الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • واقع منظَّمات المجتمع المدني في الجزيرة السّورية.. تحدّياته وآفاقه المستقبلية

واقع منظَّمات المجتمع المدني في الجزيرة السّورية.. تحدّياته وآفاقه المستقبلية
واقع منظَّمات المجتمع المدني في الجزيرة السّورية

ماهيّة منظمات المجتمع المدني ومكوّناتها:

يُشير مصطلح منظمات المجتمع المدنيّ إلى مجموعة المؤسَّسات والمراكز والجمعيات التطوّعية، المستقلّة، التي تقدِّم خدماتها ذات النفع العام داخل المجتمعات، أو مجموعة أنشطتها المتنوِّعة التي تشتمل على الخدمات الإنسانيّة والتنمويّة بكلِّ أشكالها وصورها، وذلك بهدف إشراك الجميع في الحياة العامّة، والتأثير الإيجابي -من خلال تلك الأنشطة- على السّياسات العامّة في الدولة والمجتمع.

وتؤدّي هذه المنظَّمات دوراً مهمّاً في تقديم الفائدة العامّة للمجتمع الذي تعمل فيه، وتساهم في تحقيق السَّلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي، ومن جهة أخرى فإنها تلعب دوراً مهمّاً أيضاً في الاهتمام بفئات المجتمع كافّة، ومساعدة المواطنين على تحسين أوضاعهم المعيشيّة، وتوفير فرص عمل مؤقتة لهم، ونشر الثقافة والوعي وترسيخ القيم الإنسانية السامية فيهم، مثل التَّسامح وقبول الآخر، ومبادئ التفاهم والاحترام والعيش المشترك، للوصول إلى بناء قاعدة معرفية أساسية في المجتمع؛ يمكن التعويل عليها، واعتمادها كأرضية للنهوض والتنمية والازدهار.

 

وتُعرف منظمات المجتمع المدنيّ بتسميات أخرى، منها: منظّمات النفع العام، المنظمات الخاصة، المنظَّمات التطوُّعية، القطاع المستقِل، القطاع الثالث، المجتمع الأهليّ، وغيرها، ومن أمثلة مؤسَّسات المجتمع المدني ومنظماته: النقابات العُمّالية أو المهنيّة، والمنظمات الشعبيّة أو الخيريّة ذات الطابع الإنسانيّ أو الخاصّة بحقوق الإنسان، أو مراكز النشاطات الاجتماعيّة غير الربحيّة، أو المنظمات الخاصة بالمرأة والطفل، أو الأندية الاجتماعية والرياضية الشبابية، أو مراكز مهتمّة بذوي الاحتياجات الخاصة، كما قد يختلف الاسم الذي تنتظم تحته هذه المؤسَّسات، مثل: منظمة، أو مبادرة، أو شبكة، أو مركز أو غيرها، وعلى الرغم من استقلاليتها، وعدم تبعيَّتها للدولة كما سبق، إلا أنّ الأخيرة هي التي تقوم بتأمين هذه المؤسَّسات وتوفِّر لها الحماية اللازمة، وتضع القوانين الخاصّة بها، وتراقبُ نشاطاتها عن قُرب، وهذا حقّ من حقوقها، وبالوقت نفسه واجب من واجباتها.  

خصائص منظّمات المُجتمَع المدني وأهمّيتها:

لعلّ من أهمّ هذه الخصائص أن تكون المؤسَّسة أو المنظمة ذات نظام قائم على الاستقلالية التامّة، سواء الإدارية أو المالية، بحيث لا تتدخل في إدارتها أيّة جهة أخرى، وأن تكون ذات نظام ديمقراطيّ في علاقاتها وأعمالها وتعاملاتها، وأن تعتمد الشفافية والمصداقية والاحترام المتبادل، وأن تكون غير ربحية، فلا تهدف نشاطاتها ومشاريعها إلى الربح وكسب المال، كما هو الحال بالنسبة إلى منشآت القطاع الخاص، بل إلى مساعدة المجتمع وتنميته، وتحقيق التكافل الاجتماعي فيه، وأن تكون المؤسَّسة قائمة على قبول التعدُّدية والاختلاف والتنوُّع، وتعتمد مبادئ إنسانية مثل: نبذ العنف أو التحريض على الكراهية، أو التمييز بين المواطنين، وتتبنّى حلّ الخلافات والنزاعات بالحوار والوسائل السلمية، وأن تتبنّى المشاركة الجماعیة المفتوحة للراغبین في العمل معها، المشاركة القائمة على الطوعيّة النابعة من الحريّة الشخصيّة، إلى جانب توفّر الغطاء القانوني لعملها، بحيث تعمل هذه المؤسَّسات تحت غطاء القانون ووفق أحكامه.  

