-
آفاق السياسة الروسيّة الجديدة في سوريا
الواقعيّة في تحليل وقراءة السياسات الدولية على الأرض السورية، وتحديد كيفية التعامل مع هذه السياسات، واستثمار الجانب الإيجابي المتوافق مع مصلحة الشعب السوري، هو السبيل الأكثر نجاعة لعمل المؤسسات والنخب والمفكرين السوريين، الذين يعملون أو يتصدّرون واجهة العمل السياسي السوري.
وغياب هذه الواقعيه في التعامل مع هذه السياسات أثّر كثيراً على الواقع السوري، ودفع لمزيد من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها المعارضة السورية، واستفاد منها نظام الاستبداد وملحقاته وتوابعه، من تنظيمات راديكاليّة، في كلا المعسكرين السوريين، سواء في النظام أو المعارضة، وسمح بإطالة أمد الأزمة السورية، وبقاء الحل لهذه الأزمة، طي أدراج اللاعب الأساسي وصاحب القرار الوحيد في إيجاد المخرج لهذه الأزمة وفق مصالحه، وبما يكفل استنزاف الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى، المعنيّة بالشأن السوري، والإشارة هنا للطرف الأمريكي، الذي غالباً مايجعل ويعطي لكل دور دولي وإقليمي هامشه من الحركة، ليس في الملف السوري، وإنما في جميع الملفات الدولية، وهذا يبدو جليّاً في المسألة السورية أكثر من غيرها، حيث قامت الولايات المتّحدة الأمريكية بتفويض السياسة الروسيّة وإعطائها الدور الأساسي في المسألة السورية، من حيث إيجاد الأرضيّة المناسبة لتحقيق ما اتّفق عليه في القرار ٢٢٥٤.
وبقراءة واقعيّة، بغض النظر عن الإسلوب الذي انتهجه الروس في ممارستهم هذه السياسة، لابدّ من الإشارة، أنّنا بغض النظر عن معارضتنا لهذا الدور والأسلوب، من مبدأ رفض التدخل على الأرض السورية لأيّ قوة غير سورية استطاع الروس تحقيق مكاسب عسكرية واسعة على الأرض السورية، وحاولوا جاهدين تحويل هذه المكاسب، لمكاسب اقتصادية واستثمارات في مجال الطاقة والسياحة، ولكنهم اصطدموا بعقبة التمويل، وإعادة الإعمار التي كانت المطرقة الثقيلة التي تثقل كاهل السياسة الروسية في سوريا، وتقف حائلاً دون تحقيق هذه المكاسب واستثمارها.
وبناء على هذه المعطيات، والموقف الدولي من إعادة الإعمار، والوجود الإيراني في السورية، كان لابدّ للسياسة الروسية في سوريه من انتهاج أسلوب جديد وانفتاح على المعارضة السورية لتحقيق نوع من الإجماع بين السوريين.
كل المؤشرات التي حدثت في الفترة الأخيرة، تدل على تحوّل كبير في السياسة الروسية، وتبنّيها خطوات جديدة، فرضها الواقع السوري، والضغوط التي مورست على هذه السياسة، لاتّباع إستراتيجيه جديدة في سوريا، تكفل مصالحها من خلال تبنيها إجراءات كثيرة لا تتوافق مع سياسات النظام السورية ومصالحه، وتناقض سياسات المشروع الإيراني في سوريا.
ومنذ فتره ليست ببعيدة، كان للروس توجّه باتجاه المعارضة السورية الوطنية، ومحاولة استقطابها، وإرغام نظام الاستبداد في دمشق على التعامل مع وجود هذه المعارضة، كواقع، وإرسال السياسة الروسية لكثير من الإشارات والدلائل على موافقتها للتغيير في سوريا غير المشروط بالتقاء الفرقاء وبادرة السماح للمعارضة الوطنية بالعمل السياسي المشروع من قلب دمشق، كان التحوّل الأبرز من خلال التواصل مع معارضين، ودعوتهم للعمل من ضمن الأراضي السورية، والتغيير الكبير الثاني في السياسة الروسية، هو التركيز، مراراً وتكراراً، على أنّ وثيقة جنيف هي أساس الحل في سوريا، وهذا مايقلق النظام الدكتاتوري في سوريا، فتبني السياسة الروسيّة مجدداً لدور فاعل لوثيقة جنيف، واعتباره أساس الحل، هو مصلحة مشتركة لجميع من لايرغب باستمرار المأساة السورية، وسواء أكانت السياسة الروسية مدفوعة لتبني طروحات جديدة بعيدة عن مصطلح الدفاع عن النظام السوري، الذي تتهم به بضغوط خارجية من قبل محور السياسة الدولية أيّ الولايات المتّحدة الأمريكية، أو بفعل ضغط تحقيق مصالحها الخارجية في سوريا، فهذا مؤشر إيجابي، نوعاً ما، يمكن أن يكون لبنة في تكوين جبهة إقليميّة دولية، تسعى لوقف الحرب في سوريا، ويكون بداية لنهاية المشروع الإيراني في سوريا وفي لبنان والعراق، وبالتالي نهاية مشاريع التطرّف والتطرّف المضاد، الذي ملأ المنطقة بالدمار والدم.
بالتأكيد سيجد الروس كثيراً من الأطراف المعارضة، التي تتوافق معه، إلى حدّ ما، برؤيتها الجديدة لمسار الحلّ، وتطبيق جنيف، وستجد آذاناً صاغية لدى أطراف في النظام السوري ومراكز قوى، ترى مالايراه الأسد وزمرته القريبة منه، المرتبطة بالدور والمشروع الإيراني، وتستطيع قبول الآخر على قاعدة جديدة وهي السعي لإنهاء المأساة السورية وإعادة بناء سوريا.
بالتأكيد إنّ الدور الروسي، وتوجّهه الجديد، سيكون محرّكه الأساسي المصلحة الروسية، قبل كل شيء، مثلها مثل باقي الدول التى تملك دوراً في الارض السورية، سواء اختلفنا أو توافقنا مع الدور الروسي، فالتعامل بالمراحل القادمة بواقعية أكثر وبعيداً عن الشعارات، ولم شمل السوريين من مختلف الأطراف لإيجاد صيغة توافق، مبنية على تحقيق طموحات، وأهداف الشعب السوري، من حرية وعدالة ودولة مدنيّة، سيكون هو الطريق الأفضل الذي يختصر الوقت، ويساهم في تقديم المجتمع الدولي دعماً كافياً لتحقيق هذه الآمال، فإعادة بناء الدولة السورية، هو مشروع يتطلّب الكثير من التعامل بواقعيّة وتصالحيّة مع الجميع، ومعالجة الصدمات والجروح والآلام التي عانى منها السوريون بعيداً عن القتل والدم.
ليفانت – عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!