الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • داعش وطهران.. الثابت والمتغيّر في تحالفات الإسلام السياسي (السنّي والشيعي)

داعش وطهران.. الثابت والمتغيّر في تحالفات الإسلام السياسي (السنّي والشيعي)
كريم شفيق

إثر الانبعاثات الأخيرة والمباغتة لتنظيم داعش الإرهابي في عدد من دول المنطقة، من بينها سوريا وليبيا والعراق، تبدو محددّات إقليمية ودولية تؤشر على طبيعة المهام الوظيفية التي تقوم بها الأجسام التنظيمية، رغم تباينها، في المناطق الرخوة أمنياً وسياسياّ. واللافت أنّ العمليات المسلحة والعسكرية للمجموعات الإرهابية تعكس تأزّم الاستقطاب الدولي، وبنفس الدرجة، سيولة الأوضاع، الميدانية والسياسية، في الملفات الخارجية، بما يفرض عودة أو بالأحرى استعادة للوكلاء المحليين في إطار أدوار ومناورات تكتيكية محددة.

ورغم الخلاف الظاهري، الأيدولوجي والسياسي، بين قوى الإسلام السياسي السنّي ونظام الولي الفقيه في إيران، والذي يفترض أن يباعد بينهما، غير أنّ الخبرة العملية والممارسة السياسية تكشف عبر محطاتها المتفاوتة جملة تحالفات، بعضها خفي والآخر معلن، بين الطرفين، بمرونة وبراغماتية شديدتين. وقد عمدت طهران ومثلها التنظيمات الإسلاموية على تنحية الكتل الصلبة التي تعيق اصطفافاتهم السياسية، المؤقتة والعرضية، أحياناً، لجهة تحقيق مآلات ومصالح إقليمية مشروطة وغير استراتيجية، من دون الوضع في الاعتبار الحمولات الأيدولوجية.

ولا تعدو التحالفات التكتيكية بين النظام الإيراني الذي يطوق المنطقة بميلشياته المدعومة من الحرس الثوري، في اليمن وسوريا والعراق، وعدد من التنظيمات الإرهابية (السنية)، أمراً جديداً أو طارئاً، فثمة سوابق عديدة، من بينها توفير دعم هائل للجماعات الجهادية في البوسنة، تسعينات القرن الماضي، والذي امتد لتنظيم القاعدة، حتى عام 2015، وفق تقارير أممية، رسمية وصحفية وحقوقية، ناهيك عن توفير ملاذات آمنة لقياداتهم في طهران، والأمر ذاته تكرر مع قادة تنظيم داعش.

كما لا يمكن اعتبار أنّ هناك خلافات جمّة أو تناقضات رئيسية بين نظام الولي الفقيه، الذي يمثل النسخة الشيعية من الإسلام السياسي، ومماثله السني. إذ إنّ ثمّة مشتركات عديدة تجمعهما. فمن الناحية السياسية، يظل العداء المشترك للغرب والولايات المتحدة من بين الأمور التي تحتفظ براهنيتها في أدبيات الطرفين، فضلاً عن رؤيتهما تجاه ضرورة تشتيت "العدو القريب" عبر مواصلة العداء والمواجهات الخشنة تجاه الحكومات المحلية، لجهة إضعاف قدراتها ونزع الحكم والشرعية منها. ومن الناحية الأيدولوجية، تجمع النخب السياسية الحاكمة في التيارين جملة مبادئ ومفاهيم تتماثل في مضمونها وأهدافها منها "أستاذية العالم و"دولة الخلافة" و"الولي الفقيه" و"تصدير الثورة" و"دعم المستضعفين".

وقد سبق لقادة الحرس الثوري الإيراني، أن كشفوا عن صلات بين تنظيمهم المسلح والعسكري، وكذا التنظيمات السنية المماثلة، إذ ذكر أحد قادة الحرس المتقاعدين، حسين الله كرم، في لقاء مسجل مع موقع "نامه نيوز" القريب من التيار المحافظ والمتشدد، أنّ "للقاعدة مستويات مختلفة، فكان هناك فرع لقوات البوسنة والهرسك، وكان مرتبطاً بنا بطريقة أو بأخرى. وبالرغم من أنهم كانوا يتدربون في مقر القاعدة، لكن عندما يستلمون أسلحتهم كانوا ينضمون إلينا لأسباب مختلفة وعموماً كانت العلاقة مع القاعدة بهذا المستوى".

ومثلما كانت طهران حاضنة لعناصر وقادة تنظيم القاعدة، لجهة تحقيق مصالحها المحلية والإقليمية، وتحديداً ما يتصل باستخدامهم كأداة ضغط ثم تفاوض (وابتزاز في أحايين كثيرة) ضد الولايات المتحدة، وكذا تهدئة النزاعات الداخلية والمحلية على حدودها المتاخمة لباكستان، عبر إغلاق جيب مهم قد تتسلل منه عناصر متشددة، تبعث بتوترات مع القوميات غير الفارسية والأقليات الموجودة بالمنطقة، حدث الأمر ذاته مع تنظيم داعش، لكن بتفاوتات فرضتها الشروط السياسية والإقليمية.