 

بات واضحاً أنَّ (المجتمَع المدنيّ) يُساهم في تنمية المجتمعات، وتأهيل الكوادر القادرة على القيام بحلِّ مشكلاته، وتعريف إنسانها بحقوقهم وحرِّياتهم، وتنمّية الوعي بها والدفاع عنها، كما تكمن أهميته بامتلاك مؤسَّساته المقدرة الكافية على تنظيم المشاركات القائمة على الإرادة الحرّة، والتحاوُر، والمبادرة، والإسهام في إيجاد البرامج التعليميّة والتربويّة والثقافيّة، التي يحتاجها المجتمع، ناهيكم عن مقدرتها في حلِّ النزاعات والخلافات بالطرق السلمية، وتشتمل خدمات منظمات المجتمع المدني على: الخدمات المعيشية، الإسعافية، الاجتماعية بكلِّ أشكالها، والخدمات التنموية الاقتصادية، خدمات التدريب والتأهيل والتوظيف، والخدمات الصحيّة وتأهيل المشافي ومراكز التمريض والصحة النفسية، والخدمات البيئية، وغيرها.

واقع منظمات المجتمع المدني في الجزيرة السّورية.. والصعوبات التي تواجهها:  

في خضم التطوّرات الكبيرة التي حصلت في سوريا، واكتساب الحياة في مجتمعاتها صبغة مختلفة عمّا كانت عليه قبل عقد من الزمن، بدأت الغالبية من الناس تسمع بهذا المصطلح، ثم ظهرت منظّمات المجتمع المدني بزخم كبير، ولكن -حسبما يذهب إليه البعض- على حساب النوع والبحث عن الربح فقط أحياناً، ولا تمتلك الكثير منها أهدافاً تنمويّة واضحة، متسغلّة حالة الدعم الدولي المقدَّم لها، في حين يرى آخرون غيرهم أنَّ عمل هذه المنظمات حالة صحيّة، استفاد منها مجتمع الجزيرة السّورية إلى حدٍّ ما.

يعترض العمل المدني في الجزيرة السّورية عقبات كثيرة, وما يزال يعاني من مشكلات ومعوقات عدِّة، منها ما يتصل بالبيئة المجتمعية أو التشريعية، ومنها ما يتعلَّق بالجهات المانحة، خصوصاً أنها تأسَّست في ظلِّ أزمة كبيرة وصراع طال أمده وما يزال البلد يعيش تبعاته.

نرصد في هذا التقرير مدى إسهام هذا النوع من المنظَّمات في تنمية المجتمع المحلي في الجزيرة السّورية، ومدى ملائمة أنشطتها ومشروعاتها لتنمية هذه المنطقة وإنعاشها، وهل المشروعات التنموية التي تقدِّمها ملبية لاحتياجاته؟ ثم إلى أيِّ حدّ يتجاوب المجتمع المحلي ويشارك في هذه الأنشطة؟ وأخيراً ما هي العقبات والتحدّيات التي تواجه عملها؟ وما هي التدابير الكفيلة بتطوير آفاق هذا التوجّه الإنساني الحديث؟

 

للإجابة على هذه الأسئلة التقينا مع مجموعة من النشطاء والعاملين في مجالات المجتمع المدني في الجزيرة السّورية، يتقدَّمهم الدكتور (محمد خير النجاري)، وهو من أوائل متبنّي العمل المدنيّ في مدينة الحسكة، مركز محافظة الحسكة، ورئيس مركز سلاف للأنشطة المدنية، الذي خرَّج العديد من الخبرات والكفاءات في هذا المجال. يقول الدكتور: "لقد فُتح لنا المجال أمام ممارسة العمل المدنيّ بشكل حرّ، حيث ظهرت العديد من المؤسسات المدنية غير الحكومية، وأصبحت تمارس نشاطاتها بكامل الحرية، علماً بأن مفاهيم العمل المدني لم تكن معروفة في السابق كما هي الآن، ومع التطوّر الكمّي والنوعي الذي اُكتسب تباعاً، أصبحت المنظَّمات المحلية تمتلك العديد من الكوادر والكفاءات القادرة على القيام بالأعمال الخيرية والتنموية، ومواجهة الأزمات والكوارث التي قد تحدث نتيجة التداخلات الإسعافية المباشرة، ومشاريع الاستدامة لدعم المجتمعات المتضررة عند الأزمة، ولكن هناك معوِّقات في عمل المنظَّمات الإنسانية والعمل في هذا المجال، حيث تفتقر إلى الدعم المباشر من المموِّلين، أو المنظمات الدولية التي تعمل في المنطقة، قياساً إلى الاحتياجات المطلوبة، إذ تعتمد هذه المنظَّمات -في أغلب الأحيان- على تنفيذ المشاريع بشكل مباشر، وتهمل المنظمات المراكز المدنيّة المحلية، كما أن الدعم الذي تتلقاه الأخيرة من تلك المنظمات لا يتناسب واحتياجات المجتمع المحلّي.. مشاريع صغيرة جداً لا نعتقد بأنها تتوافق مع كمّ المجتمعات المتضرِّرة في المنطقة، ذلك بالمقارنة مع الدعم المقدَّم للمجال المدني في مناطق أخرى، لذلك فإنَّنا نتمنى التوجيه بتأمين الدعم الكافي للمنظمات المدنية المحلية، وتشجيع دورها، وتقديم التسهيلات الممكنة بشكل أكبر، أما بالنسبة إلى منظمات ومراكز المجتمع المدني، فإننا ندعو الإدارة الذاتية (وهي الجهة التي تُدير المنطقة) إلى تشجيع زيادة أعدادها، وتسهيل شروط التراخيص ومراقبة أعمالها، وأخيراً ندعوها إلى إعادة النظر في شأن بعض المراكز التي ألغيت تراخيصها، مع أنها كانت تملك خبرات عالية، وقادرة على الاستمرار في عملها وخدمة الفئات المستهدفة في المجتمع، وفتح المجال أمام الناشطين المدنيين لممارسة أعمالهم التي تعتبر دعماً تكميلياً لعمل المؤسسات القائمة".      

