-
بكين وواشنطن وسخونة الحرب الباردة
منذ أن تبنت إدارة باراك أوباما استراتيجية الاستدارة نحو شرق آسيا لمواجهة الصعود الصيني في سلم القيادة العالمية، كانت هذه الاستراتيجية بمثابة إعلان لولادة الحرب الباردة بين واشنطن وبكين وما رافقها من خطوات أمريكية متسارعة لترسيخ وجودها في هذه المنطقة، وكان على رأسها انضمام الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ في العام 2015.
وهو الأمر الذي حاولت الولايات المتحدة أن تعطيه أهمية لا تقل عن أهمية التواجد العسكري في هذه المنطقة، كما قال آشتون كارتر، وزير الدفاع في إدارة أوباما آنذاك، بأن انضمام الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ لا يقل أهمية عن نشر حاملة طائرات أخرى (تعمل بالطاقة النووية) في آسيا، ويستمر التنافس الأمريكي الصيني للاستحواذ على أكبر قدر من بسط النفوذ في منطقة جزر المحيط الهادئ، فلم يعد خافياً أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وصلت إلى مستويات عالية، حيث بات من الصعوبة الحفاظ على درجة حرارتها الباردة، وهو ما يدفع الأمور نحو أعتاب الحرب الساخنة.
وتكتسب منطقة جزر المحيط الهادي أهمية كبيرة بالنسبة للصين نظراً لما تحتله من أهمية في مشروع الحزام والطريق، ولذلك تبذل الصين جهوداً لإنجاح مقترحها الأمني والاقتصادي والسياسي واسع النطاق مع دول جزر المحيط الهادئ، وهي خطوة تنظر لها الصين بأن تدخل هذه المنطقة الاستراتيجية في « محور بكين »، وهو اتفاق، يمنح الاتفاق بكين إمكانية أكبر للوصول إلى الموارد الطبيعية، سواء البرية أو البحرية، حيث نجحت الصين إلى حد كبير في مقترحه الأمني والاقتصادي والسياسي واسع النطاق والتوصل إلى قدر كبير من نتائج التعاون الثنائي مع دول جزر المحيط الهادئ، والتي تغطي 15 مجالاً، بما في ذلك تعاون الحزام والطريق، وتغير المناخ، والاستجابة لجائحة كوفيد 19.
وبالتالي، فقد أصبحت منطقة دول جزر المحيط الهادئ أحد أهم ساحات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ففي مقابل مشروع الحزام والطريق والذي تحاول فيه الصين استهداف تعميق التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ، أطلقت الولايات المتحدة واليابان وأستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا مبادرة (أمم المحيط الهادئ) لتكثيف التواصل مع دول جزر المحيط الهادئ، حيث تسعى الصين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي معها.
وتكتسب دول جزر المحيط الهادئ أهمية استراتيجية في حالة التنافس المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين على هرم قيادة العالم، وبرغم أن دول جزر المحيط الهادئ من أصغر الدول وأقلها سكاناً، إلا أنها تعد ذات أهمية استراتيجية، حيث تضم بعضاً من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في العالم، بما لديها من إمكانات اقتصادية هائلة، كما أنها تقع جغرافياً واستراتيجياً داخل نطاق تشير إليه الصين باسم «البحار البعيدة»، والتي تجعل من الصين، حال السيطرة عليها، قوة بحرية فعالة، ما يعد شرطاً أساسياً لتصبح قوة عظمى.
إن التركيز الأمريكي ينصب على محاولة تفكيك العلاقات بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ لأن من شأن هذه الخطوة أن تساهم في تحقيق الولايات المتحدة في اختراق منطقة البحار البعيدة التي تحتل أهمية في الرؤية الاستراتيجية الصينية، وبالتالي يمكن الولايات المتحدة من إعادة رسم خريطة النفوذ في هذه المنطقة، وبالتالي عرقلة مسار تضخم النفوذ الصيني فيها.
لكن تبقى المسارات أمام الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تعقيداً، حيث أسقطت واشنطن سابقاً من حساباتها أهمية هذه المنطقة، وهو ما فتح المجال أمام الصين التي نجحت بالفعل في الحصول على اعتراف دبلوماسي ل 10 دول من أصل 14 من دول جزر المحيط الهادئ، وذلك من خلال استخدام قوتها الاقتصادية الناعمة، ما أربك الحسابات الأمريكية ودفعها إلى الاستدارة وإعادة النظر في الأولويات الدبلوماسية داخل المحيط الهادئ عبر محاولة طرح مبادرة "أمم المحيط الهادئ" في محاولة لتضييق الخناق على الحراك الصيني في هذه المنطقة.
ليفانت - خالد الزعتر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!