-
إيران.. خطوات متسارعة نحو الهاوية
من الخطأ الاعتقاد أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإسقاط نظام الملالي في إيران، وهو الذي دأب على خدمة مصالحها في المنطقة سرّاً وعلانية، من تحت الطاولة وفوقها، وكان منذ قيامه قبل أربعين عاماً عصاها التي تهشّ بها على دول الخليج النفطية بشكل خاص، والعالم الإسلامي السنّي بشكل عام، في الوقت الذي رفع فيه على الدوام شعار "الموت لأمريكا".
مئات مليارات الدولارات قبضتها أمريكا من دول الخليج العربي ثمناً لأسلحة هجومية ودفاعية تحسّباً من خطر إيران الذي كانت أمريكا تدفع باتجاه زيادة تصعيده من خلال السماح لها بالتمدد الطائفي والعسكري في محيط الخليج من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وحتى داخله.
زادت أمريكا على ذلك، بأن سمحت -وربما أوعزت- لإيران باستهداف حركة الملاحة وناقلات النفط واستهداف المنشآت النفطية العربية، بهدف تصعيد الموقف حتى الذروة، تمهيداً للخطوات القادمة التي أعقبت ذلك، وتمثّلت بتدفق مالي هائل عليها لشراء السلاح، وتحضيراً لتحرّك مدروس لضبط جموح إيران، وضبط تمدّدها وفقاً للأجندات المرسومة في دوائر صنع القرار الأمريكي والعالمي، تجلّى باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، المشرف والمخطط الرئيس للتغوّل الإيراني الخارجي.
في الوقت الذي ظنّ فيه الجميع أن مفاعيل اغتيال سليماني انتهت بالقصف الإيراني لقاعدتين أمريكيتين في العراق، تبيّن أن جوقة النظام الإيراني فقدت ضابط إيقاعها برحيل سليماني، وبدأت تعزف نشازاً في غير الوقت المناسب، وقدّم إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية دليلاً صارخاً على ذلك، وسيتوالى النشاز بخطوات عرجاء أخرى، تقود إلى انفراط الجوقة القائمة وتشكيل بديل عنها.
إيران دولة ميليشيات، دولة مارقة، تتزعرن على المجتمع الدولي المدني والحضاري، وليس غريباً عليها ارتكاب حماقات مثل إسقاط طائرة مدنية، لكن بوجود سليماني، ما كان ذلك ليحدث دون دراسة دقيقة وتخطيط مسبق للنتائج وردود الأفعال.
تتسارع خطوات النظام الإيراني إلى الهاوية، وهذه المرّة يقود نفسه بنفسه، وليس أمريكا من تسيّره، فقد خسر تعاطف الدول الأوربية -أو حيادها- من خلال خطوته التصعيدية تجاه أمريكا والغرب، حينما أعلن عن بدء الخطوة الخامسة من خطواته لإلغاء الاتفاق النووي الذي وقّعه معهم في عهد أوباما، لكن الأوربيين وجدوا في هذا تجاوزاً كبيراً لا يمكنهم القبول به.
لكن أكثر ما سيجعل الأوربيين ومعهم كندا يبتعدون أكثر عن إيران ويضغطون عليها هو تورّط الأخيرة بإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، وهذا العمل خطير جداً لما يمثله من تهديد للملاحة الجوية العالم وحياة المسافرين العابرين لأجوائها، وهاهم يطالبون بإجراء تحقيق دولي بالجريمة، وعلى الأرجح ستتخذ إجراءات تصعيدية تجاهها، لأنها جريمة مكتملة الأدلة لا يمكن التغاضي عنها مطلقاً.
الآن، أمريكا وأوروبا وكندا، ومعهم كثير من دول العالم، إضافة للدول التي اكتوت بنيران إرهاب الميليشيات الطائفية الإيرانية، تتجه لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، وتشديد الخناق عليها عسكرياً، وهذا -على عظم تأثيره- سيكون أقل أثراً من تحرّك الشارع الإيراني بوجه نظام قادهم للفقر وهو يعيشون في أحدى أثرى دول العالم، نظام يتخبّط بسلوكيات استجلبت عداء كل العالم.
الشارع الإيراني يغلي، الشباب يحلمون بحياة أكثر انفتاحاً وحرية ورفاهية، وهم يتابعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات العالمية كيف يعيش نظراؤهم في بلدان أقل مالاً وحضارة، يريدون اليوم حياة جديدة مختلفة لا يستطيع نظام الحكم القائم توفيرها، وهو الذي يدفع مقدرات البلاد لرعاية إرهاب الميليشيات التي زرعها في دول الجوار، وتسبّب بحرمان البلاد من أكثر من نصف إيراداتها نتيجة أعماله المارقة التي أرغمت العالم على فرض العقوبات الاقتصادية عليه، إضافة لكونه نظاماً قائماً على العسكرة، لا يمكنه التحوّل للمدنيّة.
لم يعد الإيرانيون يصدّقون ادعاءات نظامهم بمعادات أمريكا وإسرائيل، وهم يشاهدون ما أسماه فيلق القدس، يقتل المدنيين في العراق وسوريا، ويتجاهل الهدف المعلن من إنشائه، وهو تحرير القدس، ولم يقتل إسرائيلياً واحداً منذ وجد، وما عادوا يصدّقون عداءه لأمريكا، وهو عندما أراد الانتقام لاغتيال سليماني أطلق صواريخ تافهة باتجاه قواعدها العسكرية العراق، بل وأبلغ أمريكا عبر عادل عبد المهدي قبل إطلاقها خوفاً من تصاعد غضبها.
الأهم من ذلك كله، أن الإيرانيين باتوا يدركون تماماً أن جيشهم مجرد جيش عادي بسلاح متواضع، عكس ما يحاول نظامهم إظهاره على أنه جيش عملاق يمتلك سلاحاً متطوراً، لذلك كلّه يسير الإيرانيون اليوم بتصميم أكبر على طريق إسقاط النظام القائم واستبداله بآخر يلبّي طموحاتهم، يكون شفافاً، أبعد، ولو قليلاً، عن السلطة الدينية.
هذه المرّة، لن يجد نظام الملالي طريقاً لعبور الأزمات التي يعيشها، بل ستتزايد أزماته، وستقوده بسلاسة إلى الهاوية.
تذكّروا جيدًا.
عبد السلام حاج بكري
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!