الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الخلاف الشيعي - الشيعي
مقداد خالد الكركري

يعود أصل الخلاف بين نوري المالكي، زعيم الائتلاف، ومقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، إلى أحداث عام 2008، حين قام نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت، بشن عملية عسكرية حملت تسمية "صولة الفرسان" في كل من البصرة والناصرية وبغداد والمناطق العراقية الأخرى، التي كانت شبه خاضعة لسيطرة الميليشيات الدينية المسلحة، وتمت عملية صولة الفرسان بإسناد ودعم أمريكي للجيش العراقي الذي أشرف نوري مالكي بشكل مباشر على عملياته العسكرية ضد الجيش المهدي وذلك للسيطرة على الميليشيات الدينية وكبح جماحها ووقف تدخلها بشؤون الدولة والحكومة.

يهدف المالكي من خلال تلك العملية إلى إقصاء مقتدى الصدر وميليشياته الدينية من المشهد العراقي، وبالفعل استطاع الجيش العراقي بدعم لوجستي أمريكي من إنزال الهزيمة بالجيش المهدي الذي كان يقوده مقتدى الصدر وتشتيته والزج بأفراده في السجون واعتقال مؤيديهم مما أدى إلى اضطرار مقتدى الصدر للفرار نحو دولة إيران واللجوء إليها لحين عام 2011، ليعود مرة أخرى إلى العراق.

وأدت هذه الأحداث الدامية بين الجيشين إلى انحسار الصراع والتنافس السياسي بين حزب الدعوة الذي ينتمي إليه نوري المالكي وبين التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر، وإلى صراع وتنافس بين شخص نوري المالكي ومقتدى الصدر.

وخلال الفترة الثانية عندما تولى المالكي منصب رئاسة الوزراء في العراق، ازدادت الأوضاع الأمنية في العراق سوءاً بسبب اعتصامات العشائر العربية السنية في المحافظات الغربية ضد الحكومة العراقية التي كان نوري المالكي يقودها، وكذلك ازدادت هجمات المتطرفين من تنظيم داعش على القوات العراقية في المحافظات العراقية مستغلين خلافات العشائر واعتصامهم ضد الحكومة العراقية، وفي 2014 استطاع تنظيم داعش الإرهابي فرض سيطرته على عدة محافظات عراقية، أبرزها محافظة نينوى (الموصل) وصلاح الدين ومعظم أراضي ومدن محافظة الأنبار وصولاً إلى مناطق بالقرب من بغداد كالجرف الصخري، واتهم مقتدى الصدر نوري المالكي بأنه باع ثلث العراق وتسبب بسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من العراق وسقوط محافظات عديدة بيدهم، أمر أدى إلى مأساة كبيرة لأهالي تلك المحافظات ووقوع مجازر دموية في العراق أهمها مجزرة سبايكر التي ارتكبها تنظيم داعش.

أما من جهة أخرى، يتهم نوري المالكي زعيم التيار الصدري بالمشاركة في الحرب الأهلية العراقية خلال فترة 2006-2008 بقيادته لجيش المهدي أيام الحرب الطائفية (بين السنة والشيعة) في العراق، وبأن جيش المهدي يقوض سلطة الدولة، وكان السبب في عدم الاستقرار الأمني في العراق وتسبب بمأساة المواطنين العراقيين وزرع الخوف الرعب في قلوبهم.

أما فيما يتعلق بالخلاف الأخير بين الشخصيتين، ظهر بعد الانتخابات البرلمانية العراقية في عام 2021، إذ فاز التيار الصدري بـ 74 مقعداً برلمانياً فيها، وحاول الصدر تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان العراقي بتحالفات عابرة للقومية والطائفية، وتركز الخلاف هنا بينهما حول نمط تشكيل حكومة جديدة، فمن ناحية يريد الصدر أن يشكل حكومة الأغلبية بالتحالف مع الأحزاب السنية التي يقودها كل من خميس خنجر ومحمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يترأسه مسعود بارزاني، ويصرّ الصدر على إبعاد المالكي من تشكيل أية حكومة مقبلة، ولا يقبل بوجود نوري المالكي ضمن الحكومة القادمة بأي شكل من الأشكال ويحاول الصدر بهذه الخطوة تفكيك الإطار التنسيقي بإبعادهم عن نوري المالكي، أي إقصائه من الساحة السياسية العراقية.

أما نوري المالكي والمتحالفون معه من أحزاب شيعية، يقودها هادي العامري، زعيم فيلق البدر، وقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، والاتحاد الكوردستاني بزعامة بافل طالباني، فهم يريدون تشكيل حكومة توافقية تضم جميع الأحزاب والمكونات العراقية من دون إقصاء أي جهة أو مكون، وأدّت هذه المواقف المتناقضة بين الجهتين إلى ولادة أزمة في تشكيل حكومة عراقية وتعقيدها مما أفسح المجال للأطراف الخارجية بالتدخل في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

في الحقيقة، إن أزمة تشكيل الحكومة العراقية وتناقض مواقف أحزاب شيعية مرتبط بالواقع الإقليمي والدولي والصراع بين القوى العالمية العظمى، إذ إن هناك مشروعين دوليين متناقضين في الشرق الأوسط، يمران عبر العراق ويصبح العراق مفترقاً للطرق لهما، وهما كل من مشروع طريق الحرير الصيني "الحزام والطريق" ومشروع "الشام الجديد" الذي طرحه البنك الدولي عام 2014؛ إذ تدعم الولايات المتحدة الأمريكية مشروع الشام الجديد للوقوف بوجه المشروع الصيني في المنطقة.

