الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل بإمكان حميميم ضمان حوار بين الكرد ونظام الأسد؟
زارا صالح

عندما أنشأت روسيا قاعدة حميميم الجوية عام 2015 في محافظة اللاذقية، كان الهدف منها حماية النظام السوري وإنقاذه من السقوط بعد أن فقد السيطرة على ثلاثة أرباع الجغرافية السورية، رغم ادّعاء موسكو بأنها تتدخل لمحاربة داعش. لكن تلك القاعدة الروسية العسكرية تحوّلت إلى مركزٍ لإدارة الملفات السياسية للتواصل مع الأطياف السورية، سواء مايسمى بمعارضة الداخل وكذلك مختلف القوى السياسية الكردية، بهدف لعب دور الوسيط الذي كان يدعو دوماً للعودة إلى حضن النظام.


 


هذا المسار السياسي لروسيا تزامن فيما بعد مع المسار العسكري الذي بدأ في آستانا وسوتشي، بالتنسيق مع إيران وتركيا، والتي جاءت خدمة لنظام الأسد في استعادة أغلب المساحات التي فقدها، وكذلك أنهت المعارضة السورية المسلّحة وحوّلتهم إلى فصائل تعمل لأجندات تركية فقط، ولعل معركة إدلب الأخيرة ستكون آخر مسمار تركي-روسي في نعش تلك الجماعات السورية المسلحة التي تتباهى بالسيادة التركية وفتوحاتها، رغم تبنيها شعار (الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضي السورية).




ولكي تواصل موسكو استراتيجيتها الواضحة في دعم النظام، وكذلك تحقيق توازن مع الجانب الأمريكي الذي يسيطر على مراكز الثروات السورية، ومن خلال دعم الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، فقد حاولت روسيا امتلاك الورقة الكردية أيضاً بحكم أهميتها الجيوسياسية، وكذلك الثقل العسكري لقوات قسد. مؤخراً وبتكليف من الخارجية الروسية، قام مبعوثها بزيارة مناطق الإدارة الذاتية والتقت في قامشلي مع معظم الأطراف والمكونات هناك، ثم دعت القوى الكردية قبل أيام لزيارة حميميم، حيث التقت المبعوث الروسي هناك، ثم استكملت اللقاءات في دمشق مع علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي.


 


من جانبها، أبدت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي إلهام أحمد  تفاؤلها حيال تلك المحاولة الروسية هذه المرة، وبأنهم قد وعدوا بلعب الضامن، وممارسة الضغط على الحكومة السورية للوصول الى تفاهمات بين الطرفين حول قضايا جوهرية يرفضها الجانب الحكومي، مثل الإقرار والاعتراف بالادارة الذاتية القائمة، مصير قوات سوريا الديمقراطية ومراعاة خصوصيتها وكذلك قضية الثروات والنفط وتثبيت الحقوق الكردية ضمن الدستور.




لاشك أن المعطيات والحقائق على الأرض تفرض نفسها لتعيد من جديد السؤال المتكرر حول مدى قيام الجانب الروسي بلعب دور محايد أو ضامن بين الإدارة الذاتية ونظام الأسد، بعد كل سجل موسكو في الدفاع ودعم الأسد، وكذلك مشاركته العسكرية في ما جرى في سوريا من قبل النظام، هذا من جهة سياستها العامة في سوريا وكذلك لجهة علاقتها مع الأطراف الكردية التي مازالت تشكك في النوايا الروسية فيما يتعلق بحقوق الشعب الكردي وبقية المكونات. تلك الشكوك بكل تأكيد لها علاقة بالمواقف الروسية خلال الفترة الماضية والتي كانت تبنى على إصرار ودعوات موسكو بضرورة عودة الكرد إلى حضن النظام دون أية حقوق، بل استغلت روسيا الورقة الكردية لأجنداتها الخاصة ولمصلحة النظام في أكثر من مناسبة وقامت أيضاً بعقد صفقات مع تركيا على حساب الكرد والسوريين أيضاً.


 


هنا يمكن الحديث عن عفرين- الغوطة الشرقية ثم رأس العين وتل أبيض وقبلها الباب، إلى جانب ذلك عملت روسيا على تحريض النظام وتركيا ومعها المعارضة السورية ضد الكرد، وذلك من خلال الترويج والتهويل لفكرة اقامة دولة كردية في شمال-شرق سوريا وبأن أمريكا تسعى لتقسيم سوريا عبر الكرد. إضافة إلى ذلك فقد عملت موسكو على ترسيخ الاحتلال التركي في منطقة رأس العين- تل أبيض مثلما فعلت في عفرين وتغاضت عن الجرائم وممارسات تركيا في عمليات الهجرة والتوطين والتغيير الديمغرافي هناك، وحتى أنها لم تقم بتنفيذ بنود اتفاقها مع تركيا بعد عملية ما يسمى بنبع السلام، وذلك للحصول على تنازلات من تركيا حول مايحصل في مناطق إدلب لعودتها للنظام، وأي بمعنى أنها استخدمت مرة أخرى الورقة الكردية عبر صفقتها غير المعلنة مع الجانب التركي بالسيطرة على الطريق الدولي م4 وم5 ومن ثم كافة مناطق إدلب.




رغم كل المحاولات الروسية في أن يقوم بدور ضامن بين الطرف الكردي والنظام، وهو الذي يلعب حقيقة دور الناطق الرسمي باسم النظام ويتحكم بكافة قراراته، مما يضع مصداقيته على المحك لجهة القيام بهكذا مهمة، لكنه أيضاً يتناسى بأن ملف مناطق شرق الفرات والمناطق الكردية مازال تحت النفوذ الأمريكي الذي وضع نصب عينيه لسيطرةاعلى منابع النفط والغاز وفق صراحة ترامب، وهذا ماسيعقد المسألة والحوار أكثر، لاسيما وأن هذه النقطة هي خلافية بين الكرد والنظام، ولايمكن لروسيا حتى طرحه بحكم الوجود الأمريكي، وكذلك الأمر يتعلق بمصير قوات سوريا الديمقراطية التي مازالت جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية، ومن المستبعد الحديث عنها حالياً لأنها جزء من أوراق التفاوض والتفاهمات الدولية النهائية حول مسار مستفبل سوريا السياسي.


 


زارا صالح 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!