-
نبش القبور.. كل الأطراف شاركت في الجريمة!
بعد اندلاع الحرب في سورية، لم تتوقف الممارسات القمعية الوحشية التي مارسها نظام الأسد بحق معارضيه، فلم يترك فصلاً من فصول التوحش والجرائم إلا واستحضرها، ابتداء بما حدث في مطلع الثورة السورية مع الطفل حمزة الخطيب واقتلاع الحناجر ودفن أحد المدنيين حياً بريف اللاذقية، مروراً بحرق الطيار الأردني حياً، إلى شاحنة تجول عفرين على متنها جثث مقاتلي المعارضة، ثم تجريف مقبرة تضم رفاة مقاتلي وحدات الحماية الكردية بعد سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا عليها، وانتهاء بنبش مقاتلي بشار الأسد لقبور مقاتلي المعارضة واستخراج عظامهم بطريقة لم يعهدها السوريون، بل لم يعهدها البشر برمتهم.
قبل أيام، في السادس من شباط، وبعد فرض سيطرتها على عدة مناطق شرقي إدلب، نشر عناصر مجموعة من مقاتلي الأسد مقطعاً مصوراً وهم يعبرون جوار مقبرة تضم في رفاتها قبور القتلى من فصائل المعارضة في بلدة خان السبل شمالي سراقب، ليتوعد متزعم المجموعة ويدعى "محمد عدنان الموسى"، وهو من أبناء خان السبل ويلقبون في البلدة "بيت سرحين"، بأنه سيعود إليها لينبشها ما إن يفرغ من تأمين المنطقة.
لم يمض الكثير من الوقت حتى نشر "الموسى" مقطعاً آخر وهو يحطم أول قبر فيها رفقة شقيقه حسن ومقاتلين أخرين من نفس البلدة أيضاً وهم عبد الرحمن حمادو دحروج ومحمد دحروج، ويشرع بقية المقاتلين بحفر القبر وسط وعيد وجهه "الموسى" لأهالي البلدة بأنه سينبش قبور هؤلاء الواحد تلو الأخر.
اليوم، تم تداول على وسائل التواصل مقطعاً مصوراً، اظهر مقاتلان من جيش الأسد وهما يتسامران، ويتوسطهما جمجمة تعود لأحد الأموات الذين تم نبش قبورهم. ولم يتسنى التحقق إن كان المقطع يعود لخان السبل التي ظهر فيها محمد عدنان الموسى ومجموعته.
ويقول أهالي خان السبل بأن الموالين لبشار الأسد في البلدة ليس حالة فردية، بل أكدوا وجود عائلات بأكملها مؤيدة لبشار الأسد، وقاتلوا معه، ضاربين بعائلات من ظهروا في الفيدو مثالاً واضحاً.
لايتردد مقاتلو "قوات النظام السوري" كما يصفها الاعلام الغربي في تصوير الجرائم التي يرتكبونها، وتوثيقها بكل جراة، فلم يسجل أن تعرض مقاتل في صفوف قوات الأسد لأي عقوبة على مدار السنوات الماضية، بل كان رأس النظام السوري مصراً على نفي كل الجرائم التي يتهمه بارتكابها معارضوه وسبق لصحفيين غربيين أن توجهوا بسؤاله عنها مباشرة، لكنه كان ينفي حدوثها في كل مرة.
من هو صاحب القبر:
يعود القبر الذي ظهر مقاتلوا الأسد وهم يحطمون شاهدته، ليقوموا بنبشه لاحقاً لأحد الثوار السوريين، "مهنا عمار الدين"، من أبناء بلدة خان السبل عام 1979، خرج "مهنا" متظاهراً مع انطلاقة الثورة السورية، وانضم لاحقاً إلى العمل المسلح، ليشكل كتيبة شهداء أحد، ثم يعيد هيكلتها ويصبح قائدا للواء درع الشمال. الذي ترأسه رئيس المجلس العسكري الأسبق في إدلب العقيد عفيف سليمان. انضم مهنّا ومقاتليه لاحقاً إلى الفرقة 13 بقيادة المقدم أحمد سعود.