قوى الإطار التنسيقي ونوري المالكي يتبنون مشروع طريق الحرير الصيني ويحاولون وضعه في أجندة الحكومة العراقية المقبلة بدعم إيراني، كون الطريق يمر عبر إيران منه إلى العراق (يعد طريق الحرير إنقاذاً للاقتصاد الإيراني المتدهور نتيجة العقوبات الأمريكية) ويحاول الإطار التنسيقي تهيئة الظروف، والبيئة العراقية مشروع الحزام والطريق قدر الإمكان، أما الصدر وتياره فيقومون بدعم رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، الذي يتبنى مشروع الشام الجديد بدعم أمريكي ويعتزم على تنفيذه بالاتفاق مع عدة دول عربية منها (مصر والأردن)، وكذلك يقوم بالتقارب مع دول الخليج العربي، خاصة مع السعودية والإمارات، الأمر الذي يزعج حلفاء إيران في العراق.

وانعكس هذا التناقض في تبني المشاريع الدولية بدعم خارجي على الواقع العراقي وانسداد الحلول السياسية، وكذلك أثر على الواقع الأمني أيضاً بتحركات الفصائل الولائية لإيران في العراق واستهدافها لمعارضيها عبر القصف الصاروخي حتى إن التنافس وصل لمحاولة السيطرة على المناطق الاستراتيجية في العراق، كمنطقة سنجار/ شنكال، التي تعد بمثابة لب الطرق الدولية المارة في العراق وبوابتها نحو أوروبا والمنطقة.

وللوقوف على هذه الخلافات أكثر والحصول على رؤية أدق للخلاف الشيعي - الشيعي (المالكي والصدر نموذجاً)، لا بد من التركيز على الجانب الفقهي والعقائدي للطرفين، فهناك تعارض واختلاف فقهي عميق وجوهري بين الجانبين برغم من أن الجهتين تؤمنان بالمذهب الاثني عشري الإمامي، فالإطاريون أو ما يسمون بـالولائيين في وسائل الإعلام، يؤمنون بمبدأ ولاية الفقيه الذي اجتهده الإمام الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران، والولي الفقيه، في رؤية الولائيين هو وكيل الإمام الغائب وممثله على الأرض لحين ظهور (الإمام المهدي)، وأنه من الواجب الديني والمذهبي اتباع الولي الفقيه وطاعته وأن ما يقوله الولي الفقيه يجب اتباعه وتنفيذه من باب العقيدة والدين وطاعة للإمام الغائب؛ وأن الذي لا يتبع الولي الفقيه يعتبر عاصياً للإمام الغائب وأوامره (ويجب اتباع الولي الفقيه ودفع الخمس إليه إلى حين ظهور الإمام المهدي وأن الولي الفقيه هو ممثل للشيعة في العالم وزعيمهم فيها).

ولا يشترط عند الولائيين أن يكون الولي الفقيه من آل البيت ومن العرب، فيجوز عندهم أن يكون الولي فارسياً أو تركياً أو كوردياً، أما مقتدى الصدر وأتباعه لا يؤمنون إلى حد الآن بمبدأ ولاية الفقيه، الوكيل للإمام المهدي الغائب، ويرى الصدر وأتباعه بأن قيادة الشيعة في العالم يجب أن تكون في يد العرب كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عربياً ومن بين العرب يجب أن تكون القيادة لآل البيت، ومن ثم بيد مقتدى الصدر كونه يرجع بنسبه لآل البيت عليهم السلام.

وفي الوقت الراهن يتجه الوضع بين الطرفين للمزيد من التعقيد والصراع السياسي حول تشكيل الحكومة والزعامة الدينية والوطنية، واشتد الصراع أكثر بعد تسريبات منسوبة لـ نوري المالكي ضد مقتدى الصدر وأتباعه ورغبة المالكي في مواجهة الصدر، حتى وإن اتسع الصراع لمواجهة مسلحة بين الطرفين، ودعا الصدر حلفاء المالكي لاستنكار تسريبات المالكي والتبرؤ منها وقام بدعوة نوري المالكي إلى تسليم نفسه للقضاء.

إن اندلاع أي صراع في العراق بين التيار والإطار (الصدر والمالكي) سيؤدي لعواقب وخيمة على العراق وعلى المكون الشيعي، على وجه الخصوص، وستتضرر معظم دول المنطقة في الشرق الأوسط من أي حرب داخلية في العراق، خاصة سوريا ولبنان ودول الخليج، كالسعودية، وأمن الطاقة العالمية سيكون محل تهديد وخطر كون العراق مصدراً مهماً للطاقة العالمية، خاصة للدول الآسيوية، كالصين.
 

ليفانت - مقداد خالد الكركري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!