-
أبو عمشة وإخوانه.. سيوف مُسلطة وأدوات تنفيذ باقية ببقاء الأتراك
في العشرين من يناير العام 2018، كُتبت صفحة جديدة لسوريا عموماً، والمناطق الكردية خصوصاً، ضمن كتاب "المقتلة السورية"، عنوانها "استكمال القتل والنهب والإجرام الذي بدأه النظام السوري في الخامس عشر من مارس العام 2011"، تولت المعارضة السورية المسلحة المعروفة بـ"الجيش الوطني السوري"، وممثلتهم السياسية المعروفة بمسمى "الائتلاف الوطني"، تدوين حلقاته، فكتبته بدماء سكان منطقة عفرين الكُردية السورية.
غزو عفرين
خرج النظام السوري من عفرين، منذ العام 2012 تقريباً، عقب مواجهات صغيرة مع قوى كُردية، كانت فتية وقيد التشكل، وتتبع بالمجمل لحزب الاتحاد الديمقراطي، وحملت تلك الأحداث افتراضين أساسيين، أولهما، وجود اتفاق بين النظام والحزب على الانسحاب من عفرين بغية كسب المكون الكردي لصفه، وثانيهما، رغبة النظام في تخفيف الحمل العسكري عن كاهله، مع توجيهه قواته للنقاط الساخنة والتي كانت في وسط سوريا وجنوبها.
وفي العام 2014، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي ممسكاً أكثر بزمام القوة بعفرين، وتكلل ذلك بالإعلان عن تشكيل "الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين"، بالتعاون مع بعض الأحزاب المقربة منه، واستطاعت تلك الإدارة الفتية خلال سنوات قليلة، تشكيل قوى عسكرية ومؤسسات إدارية، وتصدت لهجمات متكررة من فصائل المعارضة في إعزاز وجبهة النصرة في إدلب، بجانب عمليات الحصار التي كانت تقع بين الفينة والأخرى.
اقرأ أيضاً: زعيمها قتل قربهم.. سكان عفرين الأصليون يتخوفون من تسلل داعش
ورويداً رويداً، باتت "الإدارة الذاتية في عفرين" قوة لا يستهان بها على الصعيد السوري، وهي عوامل ضاعفت من الحنق التركي على المنطقة الكردية، لما تشكله من ثقل كردي وازن، سيؤثر وجوده المتجانس كشعب وأرض، على حل المعضلة السورية ككل.
ليأتي القرار التركي بمهاجمة عفرين، في 20 يناير 2018، وتبدأ عبر حشد أكثر من 25 ألف مسلح من المعارضة السورية، بهجوم شامل على المنطقة، من جهاتها الأربعة، مرفقاً بهجوم جوي غير مسبوق في تاريخ الحرب بسوريا، حيث شاركت باعتراف الدفاع التركية في اليوم الأول للعمليات، 72 طائرة حربية تركية، قاصفةً مئات الأهداف في عفرين، وهو ما تواصل على مدار 58 يوم من العمليات العسكرية، التي اقنعت "الإدارة الذاتية" بعجز قواها العسكرية عن المواجهة، فاختارت الانسحاب من عفرين إلى ريف حلب الشمالي، حيث تقيم هناك إلى يومنا هذا مع عشرات الألاف من مهجري عفرين، الذين يقيمون في بلدات وقرى بمحيط تل رفعت ودير جمال، وأخرى ملاصقة لبلدتي نبل والزهراء.
ماذا جرى بعد احتلال عفرين؟
لم تُخب المعارضة السورية المسلحة ظنون القوى الكُردية التي جرى تهجيرها من عفرين، فمارست منذ اليوم الأول القتل عبر القصف العشوائي على القرى مستهدفةً المدنيين، مما أجبر أغلبهم على ترك قراهم وهجرها، ليتلو عملية التهجير القسري تلك، عمليات سرقة واسعة شملت أثاث المنازل ومحتويات المخازن وأملاك المواطنين وسياراتهم وجراراتهم وأدواتهم زراعية، وكل ما وصلت له أيادي المسلحين، أمام كاميرات الإعلام العالمي.
