-
نصر الحريري ونهاية الائتلاف الوطني
قبل عّدة أشهرٍ، كادت تسريبات مماثلة للرجل ذاته أن تورّط الائتلاف بالمشاركة بالانتخابات الرئاسية! قبل التسريبات الأخيرة رفضت أكثرية السوريين الاستمرار بأعمال اللجنة الدستورية، وأصرَّ هادي البحرة، ممثل الائتلاف بالاستمرار، وقبلَ ذلك أدان معارضون كثر مسار أستانا، وضرورة الانسحاب منه. السؤال هنا: هل كل هذا الفشل كان أمراً بسيطاً وعادياً؟
السياسات السابقة، وفي حال بطلان تلك التسريبات، توضح الافتراق الكامل بين مصلحة السوريين والثورة وقيادات المعارضة، ولنوضح لماذا؟ إن مسار أستانا جاء ليشطب مسار جنيف، وساهم عبر ملفات خفض التصعيد بتسليم الثورة لتكون تابعة لمصالح كل من تركيا وروسيا وإيران، وانتهت إلى إعادة سيطرة النظام على أغلب المناطق السورية. تُجمِع أغلبية التحليلات أن مسار اللجنة الدستورية كان لصالح إعادة شرعنة النظام، حيث رفع هذا المسار العزلة عنه، وأظهرته الدستورية وكأنّه يعترف بالمعارضة ويتحاور معها، وهذا ما أراده الروس، ليقنعوا الكثير من الدول، بضرورة إعادة تعويم النظام، إقليمياً وعالمياً.
إنّ ممارسات قيادات المعارضة، وسلسلة التنازلات التي أوردها هذا المقال، توضح أن لا قعر لتلك التنازلات، وموضوع الحكومة المشتركة فكرة جديدة، قد تنسف، في حال صحتها، كافة القرارات الدولية التي تدين النظام، وتحمله مسؤولية مآلات الوضع السوري برمته؛ الحكومة المشتركة تفترض تصفية كافة الأفكار والسياسات التي تتعلّق بالثورة وبأهدافها والجرائم التي ارتكبها النظام، وبالتالي، عفا الله عمّا مضى! هذه أفكار خطيرة، وتكرار الحديث عنها، ولو تنكر لها "الحريري"، ليست بريئة "تشكيل هيئة عليا للانتخابات، وحكومة مشتركة"، ولكن لنفترض أن هذه المشاريع محض بالونات اختبار لمدى تقبل الشعب السوري لهذه التنازلات، ألا توضح إلى أي دركٍ يمكن أن تصل المعارضة الفاشلة. الأخيرة هي كذلك، ليس الآن فقط بل منذ أن "تسلبطت" على الثورة، وحرفت مسارها ورهنتها لصالح الدول الخارجية، ومكّنت الفصائل السلفية والجهادية منها؛ ألم يقولوا إن جبهة النصرة فصيل من الثورة، ودافعوا عنها وكأنّها فعلاً تنتمي للثورة.
إن قيادات المعارضة الحالية، قد تقبل أية صفقة تعطيها امتيازات ضمن السلطة الحالية. مشكلة تلك القيادات أن النظام يرفض التصالح معها وليس العكس؛ شكراً للنظام إذاً! إن الوضع السوري في غاية التأزّم، والتدخل الخارجي أصبح بمثابة احتلالات تقتسم سوريا ويحافظ على مصالحه عبر جيوشٍ على الأرض.
القضية الأهم هي حالة الشعب، فهل المسارات السابقة خففت من مشكلاته؟ هل أخرجت معتقلاً؟ هل أعادت المواطنين إلى منازلهم؟ هل ساعدت بكف يد قيادات أمنية أو دفعت بالسلطة لمحاكمة بعض رجالاتها؟ وسواه كثير. إذاً، حجة إيقاف التدهور بأحوال السوريين لتبرير الاستمرار بالمسارات المذكورة، أصبحت سمجة وكاذبة، بينما القضية هي أن تلك القيادات طامحة إلى لعب أدوار سياسية تخص الشأن السوري، أو مشاركة النظام الحالي ببعض المناصب العليا، ولا شيء أكثر من ذلك، ولن نَتهم أحدٌ بالفساد المالي والعمالة الأمنية أو الصفقات البعيدة عن الأعين مع الأجهزة الأمنية للنظام.