وعن واقع عمل منظَّمات المجتمع المدني أيضاً، قال الناشط المدني، والمتطوّع في منظمة آشنا الشبابية (وليد قاسم/ 27 عاماً): "تعمل المنظمات والمراكز المحلية في ظروف صعبة ومعقدة وحساسة، فالغالبية منها تُعتبر حديثة العهد بالعمل المدني، كما أنَّ حجم العمل المناط بها قد يفوق طاقاتها وقدراتها، ولعل من صور هذه المعاناة: صعوبة التحرّك وعدم الاستقرار، وغياب المقرّات الدائمة التي تشكّل أساس الاستقرار في بيئة العمل، ناهيكم عن مشكلات ضعف التمويل من قبل الجهات المانحة، ونقص في الموارد البشرية والاحتياجات التدريبية على المستويات كافّة".

أحد المواطنين، وهو (سمير محمد/ 48 عاماً) من مدينة القامشلي قال: "إنَّه بالرغم من ضرورة العمل المدني الذي يعدُّ منفذاً للتوجّه الطوعي، خصوصاً في ظروف كالتي نعيشها في الوقت الحاضر، إلا أن وجود منظّمات المجتمع المدني في المنطقة، ومساهمتها في التنمية المحلّية محدودة الى حدّ ما، وهناك غياب للتفاعل الجماهيري مع أنشطتها وفعالياتها، كما أنَّ مستوى الشفافية والمساءلة وتنوّع التمثيلية في كياناتها متدنٍّ أيضاً".

ويؤكد الناشط المدني (صلاح الدين حسين)، عضو مركز سلاف للأنشطة المدنية، على متطلَّبات العمل المدني بقوله: "تحتاج المنظمات العاملة في الجزيرة السّورية إلى حملات إعلامية كبيرة، تتشارك فيها جميعاً من أجل توعية المجتمع بماهيّة منظمات المجتمع المدني وأهمّيتها، ومجالات نشاطاتها، كما لا بد من تفعیل الدور التوعوي للمنظمات من خلال التواصل والانتشار المجتمعي الذي يتحقَّق عبر: امتلاك بعض وسائط الإعلام المؤثرة، واستغلال المنابر المجتمعیة والتجمعات الاجتماعیة، والاتصال المباشر مع الناس (حملات التوعیة الجماهیریة). وأيضاً عن طريق إقامة المحاضرات والندوات، والمسابقات وإحياء الاحتفالات الموسمیة، ومن جهة أخرى، وفيما يتعلق بتسويق المنظمة لنفسها، فمن الضروري استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، وتفعیل مواقعها الرسمية على الشبكة العنكبوتیة.  

إجمالاً: لقد أضحى المجتمع المدني شريكاً أساسيّاً في الأنشطة والفعاليات الاجتماعية والثقافية والتنموية بشكل عام، وفاعلاً أساسيّاً في التحوّل الديمقراطي، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وحرياته داخل المجتمعات، والحقيقة فإنَّ صعوبات عمل هذا المجتمع واحتياجاته في الجزيرة السّورية كبيرة للغاية، لكن إذا ما تضافرت جهود جميع المعنيين بهذا الشأن، وامتلك أفراد (المجتمع المدني) الإرادة الحقيقية في العمل الجاد، فإنَّ بالإمكان تجاوز تلك الصعوبات، والسير بالأمور لخير هذا المجتمع وازدهاره.

 

عبد المجيد قاسم

ليفانت -  عبد المجيد قاسم

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!