الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
قيادة الائتلاف تقيل من أجل الهيمنة والسيطرة
ماهر إسماعيل

يبدو أنّ ضرائب الاستمرار في عمل اللجنة الدستورية وهيئة المفاوضات بدأت تفرض ذاتها على القوى المشاركة في هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية نتيجة الفشل الذريع الموجود في عمل اللجنة الدستورية وهيئة المفاوضات، بسبب نهج الهيمنة والسيطرة والتفرد في هذه الهيئات السياسية السورية التي تدّعي تمثيل المعارضة السورية بعيداً عن أي اختيار شعبي لها، واعتماداً على القوى المشغلة لها، سياسياً وعسكرياً، في مناطق نفوذ هذه الدول.

وبمجرد رفع الصوت بعدم جدوى الاستمرار، أو الاعتراض، أو احتمال الاعتراض، عمدت قيادة الائتلاف إلى إقالة (14) عضواً من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهم (حاتم الظاهر، عبد الله فرج، جمال الورد، أمل شيخو، كفاح مراد، جلال خانجي، عبد المجيد الشريف، علا عباس، محمد صفوان جندلي، حسن عبد الله، حسان الهاشم، زياد العلي، وليد إبراهيم، ومحمد أيمن الجمال)، واستبدال رؤساء المجالس المحلية (إدلب، حلب، الرقة، دير الزور).

وتسربت أخبار عديدة أن الإقالات تمت بناءً على رغبة تركية، بسبب اعتراض الأعضاء المقالين على عمل اللجنة الدستورية، وعلى صيغة أستانا.

إن دور الأتراك في العملية السياسية السورية واضح منذ بدايتها التفاوضية، وتمسكهم باللجنة الدستورية، والإيحاء بخطوات واضحة تجاه من يعارض العمل في اللجنة الدستورية، والمبادرة من قبل قيادات الائتلاف إلى إقالتهم، ودفع من يؤيد الائتلاف ورؤيته مكان المعارضين لهذه الخطوات كجزء من عملية إزاحة من يمكن أن يعارض العمل والنتائج المستقبلية، وبالتالي قيادة الائتلاف، ومن خلفهم المشغل التركي، وهو المستفيد من سيطرتهم على جزء مهم من التراب الوطني السوري، وتصبح اللجنة الدستورية غطاء لبقاء الممثل التركي.

كل ذلك يوضح التدخل السافر من الأجهزة التركية، سواء (السياسة الداخلية أوالأمنية) في شؤون الائتلاف وهيئاته، ويظهر مقدار ارتهانه للمشغل التركي، فالأطماع التركية لا تقف عند الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي للائتلاف، فالقيادات المتنفذة فيه تفقد كل استقلالية قرارها السياسي، وتضع وجودها رهناً بالتبعية الخارجية، ويصبح وجودها مرتهناً ومرتبطاً باستمرار الاحتلال التركي للأراضي السورية في الشمال السوري.

ورداً على الإقالات، أصدر التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات "الدولة" السورية بياناً أعلن فيه انسحابه من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وذكر البيان أنّ "المكتب التنفيذي للتجمع الوطني الحر اجتمع واتخذ قراره بالانسحاب"، للعديد من الأسباب، منها (أن الائتلاف في العام 2012، طلب من التجمع أن يكون أحد مكونات الائتلاف، وقد وافق التجمع على ذلك الطلب حرصاً منه على وحدة قوة الثورة وعدم تشتتها).

وأوضح البيان أنه "على الرغم من المحاولات الحثيثة التي سعى من خلالها التجمع والمنشقون عموماً لتصحيح مسار الائتلاف والعمل بشكل مؤسساتي لتحقيق أهداف الثورة وطموحات الشعب السوري، وفي مقدمتها إسقاط ورحيل نظام بشار الأسد، إلا أن قيادته لم تتجاهل دعوات الإصلاح أو التوقف عن نهج التنازلات، وإنما استمرت في ارتكاب الأخطاء الكارثية، والإمعان في الفشل السياسي والقانوني وبيع الوهم للسوريين".

وأكد البيان أنه "رغم الاعتراض على اللجنة الدستورية وتبعاتها السلبية، بأنها خرق للعملية السياسية برمتها ولبيان "جنيف 1" والقرارات الدولية، لا سيما 2018 و2254، أصرّ الائتلاف عبر ممثليه في هيئة التفاوض السورية على الانخراط فيها، مع إصرار رئيس اللجنة الدستورية (وهو أحد أعضاء الائتلاف وأحد قياديه) على المضي في تلك اللجنة قدماً رغم كل المناشدات من السوريين في الداخل والخارج لتجميد عمل اللجنة أو الانسحاب منها كونها جاءت بالأساس لتمرير الوقت، كما رسمت لها روسيا وإيران".