شارك مهنا في جميع المعارك في أرياف إدلب وحماه وحلب. لكنه كان يركز غالب الوقت على تأمين المقاتلين والضباط المنشقين عن جيش الأسد، من بين الذين قام بتأمين انشقاقهم "العقيد عبد العزيز كنعان"، والذي أصبح رئيساً للمجلس العسكري في اللاذقية لاحقاً. استشهد عمار مهنا لاحقاً عام 2014، في كمين نصبه له مجهولون على الطريق الواصل بين خان السبل ومعصران. وجهت الاتهامات باغتياله إلى تنظيم الدولة الإسلامية آنذاك.
نبش القبور ليس سابقة جديدة في الحرب السورية:
في الثاني عشر من شباط/ 2018، وبعد سيطرتها على منطقة عفرين شمال حلب في عملية "غصن الزيتون"، جرف الجيش التركي مقبرة في عفرين تضم رفاة 200 من مقاتلي من وحدات حماية الشعب الكردية الذين قتلوا خلال معارك غصن الزيتون، إضافة لمدنيين من عفرين والمسمّاة “مقبرة الشهداء، أو مقبرة الشهيدة “آفستا” الواقعة على طريق قرية “ماراتيه”. وذلك بحسب ما ذكرت منظمة سوريون لأجل الحقيقة والعدالة.
لاحقاً في 27 شباط، عمدت القوات التركية إلى تجريف قسم كبير من “المقبرة الفوقانية” في قرية سنارة بناحية شيخ الحديد. والتي يمتد تاريخها إلى أكثر من 400 عام. كما دمرت مزارها الأثري المسمّى “علي داده” بالكامل.
وبحسب منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد اكتشف أهالي القرية أنّ عدد القبور التي تعرضت للجرف نحو 500 قبر، وذلك بعد أن سمح لهم الجيش التركي بزيارتها مع حلول عيد الفطر 2018.
نصيب تنظيم الدولة "داعش":
كان لتنظيم الدولة نصيب من النيل من المقابر، إلا أنها وبحسب المقاطع المصورة والصور التي تداولها ناشطون إبان سيطرته على مناطق في ديرالزور والرقة وريف حلب، اقتصرت على تحطيم شواهد القبور لما يراها "بدعة" بحسب اعتقادهم.
وعيد الأحياء والأموات:
لا تمثل الوحشية التي يظهرها مقاتلو الأسد نبأ صادماً بالنسبة لكثير من السوريين. فبالإضافة لأكثر من 13 ألف مقعتل قضوا في سجونه بحسب ما وثق "سيزر"، فقد سبق ودفنوا خلال تصريح تلفزيوني بعد سيطرته ومقاتليه على مطار ديرالزور في أيلول/2017، توعد العميد عصام زهر الدين الفارين من نظام الأسد واللاجئين بمن يفكر بالعودة إلى سورية بكلمته الشهيرة "نصيحة من هالدقن لا ترجعوا". وهو ما اغضب موسكو التي تمثل الذراع الترويجية لسورية الأسد "الآمنة". ليقتل زهر الدين بعدها بأيام فقط بحادثة انفجار أحد الألغام. وتتوالى التهديدات في كل مرة، رغم أن الأنباء التي وصلت غالبية السوريين بمقتل أحد المقربين أو تعذيبه كفيلة بمعرفة مصيرهم إن قرروا العودة.
تستعر الحرب السورية في عامها التاسع، يترافق ذلك مع سعار في الوحشية التي يظهرها مقاتلو الأسد وحلفاءه، فلم تعد صور الأطفال المنتشلة من تحت الأنقاض وسحق عائلات بأكملها كافية ليشفى صدر الأسد من معارضيه. فكان أن تتبعهم عميقاً إلى قبورهم. ولسان حال ذويهم يقول: "ليته يعامل رفاة موتانا كما عامل أبوه رفاة كوهين".
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!