-
من يمثّل الشعب السوري ومن يمثّل عليه
لكثرة التدخلات والتداخلات، وبسبب طغيان أسلوب التخاطف وسرقة التمثيل، وفقدان كل آليات التفويض الشرعية، فقد الشعب السوري تمثيله، وسرق منه قراره السياسي في طرفي الصراع، وتحوّل لعبيد وسجناء مسلوبين ومستلبين، أو لشتات لاجئين وتجمعات بشرية لا رأس لهم ولا لسان ينطق باسمهم.
وفقدت الدول كل قدرة على التعامل مع السوريين كشعب أو كمنظمات، فهم اليوم مجموعة فوضى واحتياجات، يمثّلهم ممثلون خطفوا التمثيل بالزعبرة أو برافعات الاستخبارات الداخلية والخارجية، وصاروا وكلاء عندها، إن كان ذلك في مستوى التمثيل عند النظام، حيث يختار الأمن مجلس التطبيل والتزمير (الشعب)، أو في الخارج والمعارضات المزعومة التي شكلتها المخابرات السورية (كمنصة الداخل هيئة التمسيح، وحميميم وموسكو 09)، أو اخترقت معظمها (كمنصّات العواصم المتبقية وصولاً للهيمنة على هيئة التفاوض واللجنة الدستورية)، والبقية الباقية من معارضة الخارج التي أفلتت من قبضة مخابرات النظام، اختارتها أجهزة أمن الدول المتدخلة، وهكذا لا يمتلك الشعب السوري اليوم فعلياً وعملياً من يمثّله، بل إنّ من يحكمه بالترهيب والقمع هو من يختار له ممثليه ليمثلوا عليه ويبرروا قتله وتعذيبه وتشريده واستعباده.
إنّها العبودية التي لبست ثوباً ديموقراطياً لا يمكنه أن يغطّي عورتها، لقد ثار الشعب السوري بسبب ذلك فهو يريد سلطة منتخبة تعبر عنه وسلطة تخدمه لا تقتله، لكن المعارضة وقعت هي الأخرى بذات العيب، واستعملت آليات تفويض وتمثيل مزيفة سرعان ما كررت صورة النظام، وانتهت للتوافق معه، بسبب وحدة الطبيعة والطباع، لذلك لم يكن لأيّ عملية قامت بها الأمم المتحدة أي معنى طالما أنّها كان تعتمد مبدأ الحل عبر اتفاق ممثلين كاذبين ومزيفين للشعب عن كلا الطرفين، فالنتيجة المتوقعة الوحيدة لعملية الأمم المتحدة هي خسار الشعب لكل أمل في الحرية والعدالة والحقوق التي ثار من أجلها ودفع ما دفع، وقد كان ذلك واضحاُ لنا منذ بدء مسار جنيف.
نعم وبكل تأكيد، من دون اعتماد آليات تفويض وتمثيل ديموقراطية نزيهة لا يمكن الحديث عن ممثلين للشعب، وبالتالي لا يمكن البحث عن حل، يرضى به الشعب ويدعمه، (إذا كان ذلك مطلوباً، وليس العكس) فالشائع حالياً أن تتزلّف لأجهزة الأمن كي تحجز مقعداً في مجلس الشعب، وأن تتزلف لأجهزة أمن الدول لتحصل على مقعد في الائتلاف وهيئات التفاوض والدستور، أو تبحث عن مصدر مالي يمكنك من تشكيل منصّة تظهر في أي عاصمة وتدّعي تمثيل الشعب من الفنادق.
الكل يبدأ من فوق ويستخدم الرافعات المخابراتية والمالية، ولا أحد يفكر بالبدء من الشعب، من القاعدة التي تختار ممثليها الذين ترضاهم بطرق مشروعة وبمناخ من الحرية، بشكل مباشر أو غير مباشر، متدرّج وهرمي، مراقب ومتجدّد دورياً. تلك الحقيقة والآليات الشرعيّة هي التي تجعل عملية التمثيل شرعيّة وتترجم لتفويض حقيقي ينجم عنه علاقة طبيعية بين الحاكم والمحكوم، وليس علاقة تمثيل على الشعب وخداع ثم خيانة وغدر ينتهي بقتل وتهجير.
التحجّج بالظروف للتهرّب من استحقاق التفويض والتمثيل غير مفيد، لأنّه لا يوجد ما يمنع من إبداع آليات تمثّل وتفويض جديدة ومرنة، فما تتيحه أدوات التواصل أصبح هائلاً وقادراً على إيجاد حلول لكل ما نحتاجه في هذه العملية، بغضّ النظر عن وضع المواطن في مناطق النظام والاحتلالات، أو مناطق أمراء الحرب أو في مخيمات التشرّد واللجوء أو التسكّع في أرجاء العالم.
يستطيع كل شخص يريد أن يشارك في صناعة القرار السياسي للشعب السوري أن يتوافق مع عدد من الأفراد، فكل ١٠٠ فرد يشكلون وحدة انتخابية صغرى تراعي المناطق الجغرافية المكانية، ويختارون شخصاً يمثّلهم، (ممثل المئة) ثم تكرر العملية مرة أخرى بأن يشكل مئة ممثل مجموعة أعلى ويختاروا ممثلاً عنهم، وهكذا نكون قد وصلنا لمرتبة تمثيل لكل عشرة آلاف مواطن ممثل، ويعتبر ممثلي العشرة آلاف هم الهيئة العامة التمثيلية التي تستطيع أن تنتج مكاتبها وأمانتها وتشرف على كامل المؤسسات والسلطات التنفيذية.
ليفانت - د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!