-
مآلات السياسة الخارجيّة السعوديّة في ظلّ الأزمات التي تعصف بالمنطقة على كافّة الأصعدة
اتّسمت السياسة الخارجيّة للمملكة العربيّة السعوديّة، خلال العقود الماضية، بمبدأ القوة السياسيّة الناعمة وتعميق أواصر ارتباطها بالمحيط الشقيق وبالصديق البعيد ومع القوى العالميّة والإقليميّة، متّخذة من تحقيق مصالحها الوطنيّة والمصالح العربيّة بوصلة توجّه هذه السياسة بالاعتماد على عدّة أوراق قويّة تجعل من المملكة قوة لا يستهان بها على كافة الأصعدة، السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة.
وخلال العقد الماضي، ظهرت تحدّيات جمّة، كبيرة وخطيرة، واجهت المملكة العربيّة السعوديّة، بشكل خاص، والأمة العربيّة والمحيط الإقليمي، بشكل عام، أبرزها، تعاظم واستشراء خطر الإرهاب وتنظيماته الأصوليّة المتمثّلة بداعش والقاعدة ومفرزاتها، وتعاظم الخطر الأكبر الذي يهدّد كينونة ومستقبل الأمة العربيّة وتاريخها وحاضرها، وهو خطر المشروع الإيراني الفارسي وأذرعه العسكريّة المنتشرة في المحيط الجيوسياسي للمملكة العربيّة السعوديّة، والذي يتحكّم بقرار عدّة بلدان عربيّة، كسوريا ولبنان والعراق واليمن، وبات يسيطر عليها وعلى مقدراتها ويستأصل تاريخها وحاضرها عبر عمليات التغيير الديمغرافي ورسم خطوط ما يسمّى بالهلال الشيعي، وهو المشروع الأكثر تدميراً وخطورة على المنطقة والسلم الإقليمي والدولي.
وهذه المتغيّرات الكبيرة استدعت من المملكة العربيّة السعوديّة بحكم مكانتها العربيّة والدينيّة والدوليّة أن تتصدّى لهذا المشروع وباقي العواصف التي تعصف بالمنطقة. وبدا واضحاً وجليّاً النشاط السياسي والاقتصادي والعسكري الكبير للمملكة العربيّة السعودية، خلال السنوات الماضية، مع تولّي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الإشراف على مفاصل السياسة السعوديّة من خلال ما يحمله من صفات تؤهّله لقيادة دفّة السفينة في هذا البحر المتلاطم.
إنّ الرؤية السياسيّة الاستراتيجيّة التي يتمتّع بها ولي العهد السعودي بإيجاد حلول لمشاكل المنطقة العربية وانطلاقها من مبادئ أساسيّة كانت موجّهة على مرّ العقود الماضية للسياسة السعوديّة، هي التي رسمت آفاق السياسة السعوديّة الحالية، والتي قامت على عدّة مبادئ، أهمها: تنقية الأجواء العربيّة، وسعي هذه السياسة لتكون الضامن لحلّ أيّة خلافات عربيّة.
وفي هذا الإطار، بذلت السياسة السعوديّة جهوداً ضخمة بتوجيه من الأمير محمد بن سلمان، حيث تكلّلت هذه الجهود بالمصالحة الخليجيّة، ورأب الصدع بين الأشقاء، لتوجيه الجهود من أجل مجابهة الأخطار التي تحيط بمستقبل شعوب المنطقة. ومن خلال هذه المصالحة بدأت ترتسم سياسة جديدة قائمة على التنسيق بين دول الخليج العربي، بشكل خاص، والدول العربيّة، بشكل عام، وبدت انعكاسات هذه المصالحة جليّة على معالجة أكثر من ملف سياسي واقتصادي وأمني يخصّ دول المنطقة، وكانت هذه البداية لإعادة التنسيق بين الدول الإقليميّة من أجل الحدّ من نفوذ تمدّد الخطر الإيراني، من خلال الإصرار على البدء بمعالجة الأزمة السوريّة وفق القرار 2254، وتعرية الدور الإيراني الهدّام في سوريا، وفضح سياساته الإجراميّة.
