الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
‎أميني - خامينئي.. القاتل ورأس الأفعى إيراني
إبراهيم جلال فضلون (1)

‎دق هاتف منزلها بعد مماتها، ليفجع صوت الصمت الحزين مُتصلاً غير مرغوب به، إنه رأس الأفعى ومُدبر الأفاعيل التي تُزلزل أرجاء البلاد وأمن شعبها "رئيسي" الرئيس الإيراني، يكوي عائلة الشهيدة مهسا بكلماته الهاتفية، ووعده بمُحاسبة مُرتكبي تلك الجريمة التي أثارت البلاد وأشعلت قلوب النساء الإيرانيات. وكأنه اعتراف صريح واعتذار غير مقبول يُدينُ فيه التصرفات السابقة لأية جهة تابعة للحرس الثوري كشرطة الأخلاق، وهي (شرطة اللاأخلاق بالطبع)، تلك الأيادي السلطوية على مدار أكثر من مئة عام، تقهر شعبها الحائر بين حُريته التي كفلها له الخالق منذُ الأزل، وبين نظام لا إسلامي، تتناقض مواقفهُ وأفعاله بل وأقاويله، التي تسلطت عليه يد وفكر رجل أوحد، مُنذ أن حلّت ثورة 1979 الخمينيّة في إيران لـ (تشنق وتعدم وترمي المئات بالرصاص في إطار محاكمات تسميها بالشرعية).

ولعل من أبرز تناقض للخُميني نفسهُ (اللص الكبير في القرن) الذي سرق الثورة الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه، وانهيار نظامه رويداً فيما عُرف يومها بـالثورة البيضاء، وانتفاضة رجل سبق أن انتفض في 1963 ضدّ الإصلاحَين المتعلّقين تحديداً بالمرأة وبتوزيع الأرض، ليتربع اللص لنتذكره على عرش الإيرانيين وأرواحهم كل 11 فبراير، الذكرى السنوية للثورة الإيرانية، الذي كرّس حكومة الملالي باسم (ولاية الفقيه) حينها. ليكون بدايات للدكتاتورية بل العبودية للشعب الإيراني ودول الشرق الأوسط الأخرى بالدمار والقتل والإعدام والإرهاب خلال ال 39 عاماً التي مضت، وهو من كتب خميني نفسه وعمره 43 عاماً في عام 1944 كتاباً بعنوان "كشف الأسرار"، قائلاً: «لم يعارض رجال الدين في إيران نظام الدولة إطلاقًا، ولا يعارضون نظام الحكم حتى إذا اعتبروه نظاماً جائراً". ومضى يقول: "لذلك إن حدود الولاية والحكومة لا تتجاوز أكثر من بضعة أمور".

وخلالها ضجت العشرة المسماة بـ"عشرة الفجر" ليلعنها الشارع الإيراني ونعتها «عشرة الضجر» لما يقوم به الملالي وأشياعه من الحرس الثوري بالتطبيل وإثارة كثير من الضجيج، لتبرئة الجلاد والسارق الكبير في القرن لتاريخ إيران أي خميني، الذي تتلمذ على يد الشيخ فضل الله نوري. رجل الدين الرجعي والمناهض للشعب الذي وقف أمام الثورة الدستورية الإيرانية، مُتعاوناً مع بلاط القاجار في قمع الثوار الدستوريين، وكان خميني دائماً فخوراً باتباع هذا الرجل الرجعي، مقلداً مؤمناً مخلصاً لأفكار شيخه.

ولا أدل على عدائه سوى نص البرقية التي بعث بها خميني إلى الشاه في أكتوبر عام 1962، وفيها: "إنهم وظفوا النساء في الدوائر، أنتم لاحظوا، لقد شلت الأمور في كل دائرة دخلتها النساء.. إن المرأة إذا دخلت أية دائرة أو مؤسسة فتربكها وتعرضها للفوضى"، وحتى بعد إجراء الشاه استفتاء لما أسماه بـ «الثورة البيضاء» في يوم 26 كانون الأول (يناير) عام 1963 كتب خميني معارضاً للشاه بقوله: «بالإعلان عن مساواة الحقوق بين الرجل والمرأة يتم سحق عدة أحكام للإسلام».

