الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
هل يكمن الحل في انتخابات مبكرة؟
كفاح محمود كريم

منذ اندلاع الاحتجاجات في العاصمة بغداد وأطرافها من الوسط والجنوب العراقي، والكل ينادي بتبكير الانتخابات كحلّ سحري للأزمة العراقية المتأصلة، ليس اليوم أو منذ سنوات، بل منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي الأول في مملكته مطلع عشرينيات القرن الماضي، ولكن هل فعلاً ستغيّر الانتخابات المبكرة المشهد السياسي المتكلّس منذ عشرات السنين؟  في انتخابات

إذن، دعونا نتذكّر في فاتحة كتابتنا ما قاله أوّل ملك كلفته بريطانيا بحكم المملكة التي أنشأتها من ولايتين عثمانيتين، وهما: بغداد والبصرة، والتحقت بهما ولاية الموصل بشروط بعد سنوات. قال الملك فيصل الأوّل الهاشمي  حينما سُئل عن شعب العراق: "لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أيّ فكرة وطنية، مُتشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميّالون للفوضى، مستعدّون دائماً للانتفاض على أيّ حكومة كانت".


 ماذا بعد؟


بعد ما يقرب من نصف قرن من قيام مملكة فيصل الأوّل في العراق وما قاله الملك الهاشمي، قال علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الكبير: "إنَّ الشعب العراقي منشقّ على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما هو في أي شعب عربي آخر باستثناء لبنان، وليس هناك طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يُتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية"، مضيفاً: "ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية".


اليوم وبعد قرن من الزمن على هذا الكلام،  الذي قاله رجلٌ عاقل اختير ملكاً من مملكة عظمى ليكون على عرش كيانها الجديد في الشرق، وبعد نصف قرن تقريباً على ما قاله وشَخصّه واحد من كبار علماء الاجتماع في العالم، يبقى السؤال المُلّح ونحن نداوي جروحاً غائرة بمسكنات ليست إلاّ، السؤال: هل ابتعدنا كثيراً عن توصيفهما، وهل أحدثت كلّ أنظمة الحكم التي توالت على اغتصاب إدارة العراق تحت مختلف التسميات، تغييراً للأسباب التي جعلتهما يوصفان شعب العراق بهذا الوصف؟.  في انتخابات

أنا أشكّ في ذلك أمام جملة من المعطيات والتداعيات التي أحدثتها عمليات التغيير الفوقية للنظام السياسي والاجتماعي في البلاد، ثمّ انحدارها السريع بعد 2003 إلى مستويات أدنى من التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولكن ولأنّ الآمال أكبر دائماً من المآسي دعونا نفترض نوايا حسنة وصادقة لدى البعض بإحداث تغييرات حادّة في العملية السياسية لصالح الأهالي ووضع أسّس لإنجاح تلك الانتخابات بحيث تذهب إلى إنتاج برلمان محترم ومقبول من الأغلبية وذلك يستدعي بادئ ذي بدء تشريع مجموعة قوانين تضع قاعدة للانطلاق إلى تلك الانتخابات، وفي بداية تلك القوانين تشكيل هيئة نزيهة للانتخابات، وإن عجزت تلك الأطراف عن  تشكيلها، فتوكل العملية برمتها إلى الأمم المتحدة لحين تشكيلها من قبل البرلمان المنتخب.


أمّا الأمر الثاني الأكثر أهمية، هو قانون الانتخابات وخاصةً ما يتعلّق بالدوائر الانتخابيّة، لأن القانون الحالي لا يلبي رغبة الأهالي والكثير من الفعاليات السياسية والاجتماعية، وهو بذلك أحد أهم العثرات أمام إنتاج برلمان مقبول، خاصةً وأن قانون الأحزاب هو الآخر لا يلبي طموح الأهالي بإنتاج بيئة سياسية نظيفة مع وجود أحزاب دينية ومذهبية شمولية التفكير تمنع إجراء أي تقدم أو تغيير لصالح الدولة المدنية المعاصرة. في انتخابات


والخلاصة، هي أنّ أي انتخابات مبكرة لن تصلح بهذه السرعة المتوقعة الحال العراقي، إذ إننا أمام تحدي كبير يستوجب وضع قاعدة تربوية تبدأ من المدرسة والأسرة لتنتهي بمجموعة قوانين صارمة تفصل الدين عن السياسة والدولة، وتبعد أي تأثير قَبَلي أو عشائري على مجريات الحياة السياسية والقانونية، بما يعزز مكانة الدولة وقوانينها خارج أي اعتبار غير اعتبار المواطنة الحقة، ودون ذلك لن تحدث الانتخابات مبكرة كانت أم متأخرة إلا بعض الإصلاحات الترقيعية التي لا تغير بشكل جذري ما راكمته سنوات طويلة من التربية الخاطئة والتعليم الفاشل وتسلط رجال الدين والمذاهب وشيوخ القبائل والعشائر على مقدرات الأمة والبلاد.


ليفانت - كفاح محمود كريم ليفانت


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!