-
هل يستطيع ماكرون وقف هزائمه المتلاحقة؟
الرئيس الفرنسي يقف متردداً بدعم اللواء خليفة حفتر، حليفه المعلن على الساحة الليبية، الذي اضطر للتراجع عن غرب ليبيا أمام التمدّد الإسلامي لقوات السراج المدعومة من تركيا، ويدخل اليوم في حوار ومصالحة معها، بعدما خذله ماكرون، ولولا الدعم الإماراتي الروسي المصري، سياسياً وعسكرياً، لكان خسر مدينة سرت وربما غيرها شرق ليبيا.
في لبنان ينظر ماكرون إلى حزب الله على أنّه شريك شرعي في الحكم، ويفصل بين جناحيه، السياسي والعسكري، في تناقض مع توجّه عالمي متصاعد لتصنيف الحزب بشقّيه تنظيماً إرهابياً، وقد فعلت ذلك ألمانيا شريكة فرنسا في ريادة أوروبا وحليفتها.
فشلٌ ذريع لمبادرة الرئيس الفرنسي تجاه لبنان من خلال اختياره تسمية مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، اعتَقَدَ أنه يستطيع فرضه على الأفرقاء بحكم ارتباطهم التاريخي مع فرنسا، ومعتمداً بالمقام الأول على الصلة الوثقى مع الرئيس اللبناني، ميشيل عون، لكن هذا لم يستطع إقناع حليفه حزب الله والشريك الشيعي الآخر، حركة أمل، بقبول رئيس الحكومة المزكّى فرنسياً، فاضطر أديب للاعتذار عن التكليف.
وفي شرق المتوسط، وإلى جانب لبنان، حيث سوريا، تتفرّج فرنسا منذ عشرة أعوام على المأساة السورية، وجلّ ما فكّر فيه ماكرون منذ بدء ولايته الرئاسية هو محاولة إيجاد موطئ قدم من خلال إعلان دعمه لقوات سورية الديموقراطية، واستخدام ذلك ذريعة لإقامة قواعد عسكرية في مناطق سيطرتها، لكن التدافع الأمريكي الروسي شرق سوريا جعل الدور الفرنسي في حدّه الأدنى غير المؤثر، الذي يؤكد فشلاً ماكرونياً آخر.
كذلك في شرق المتوسط، لم يتمكّن ماكرون بعنترياته الإعلامية من منع تركيا عن مواصلة عمليات البحث والتنقيب عن النفظ والغاز في البحر المتوسط، فيما أثمر تدخل أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، مع دول شرق أوسطية وخليجية عن وقف النشاط التركي وتحويل الملف إلى طاولة النقاش والحوار.
لم يتوقف الفشل الفرنسي، أو بعبارة أدق، الماكروني، هنا فقط، بل امتدّ إلى وسط آسيا، حيث تنهزم أرمينيا حليفة فرنسا تاريخياً أمام قوات أذربيجان في خاصرة ناغورنو كاراباخ، في حين يواصل ماكرون ظهوره الإعلامي معلناً دعمها سياسياً وعسكرياً.
لا شك أنّه في عالم السياسة، كما في التجارة ربح وخسارة، لكن ما قصة إيمانويل ماكرون مع إدمان الهزائم، وقد سبق أن انهزم داخلياً أمام جائحة كورونا، حيث تسجل فرنسا اليوم عدد إصابات يومي هو ثاني أعلى رقم في العالم، وهو يتردد بين فرض الحجر الشامل والجزئي، وكأنّه يجرّب ليختار الأفضل، كما فشل باختبار الاقتصاد، فتراجع الاقتصاد الفرنسي في عهده بنسبٍ غير مسبوقة، وانخفض الدخل، وارتفعت نسبة البطالة، لكن فاز الرئيس بغضب الشعب الفرنسي من سياساته، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تخلَي غالبية ناخبيه السابقين عنه، وهذا ما دفع ماكرون لتبنّي خيار ظنّه متاحاً وسهلاً، يتمثّل بمحاولة استمالة اليمين لتعويض تراجعه شعبياً، لا سيما أنّ الانتخابات الرئاسية باتت تلوح في الأفق، فأطلق تصريحاته الشهيرة عن أزمة الإسلام، عازفاً على وتر كراهية اليمين الفرنسي للاجئين والإسلام.
هنا كانت طامته الكبرى، زاد عليها إصراره المتسرّع على موقفه وتأكيده على ما أسماه حرية التعبير، حتى لو حملت إساءة للأديان والرسل، فانتشرت الصور المسيئة للرسول في وسائل الإعلام والمدارس وعلى مقرّات البلديات، فشُنَّت عليه حملة شعواء، داخلياً وخارجياً، تصاعدت حتى مقاطعة البضائع الفرنسية، وكأنّ الاقتصاد الفرنسي ينقصه المزيد من الانهيار.
وجد ماكرون نفسه “مأزوماً” مجدداً، وهذه المرة لم يستطع مقاومة ما تعرّض له من ضغوط داخلية وخارجية للتراجع عن تصريحاته بحق الإسلام، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي، ترامب، ورئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، ومستشارة ألمانيا، أنجيلا ميركل، وغيرهم من قيادات العالم عن رفضهم غير المباشر لتصريحات ماكرون من خلال إعلانهم أنّ التطرّف والإرهاب عابر للأديان، وتسببت تصريحات الرئيس الفرنسي وطاقمه بتحرّك مسلمي أوروبا للتظاهر والاعتراض، كما فجّرت مظاهرات مناوئة في دول إسلامية عديدة، ترافقت بدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، فتخلّى مرحليّاً عن نهج استمالة اليمين الذي سلكه من خلال إعلان موقف سلبي من الإسلام عامة، ولعلّه أدرك متأخراً أنّ هذا الموقف يدفع المتطرفين الصامتين لإعلان تطرّفهم وممارسته إرهاباً على الأرض، وهو ما حدث فعلاً، وما جريمة الكنيسة نيس إلا دليل، وربما هي مجرد بداية، وهذا يزيد احتمالات جرائم الإرهاب المتطرّف المتبادل المسلم والمسيحي، التي لا شك ستحمل له كارثة غضب الشعب الفرنسي، وربما السقوط المبكر.
وهو يأمل، بعد أن ظهر على قناة الجزيرة، متودّداً ومفسّراً ما ادّعى أنّه سوء فهم لتصريحاته السابقة عن الإسلام، أن يوقف سلسلة هزائمه السياسية، ولا يطمح إلى أكثر من ذلك، لكنه على الأقل يسعى لطيّ هذا الملف الشائك الذي دخل حقل ألغامه بمغامرة متهوّرة، لما له من أثر قد يكون كارثياً عليه شخصياً، وعلى فرنسا التي يعيش فيها ما يقارب عشرة ملايين مسلم.
تتدافع الهزائم في سجل الرئيس الفرنسي، ويبدو أنّه غير قادر على وقف زيادة عدد صفحاته، ويبدو أنّ الشعب الفرنسي بات على ثقة أكبر أنّ ماكرون أصغر من أن يقود فرنسا، وقد فشل فشلاً ذريعاً، داخليا وخارجيا، في السياسة والاقتصاد، وليست سوى سنة ونيّف حتى يبحث عن بديل له.
ليفانت- عبد السلام حاج بكري
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!