وقد ألمح التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية، نهاية العام الماضي، بأنّ طهران تأوي قادة من تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، بينما أكدت تقارير أجنبية أخرى، أنّ قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، والذي استهدفته غارة أمريكية في بغداد، مطلع عام 2020، في ذروة التصعيد الخشن بين واشنطن وطهران، دشن مجمعاً سكنياً في إحدى قواعد الحرس الثوري العسكرية لعائلة أسامة بن لادن، بعد فرارها من أفغانستان، عام 2001.

كما تم إنشاء "خط مرور رئيسي لتيسير عمليات النقل عبر إيران، منذ العام 2009، وتمكين القاعدة من نقل الأموال والمقاتلين إلى جنوب آسيا". وفق تقرير الخارجية الأمريكية.

ورغم ندرة المعلومات والحقائق التي تفرض حالة من الغموض والالتباس على قضية اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أبو محمد المصري، في أحد شوارع العاصمة الإيرانية، طهران، قبل نحو عامين، إلا أنّها ألمحت إلى وجود عناصر القاعدة العسكريين، الأمر الذي تزامن مع تحركات لافتة للأوليغاركية الإيرانية المتسيدة للحكم، لجهة إعادة تموضع هذه القوى الراديكالية في النزاعات الإقليمية التي انخرطت فيها طهران، خلال العشرية الأخيرة، بالمنطقة. وقد بعث القائد السابق لفيلق القدس بقرابة خمسة منهم إلى دمشق، من بينهم محمد المصري، للاتصال بمقاتلين آخرين من داعش، بغية تحريضهم على الانشقاق وتوحيد التنظيمين.

بينما ظهرت في آب (أغسطس) عام 2017، عمليات التنسيق الأمني المحمومة بين ميلشيات حزب الله اللبناني والتنظيم الإرهابي بسوريا لتسهيل تسلل عناصره المسلحين عبر مدينة البوكمال، وهي الفترة ذاتها التي أعلن الحشد الشعبي المدعوم من طهران إتمام هيمنته على المنطقة الحدودية، وقد كانت المعارك محتدمة بين داعش والأخيرة في نينوي المتاخمة للحدود مع سوريا. وكان لافتاً تفادي داعش تنفيذ أي هجمات في المناطق السنية بالعراق، في كربلاء وصلاح الدين وديالي، والتي كان يعتبرها أبو مصعب الزرقاوي، في مرحلة سابقة، بمثابة أولوية قصوى، وهي المناطق ذاتها التي صعدت على متنها الأحداث، بوتيرة سريعة، مطلع عام 2020، في ظل ظروف مغايرة. وهذا التنسيق، تارة، والصراع المحدود، تارة أخرى، كان يعكس محاولة للحفاظ على درجة لا تسمح بالتفلت فيما يتصل بالمواجهة بين واشنطن وطهران على خريطة الصراع بين بغداد ودمشق.

تطييف الصراع في سوريا، كان هدفاً ملحاً اعتمد عليه نظام "الأسد" وحلفاؤه الإقليميين والدوليين، لإيجاد حيلة لاستمراريته في الحكم. وبالتبعية، وجدت طهران التي تبحث، راهناً، عن تعويض خسائرها ونفقاتها المادية الهائلة، عبر تحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، في الأمر ذاته (حماية العتبات المقدسة، ثم محاربة الجماعات الإرهابية التي ما لبثت أن تحولت إلى تحالف)، حجّة للانخراط في الصراع الإقليمي، وتبرير وجودها العسكري، وذلك ما يفسر العلاقة الجدلية بين الطرفين.

وبالمحصلة، فإنّ العقل البراغماتي للنظام الإيراني والذي يحكم تعاطيه السياسي الانتهازي مع التنظيمات المتشددة والراديكالية، يضحى تأويلاً ممكناً، لا سيّما مع تواتر معلومات عن تهديدات مضمرة ومحتملة، عرج عليها قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، خلال زياراته غير المعلنة والسرية للعراق، وتلميحاته المتكررة لانبعاث تهديدات تنظيم داعش الإرهابي، الأمنية والسياسية، مجدداً، والموجهة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وذلك على خلفية انحسار نفوذ تحالف الفتح، الجناح السياسي للحشد، في الانتخابات الأخيرة، والتي زلزلت نتائجها الأرض تحت أقدام وكلاء طهران، ومثلّت تهديداً وجودياً لنفوذهم المحلي والخارجي في بغداد.

 

ليفانت - كريم شفيق

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!