وأضاف البيان، أنّ قيادة الائتلاف "لم تكتفِ بالانخراط في اللجنة الدستورية ليتبعوه بالهيئة العليا للانتخابات تزامناً مع انتخابات الدم للإرهابي بشار، ولولا وقوف السوريين ضد قرار هذه الهيئة من خلال المظاهرات والبيانات والضغط الشعبي والإعلامي لاستمرار الائتلاف في التنازلات وخرق العملية السياسية والقرارات الدولية غير آبه بمعاناة السوريين وتضحياتهم وآلامهم. وكأن الأمر يتعلق بشركة خاصة".

وأشار البيان، إلى أنّ "مآلات النهج السياسي للائتلاف لن تصب في مصلحة الشعب السوري بكل تأكيد، وإنما ستطلق رصاصة الرحمة عليه وعلى الثورة وتضحيات السوريين العظيمة، والمستفيد الوحيد من سياسة التنازلات هذه هو نظام الإجرام الأسدي وداعموه.

لكل ما تقدم، وبسبب الرفض المستمر للإصلاح، والتوقف عن سياسة التنازلات، ولاستبعاد الكوادر المنشقة الممنهج، وإنهاء عضوية ممثل التجمع الوطني الحر في الائتلاف، وهو عضو في اللجنة الخارجية للائتلاف، دون التواصل مع التجمع أو توضيح الأسباب أو طلب استبداله في حال توفرت الأسباب الموجبة للاستبدال، وهذا يثبت إمعان الائتلاف بقياداته العميقة على سياسة التفرد بالقرار بعيداً عن أي قواعد أو مبادئ يتوجب الالتزام بها".

إصلاح أم تثبيت هيمنة:

تدّعي قيادة الائتلاف المتمثلة بـ"أحمد رمضان، بدر جاموس، نذير الحكيم، أنس العبدة، هادي البحرة، عبد الأحد اسطيفو، وسالم المسلّط رئيس الائتلاف"، أنها تقود إصلاحاً وبسببها جاءت الإقالات خطوة نحو التهيئة لإجماع القيادة السياسية للائتلاف في المرحلة المقبلة.

 لكن الحقيقة الواضحة أن عملية الإقالة جاءت من أجل إبعاد المعارضة التي تقف ضد استمرار العمل في اللجنة الدستورية، وهيئة المفاوضات، فهذا التجمع الوطني الحر يعمل في مناطق سيطرة المعارضة ضد النهج السياسي التفاوضي الذي تعتمده أطراف أستانا في المشاركة والمتابعة في عملية (سياسية، تفاوضية، ودستورية) غير مضمونة النتائج، من هنا جاء موقفها المعارض لتوجهات قيادة الائتلاف التي تدعى أنها تقود عملاً إصلاحياً ذا برنامج واضح يعيد الائتلاف والمشاركين به إلى واجهة العمل الثوري كما يدّعي.

فالوقائع تدل على أن من يدعي الإصلاح يعتمد الإقصاء، ولا يعتمد الحوار الداخلي بين أطراف الائتلاف، ومع خروج التجمع الوطني الحر أصبح الائتلاف نهجاً سياسياً أحادي الجانب يعتمد وجوده على العلاقة مع الهيئات السياسية الدولية، وإداراتها تجاه حل القضية السورية، وبهذا يتضح أن الائتلاف قام بما قام من أجل تثبيت هيمنته على هيئة المفاوضات ومسار اللجنة الدستورية.    

من كل ما سبق، يتضح مقدار الخلافات في الائتلاف حول دوره وما هو مطلوب منه على المستوى المعارضة السورية ككل، فهو ما زال يختطف هيئة المفاوضات من خلال التمسك بالمستقلين القدماء الذين يضمن بأصواتهم الأكثرية في اختطاف الهيئة، بينما المستقلون الجدد بقوا خارج الهيئة، التي يمكن أن تلعب دوراً إصلاحياً مهماً في توسيع الهيئات المعارضة وإدخال أطياف معارضة أخرى كالأكراد متثلاً بـ"مسد"، وفتح حوار مع أطراف سياسية شبابية لديها بنية تنظيمية سياسية شبابية ظهرت في تجمعات مدنية ديمقراطية بأوربا، تعزز من تمثيل السوريين أمام الهيئات السياسية الدولية، وفي مناطق إدلب يجب إدخال القيادات المحلية المدنية بعيداً عن "داعش، النصرة، وأشباههما".

إن مطلب توسيع تمثيل المعارضة وإعادة هيكلتها بما تقتضي المصلحة الوطنية والديمقراطية السورية في أطر سياسية جديدة قابلة للحياة، بما يعني توسيع تمثيل القواعد الشعبية لهذه المعارضة، سواء خارج سيطرة النظام أو معارضة الداخل في مناطق سيطرة النظام، خصيصاً أن محافظة السويداء وكياناتها السياسية المعارضة لم تدخل حتى الآن في أي إطار سوري معارض، ما يصبغ عليها صفة المناطقية والطائفية، ولا يدخلها في الإطار الوطني السوري الجامع ومؤسساته المعارضة، لذا كل ذلك يتطلب جهداً سياسياً عالياً في محاولة لتأطير المعارضة السورية في إطار جديد خارج هيمنة وسيطرة الائتلاف وقبضة المشغل التركي.

ليفانت - ماهر إسماعيل    

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!