راكد.
اقرأ المزيد: مصر والإخوان.. الحظ العاثر يفضح مزاعم التنظيم حول الاختفاء القسري
وبحسب الدراسة، تتأثر المنظومة الاقتصادية للإخوان، بحالة التفسخ التنظيمي وتآكل الثقة بين القواعد والقيادات، ونزع الصفة الروحية والدعوية، عن القيادات المتناحرة على السلطة والمال، وذلك سيكون له تأثيره المباشر على حجم المساهمات الفردية، وإحجام القواعد عن تقديم الاشتراكات أو التبرعات، خاصة أن الأزمة قد كشفت جانباً مظلماً يتعلق بالفساد المالي والتمييز داخل الجماعة، مثال على ذلك، الاتهامات الموجهة لمحمود حسين من جانب الإخوان أنفسهم، باستغلال منصبه السابق كأمين عام للجماعة، للاستيلاء على أموال التنظيم التي كانت تحت يديه، والامتناع عن إرسال المساعدات الشهرية لبعض الأسر الإخوانية.
ومؤخراً، تم الترويج لما أطلق عليه الصراع التنظيمي بين قيادات جماعة الإخوان الإرهابية في لندن بقيادة إبراهيم منير، وإسطنبول بقيادة محمود حسين، وعدد من قيادات الجماعة الهاربين من مصر في أعقاب عام 2013، وتبادل الطرفان اتهامات بالفساد المالي والأخلاقي لحسم السيطرة على موارد المال والقيادة المركزية في التنظيم، وفي ظل حالة التصعيد المستمرة من جانب القيادات تبدو الجماعة على حافة "انهيار حتمي"، بات قريباً، تعززه مؤشرات الانهيار التنظيمي والانشقاق وأيضاً فقدان السيطرة المركزية على الموارد، ما يعني أن نهاية جماعة الإخوان "أخطر تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة" أوشكت جداً.
ليفانت- رشا عمار
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!