ثم تراه منافقاً بقوله «كل من يؤمن بمساواة الحقوق بين الرجل والمرأة في أحكام الإرث والطلاق وأمثالهما التي هي من أحكام الإسلام ثم يلغي هذه الأحكام فإن الإسلام قد أصدر الحكم النهائي عليه وحسم أمره».

ليتبرأ في يونيو عام 1963 من الشاه قائلاً: «إن السيد الشاه جاهل فلذلك يصعد ويقول يجب إقرار المساواة بين الرجل والمرأة. يا سيادة الشاه، هذا كلام قد أملوه عليك.. فقد سمعت أن جهاز المخابرات يعمل على أن يفقد الشاه شعبيته حتى يمكن لهم أن يطردوه من البلد». ليتغير لونه حسب متطلبات العصر.

وعلى الرغم من ذلك لم تمنع الدموية الفائقة اندلاع «ثورة العطش» بنهاية 2020، لتُواجه كغيرها بالقمع والتخوين. بل ونرى خمس انتفاضات كبرى على مدار 13 عاماً، أي بمعدل انتفاضة كل سنتين ونصف السنة تقريباً، إضافةً لعدد من الاحتجاجات، ليُفسّر حجم القلق الذي يعتري خامنئي.

ونعود للاتصال وإعلان وزارة الداخلية وطب رأس الأفعى بإنهاء الاحتجاجات أياً كانت ليدُل بكل وضوح أن النظام بدا يخشى ردود الفعل الشعبية التي لا يراها أبداً ويتجاهلها، ليشعر حقاً بالخطر الذي بدأ يحدق به، كما حدث عام 2009، وبعد مقتل "مهسا"، تلك الشرارة التي أطلقت الغضب بأسوأ مظاهرات تشهدها إيران منذ عام 2019، لتحرق العاصمة وما لا يقل عن 50 مدينة وبلدة في أنحاء دولة النظام الخامنئي (83 عاماً)، وحرق صور رجال الدين، لتكون الفتاة الكردية 22 عاماً، بمثابة "نقطة تحول" في الداخل الإيراني.

كانت وأخوها داخل سيارتهما بأحد شوارع طهران، تلبس الحجاب الذى يفرضه النظام الإيراني على السيدات، ولكن حجابها لم يغط كل شعرها، ليتبجح أفراد «شرطة اللاأخلاق» بحجج واهية، ليتم نقلها لقسم الشرطة تحت اسم «إعادة تثقيفها»، لكن كان التأهيل للسماء ونقلها في الخفاء إلى أحد المستشفيات، ثُم الادعاء الكاذب بأنها أصيبت بسكتة دماغية أو نوبة قلبية، وأنها في غيبوبة. بينما تؤكد الأسرة أن ابنتهم بصحة جيدة، ولم تعانِ من أي أمراض قلبية مسبقاً.. ليفضح الأمر العالم الافتراضي ووسائل التواصل، ويصبح الحدث الأشهر دولياً وحديث المنظمات الحقوقية.

إنها نظريّة «ولاية الفقيه» المؤدلجة للحياة، والتي تُنصِّب رجال الدين حكّاماً يقودهم شخص يدعي اتصاله بالله، وتسييس مطالب الشعب، الذي لم يجد سوى العبودية الأزلية تحت وطأة نظام هالك لا محالة، لا سيما بعد تضارب الأخبار حول الأحوال الصحّيّة للمرشد الأعلى، فالعنف دائرة متى ما بدأ يُصعب أن ينتهي، إلا بأحد الأمرين (العُنف كمنهج للدفاع أو ربما مجرد للتنفيس عن الكبت والغضب)، ضد نظام أوجده شعب، وأن سقوطه لن يأتي إلا بيد نفس الشعب، الذي اتحد واتحد كُل العرب معهم في استنكار ما حصل لفتاة كردية برسالة مفادها إن الخطر موجود وقادم لا محالة، وإن كان بطيئاً.

 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
 
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!