ولعلّ خطاب مندوب المملكة العربيّة السعوديّة، منذ أيام، في الأمم المتّحدة، خير دليل على تفعيل التوجّه السعودي القديم في مناصرة ودعم الشعوب العربيّة وتطلّعاتها، كل هذا كان بفعل الدفع الكبير لهذه السياسة المتّزنة التي أضفتها الرؤية الصائبة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. وهنا لابد من ذكر المشاركة الفاعلة لهذه السياسة في تحقيق رؤية الحلّ الشامل في ليبيا بين مختلف الفرقاء، بالإضافة لإصرار السياسة السعوديّة على اجتثاث مفاصل الإرهاب في اليمن، والسعي لحلّ المأساة اليمنيّة، وتخليص الشعب اليمني من عصابات إيران المتمثّلة بمليشيا الحوثي.
وكان للسياسة السعوديّة الدور الكبير في تصنيف أحد أهم أذرع المشروع الإيراني في كثير من الدول الأوروبيّة على قوائم الإرهاب العالمي، وهو حزب الله اللبناني، وسعيها الدائم لقطع أذرع الإرهاب الإيراني في المنطقة، وتعزيز مسألة السلم والأمن الإقليمي والدولي، لصوابية الرؤية والواقعية السياسية التي تتعامل بها المملكة العربية السعودية في إدارتها للأزمات التي تعصف بالمنطقة، والمواقف التي تتخذها من هذه الأزمات عبر الأنشطة الفاعلة، ومدّ يد التعاون لجميع القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة لمعالجة هذه القضايا يتّضح من خلال الدعم الذي تقدّمه المملكة، سياسيّاً واقتصادياً، للشعوب العربيّة، وشعوب المنطقة، بشكل عام، وهنا لابد أن نسلّط الضوء على الدعم الكبير الذي قدّمته المملكة العربيّة السعوديّة طيلة سنوات الأزمة السوريّة، وما زالت تقدّمه للشعب السوري، لتجاوز محنته وتحقيق حريّته، وسعيها الجاد لدعم هذا الشعب في المحافل الدوليّة، وتقديم الدعم الإنساني، والتأكيد مراراً أنّ الحلّ في سوريا يمرّ عبر القرار ٢٢٥٤، والسعي الحثيث الجاد لدى كل القوى الفاعلة لإيجاد حلّ يرضي جميع السوريين ويعيد سوريا لمكانتها العربيّة والإقليميّة والدوليّة.
كل هذا تحقق بفعل السياسة الحكيمة التي انتهجها الأمير محمد بن سلمان، في توجيه دفّة السياسة السعوديّة نحو خير المنطقة والشعوب العربية بما لا يتناقض مع المصلحة الوطنيّة للمملكة العربيّة السعوديّة، ودون التخلّي عن الثوابت والمبادئ التي قامت عليها أسس السياسة السعوديّة، التي أرساها الآباء المؤسّسون للمملكة العربيّة السعوديّة.
ولابد من الإشاره الى الدفعة الكبيرة التي قدّمها سمو الأمير في إحياء المبادرة العربيّة للسلام، التي أطلقها جلالة الملك الراحل عبد الله بن العزيز، والتي بدأت تظهر وتنعكس ملامحها على القضيّة الفلسطينيّة، وإرساء دعائم السلام في المنطقة، دون التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني، وسحب البساط من تحت المتاجرين بهذه القضية، ممن يُسمّون أنفسهم زوراً وبهتاناً (محور المقاومة)، والتي ظهرت حقيقتها بأنّها مقاومة ضد حريّة الشعوب العربيّة، أولاً، ولخدمة المشروع الإيراني، ثانياً، وكانت الخنجر الذي طعن الأمة العربيّة في ظهرها، وشرّد ودمّر الشعوب العربيّة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.
ومما سبق، فإنّ التأكيد على الالتفاف العربي حول المملكة العربيّة السعوديّة لإيجاد حل للقضيّة الفلسطينيّة وفق مبادرة السلام العربيّة، هو السبيل الأفضل لتحقيق تطلّعات الشعب الفلسطيني في إرساء دعائم السلام واستعادة حقوقه المشروعة وفق قرارات الأمم المتّحدة ذات الصلة، والتفرّغ لمجابهة المشروع الإيراني الذي يهدّد الوجود العربي والكردي، كدول وشعوب.
هذه أبرز ملامح السياسة الخارجيّة للمملكة العربيّة السعوديّة، التي تشكّل بمجملها نهجاً عربيّاً خالصاً، كما كانت سابقاً على مرّ العقود الماضية، منذ التأسيس وحتى هذه اللحظة.
ثائر عبد العزيز الحاجي
مدير مؤسسة ليفانت للإعلام الدولي – لندن
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!