وفيما بعد، عقب مرور أيام إلى أسابيع، من إطباق الاحتلال العسكري "التركي-الإخواني السوري" على عفرين، في الثامن عشر من مارس العام 2018، تم استجلاب مئات آلاف السوريين ممن تم تهجيرهم بتوافق روسي تركي من مناطق وسط وجنوب سوريا ومحيط العاصمة دمشق، لزرعهم في عفرين عوضاً عن سكانها الأصليين الذين فروا من الموت، في واحدة من أكبر عمليات التغيير الديموغرافي في سوريا، التي حصلت على مرأى من العالم بأسره.
اقرأ أيضاً: بذريعة انتحار الضحايا.. شكوك في عفرين حول أسلوب جديد للقتل
وعقب إطباق الاحتلال، وجلب سكان جدد لعفرين، واصلت المليشيات السورية المحسوبة في غالبها على تنظيم الإخوان المسلمين، (واصلت) عمليات التنكيل بالسكان الأصليين الكورد في عفرين، سواء من لم يخرج بتاتاً، أو من خرج وعاد، فذاق سكان عفرين ويلات الخطف والتعذيب والقتل نتيجته، إضافة إلى الاستيلاء على آلاف البيوت والمحال وأشجار الزيتون والمعاصر وغيرها، والتي لم يسترد أغلبها إلى اليوم، فيما المسترد منها، قد تم بفعل ضخ الأموال للمسلحين، لقاء إعادة حقوقهم.
أبو عمشة ليس وحيداً
لم يسمع أهالي عفرين بـ"محمد الجاسم أبو عمشة"، أو غيره المئات من متزعمي المليشيات السورية-التركية، قبل غزوهم لـ عفرين، لكن معرفتهم به فرضت عليهم جبراً لا رغبة، نتيجة الانتهاكات الوحشية التي مارسها بحق سكان ناحية "شيخ الحديد"، التي تسمى "شيه" باللغة الكُردية، فكان أهالي تلك الناحية التي تعتبر الأصغر من بين نواحي عفرين السبعة، ضحية لجبروته وإجرامه، وحملت السنوات الأربعة من احتلال عفرين، مئات الجرائم التي تنوعت من القتل إلى السلب والنهب والخطف والتعذيب والاستيلاء.
كل الجرائم التي مارسها أبو عمشة وغيره من متزعمي المليشيات السورية-التركية، بُررت من قبل المعارضة السياسية والإعلام المُساند للمعارضة، من بوابة أنها أخطاء فردية، لا تعبر عن سياسة ممنهجة، رغم أن كل التقارير المُحايدة، كانت تؤكد أنها سياسة ممنهجة تديرها المخابرات التركية، بغية إفراغ المنطقة من ثقلها الكردي، وزرع الغرباء فيها، لحماية "الأمن القومي التركي" المزعوم.
اقرأ أيضاً: تركيا توطّن مئات العائلات الفلسطينية في عفرين الكردية
لكن وربما لأنه الأكثر شهرة من بينهم، رغبت المعارضة السورية التي خسرت أكثر مما كسبت من مشاركتها في غزو عفرين، إن على صعيد فقدان التأييد الدولي أو العربي أو حتى المحلي، إلى درجة أنهم باتوا يوصفون بـ"المرتزقة السوريين"، أكثر من أي وصف آخر، (رغبت) المعارضة في تبييض صفحتها بزعم أنها ستحاسب أبو عمشة على ما اقترف.
تشكيل لجنة خاصة بـ "العمشات"
فشكلت لجنة ثلاثية في ديسمبر الماضي، من أعضاء ما يسمى "المجلس الإسلامي السوري"، هم (موفق العمر، وأحمد العلوان، وعبد العليم العبد الله)، للبحث في الاتهامات الموجهة إلى “أبو عمشة” ومسلحي ميليشيته المسماة بـ"فرقة السلطان سليمان شاه"، في منطقة شيخ الحديد بعفرين، التي من ضمنها، جمع الإتاوات وزيت الزيتون من المزارعين باسم “أبو عمشة”، ومقاسمة الناس محاصيلهم، والاستيلاء على الأراضي، وانتهاكات متعددة للحقوق من قضايا اغتصاب واتهامات باطلة لأشخاص، لدفع مبالغ مقابل الحصول على البراءة.