إن تعقد الوضع السوري، يفرض إيقاف المشاركة بالمسارات أعلاه، وتسليم هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الإشراف على الوضع السوري مباشرة. لقد أصبحت تركيا وروسيا وإيران وأمريكا، وإسرائيل بشكل غير مباشر، تسيطر على الوضع السوري، بالتالي لم يعد هناك شرعية للنظام أو المعارضة، وهذا يعني فشل الأطراف السورية كافة عن إيقاف التدهور والمأساة.
مشكلة السورين الكبرى ليست في السياسات الفاشلة للمعارضة فقط، وهذه أصبحت من المسلمات، بل في غياب الإرادة الوطنية الجامعة، وغياب البديل السياسي المعارض، وتشتت الفئات الرافضة للمعارضة المكرسة، والافتقاد للثقة بين تلك الفئات. إن ذلك الغياب يؤدي إلى أن تستمر المعارضة المكرسة، والتابعة لهذه الدولة أو تلك، أو الساعية لمصالح شخصية أو حزبية، في "تتفيه" القضية السورية، وبيعها، وبالتالي إغراق الشعب السوري بالمزيد من المشكلات والأزمات، وتأجيل الوصول إلى حلٍ سياسيٍّ وفقاً لبيان جنيف أو القرارات الدولية المدينة للنظام.
إن التشهير بالشخصيات المتحكمة بالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية ومسار أستانا أصبح أكثر من ضروري، والتشهير والنقد والرفض وخلق البديل السياسي وحده ما قد يوقف التفريط بحقوق السوريين. وهذا التشهير سيفرض على الدول المتدخلة بالشأن السوري أن تعيد حساباتها قبل الاستمرار بالمسارات الفاشلة. إن فرض إيقاف تلك المسارات سيؤدي إلى أن تعود تلك الدول إلى فكرة الهيئة الانتقالية كاملة الصلاحيات، أو إلى صفقة سياسية بينها، وبما لا يضحي بمصالح السوريين، وبذات الوقت يتم تفكيك البنية الأمنية، والميليشاتية للنظام وبشكل عادل وعبر القضاء.
إن قوة التدخلات الخارجية، تعني أن النظام عبارة عن أداة بيد الروس والإيرانيين، ويستخدمونه من أجل مصالحهم الإقليمية والعالمية؛ نعم إن التدخل الروسي أعاد روسيا إلى الهيمنة العالمية وأعطى لإيران ثقلاً إقليمياً كبيراً وكذلك استفادت تركيا. قصدت هنا، إن النظام لم يعد قوياً، ويمكن تفكيكه إن استطاعت المعارضة تغيير مساراتها وسياساتها الكارثية ورؤاها الفكرية عن الثورة والسياسة والعلاقة الندية مع دول العالم. إن التأخر بإيقاف عمل المعارضة الحالية، واستمراراها بالمسارات ذاتها، كما أوضحناها، سيؤدي إلى صفقة دولية وإقليمية منخفضة الأهمية، ومبذرة بمصالح الشعب السوري، وفي هذا حتى النظام سيخسر الكثير من أوراق قوته. إن تركيا ستقول يوماً للمعارضة والشعب السوري، إن مصالح روسيا وأمريكا وإيران وإسرائيل غير قابلة للمواجهة، وليس بالإمكان أفضل مما كان.
المعارضات الرافضة لمسارات المعارضة الحالية معنية بإيجاد تحالف عريض، وديموقراطي بحق، وبما يسحب الشرعية من الائتلاف الحالي ويشطب كل وفوده التفاوضية. لسنا بوارد الأحلام هنا، بل إننا راغبون بإيقاف التدهور الكامل.
ليفانت - عمّار ديّوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!