-
أخوّة الوطن أم أخوّة الثورة؟
الوطن الذي فشل في جمعنا بسبب فشل نظامه السياسي الذي قام على التمييز والاستعباد واللصوصية والظلم والجريمة والانتهازية والأنانية، وأهم من ذلك كله بسبب غياب القانون الناظم للعلاقة بين المواطنين والصائن للحقوق، بل غياب الدستور المعمول به فعلاً والناظم للاجتماع السياسي تحت عنوان الوطن الدولة.
لم يعد الوطن هو الانتماء الفعلي الذي نشعر به، بل بعد فشل الدولة وتحول أجهزتها لعداوة الشعب، لا يمكن توقع أن نتحدث عن رابط وطني، لغياب الأرضية التي يتم بها تعريف الوطن، هل هو القائد الذي سمى الوطن باسمه وأعطى لنفسه حق تقرير من يعيش ومن يموت، من يأكل ومن يجوع، من يقيم ومن يشرّد، أم هي الأرض التي صارت تخضع لسلطات أمراء الحرب والعصابات والميليشيات وجيوش الاحتلال، أم هو الشعب المنقسم بشدة على نفسه والمتصارع على كل شيء، خاصة بعد أن انهارت ظروف حياته لتقارب الوحشية البهيمية الجائعة والمرتجفة من البرد؟
لا الأرض ولا الشعب ولا السلطة يمكنها أن تعبر عن الوطن أو تمثله، لذلك فكذبة الانتماء الوطني والاحتكام له هي مجرد حلم طوباوي، أو خديعة تخفي نوايا كل طرف لاغتصاب الآخر تحت عنوانها، ولا يمكن ولا يحق لأي طرف ادّعاء الوطنية، لأن ذلك يعني القفز فوق الحقائق القاسية والمجازر الرهيبة التي ترتكب باسمه وعلى أرضه، وتعني المساواة بين القاتل والقتيل، المرتكب والضحية، وتعني القفز فوق كل مبادئ العدالة التي يفترض أنها الحارس الحقيقي للمجتمع ووحدته والسلم الأهلي بين أفراده ومكوناته.
يمكننا فقط الحديث عن وطن بعد استعادة كل ذلك، أي دستور جامع متوافق عليه بطريقة ديمقراطية، ونظام حكم يجسده ويطبق مواده، ونظام قضائي يقيم الحق ويعاقب المرتكبين ومستعد وقادر دوماً على فعل ذلك، أي يمكن فقط الحديث عن وطن وليس غابة أو ساحة سيرك وحشي، وليس سجن عبودية، بعد انتهاء الحرب وإقامة النظام الديمقراطي، لكن قبل ذلك فلا مطلقاً. والسؤال عندها كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل حالة الصراع الدائر حالياً، وكيف سيحسم هذا الصراع في ظل الاحتلالات وتدخلات الغرباء؟
لا بد من نجاح الثورة، ولا بد من أخوّة الثورة لكي نصل لأخوة الوطن بعدها، فالوطن لم يتبقَّ منه سوى عاملين هما التاريخ والثورة.. تشردت الأسر وتحطمت المكونات، وتحطمت المنظمات، وتفتت المجتمع، فلم يبقَ سوى أخوة الحلم بدولة ديمقراطية حرة متحررة تقفز فوق المكونات الصراعية نحو المكونات الوطنية، التي ترعى الحريات والحقوق، وتبني المؤسسات الجامعة الحارسة للوطن، وليس ميليشيات الصراع والتقاتل.
نعم نحن نعيش فقط في ظل أخوة الثورة التي تجمعنا، تجمعنا بواسطة شبكة التواصل، فهي الشيء الوحيد المتبقي الذي يديمها بعد توحش كل ما عداها وتحطّم بناها ومؤسساتها، خاصة التي ادّعت تمثيل الثورة لكنها قلدت النظام وصارت جزءاً لا يتجزأ من الوحشية والفساد الذي يضرب الوطن في صميم وجوده ومعناه.
بنظرة بسيطة لسجل المكالمات والرسائل على هاتفك تدرك فوراً أنه لا الأخ ولا ابن البلد ولا العلاقات الأخرى القومية والمذهبية هي من تجمعنا اليوم، وتجعلنا نتواصل ونجتمع في مضافات التواصل الاجتماعي، إنها فقط الثورة: ثورة الحرية والكرامة، ثورة الفكر والحق والعلم والمعرفة والحضارة.
من هذه القاعدة الافتراضية التي تجسد أخوّتنا، يمكن إعادة بناء وتجسيد الوطن عندما تنتظم الجهود وتجسد وسائلها التنفيذية المادية اللازمة لذلك، الثورة مستمرة باستمرار أخوتها الافتراضية، وباستمرار تفاعل الأخوة والناشطين، وهي التي شعرنا بها عند بداية الثورة، حيث صارت كل بيوت الثوار بيوتنا، وكل أهلهم أهلنا، وصار الهم العام هو من يجمعنا ويربط بيننا، إن رابطة الدم الحقيقية والنسب الحقيقي الذي ينتمي له السوريون بمقدار انتمائهم للحرية والكرامة والأمل والمستقبل والحضارة.
نحن أخوة الثورة الباقية والمستمرة، التي ستصنع الوطن، ولسنا أخوة الوطن الذي صار مسرحاً للوحشية والجريمة.
ليفانت - كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!