ويوم الأربعاء\السادس عشر من فبراير، أوصت اللجنة بعدم تسليم “أبو عمشة” شيئًا من مناصب "الثورة" لاحقًا، لما ثبت عليه من الدعاوى، تجنيباً للمنطقة من احتمالات الاقتتال والدماء والفتنة، مقررةً كذلك عزل عدة متزعمين في مليشيا “العمشات”، هم كل من وليد حسين الجاسم (سيف)، ومالك حسين الجاسم (أبو سراج)، وأحمد محمد خوجة، وعامر عذاب المحمد، وحسان خالد الصطوف (أبو صخر)، لما ثبت عليهم من التهم الموجهة إليهم.
اقرأ أيضاً: آثار عفرين.. مليشيات أنقرة تواصل تشويه حقائق التاريخ وسرقتها
توصيات عقّب عليها المحامي السوري "غزوان قرنفل" في تصريحات صحفية، قائلاً إن “ما صدر عن اللجنة بشأن الفيلد مارشال أبو عمشه مجرد توصية لا أكثر، واللجنة أحالت أمر تنفيذها ومساءلة المذكور عن جرائمه إلى (أصحاب القرار والنفوذ) في تلك المناطق، وبالتالي فعلى المدعي العام الآن إصدار لائحة اتهام وتحريك الدعوى العامة بحقه وبقية عصابته، وعلى القوة التنفيذية تنفيذ قرار العزل وإحضارهم مخفورين للجهات القضائية”.
ووفق إعلام المعارضة نفسها، يتألف ملف انتهاكات "أبو عمشة" من أكثر من 200 صفحة، مع وجود عشرات الدعاوى والشهادات، معظمها حول ابتزاز النساء والتعذيب حتى الموت، وضرب وعطب مسلحين بأرجلهم، فضلاً عن "الكفر" وتعاطي المخدرات وشرب الخمور.
أبو عمشة مرغوب تركياً
لكن من قال بأن الجرائم التي ارتكبها أبو عمشة في عفرين، هي بعيدة عن السياسة التركية في المنطقة الكُردية، فـ"أبو عمشة" وأمثاله هم الأكثر إرضاءً للجانب التركي، لكونهم يطيعون الأوامر التي تصدر لهم دون أي اعتراض، في حين أن تسليم قيادة المليشيات لضباط حقيقيين منشقين عن النظام السوري، لن تحقق عملياً النتائج المرجوة، المحصورة في تهجير من بقي من المكون الكوردي داخل عفرين، ومنع المهجرين منهم، من العودة إليها، ومواصلة التنكيل بالكورد حتى إنهاء آخر أثر مادي أو معنوي لهم.
اقرأ أيضاً: لأنها "قطعة من الروح".. العفرينيون يدفعون حيواتهم ثمناً لبيوتهم وأرزاقهم
وبالصدد، تناقل نشطاء على منصة "فيسبوك"، معلومات عن رفض الجانب التركي لقرار اللجنة، مبرراً ذلك بأن "عزل ابو عمشة ليس من صلاحية اللجنة"، مؤكدين إبلاغ مليشيا "الفيلق الثالث" بذلك، بجانب تأكيد الأتراك على دور مليشيا "الشرطة العسكرية" والقضاء العادل في إثبات الجرائم أو تطبيق الاحكام بحق متزعمي ومسلحي مليشيات "الجيش الوطني السوري".
وأياً كانت مصداقية ما تناقله النشطاء، فإن المعضلة باقية ببقاء أبو عمشة أو عزله، لأن أصلها هو الوجود التركي في عفرين، وكل المدن السورية شمال البلاد، ولولا الوجود التركي ما وجد أبو عمشة وإخوانه، ما يعني أن أبو عمشة وأمثاله سيبقون سيوفاً مسلطة على رقاب السوريين، حتى رحيل آخر جندي تركي عن التراب السوري.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!