الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
من يحكم العالم (4).. الماسونية والإخوان
كمال اللبواني

الغرب الإمبريالي المهيمن على العالم أدرك أنه من غير الممكن قيادة المجتمعات الإسلامية بواسطة حركات علمانية، ولا أنظمة عسكرية عميلة فقط، لذلك كان لا بد من إقامة حركة ماسونية البنية والدور، إسلامية الغلاف والشكل، مختلفة شكلاً عن الماسونية العالمية ذات الطابع العلماني الأممي، لكنها تابعة اقتصادياً وتخطيطياً للماسونية العالمية، التي تحكم سيطرتها على المنضمين بالتركيز على مصالحهم الخاصة التي تضمنها وترعاها.

فأن تكون في تنظيم ماسوني فأنت مؤمن ومصالحك محققة تماماً، لكن عندنا على حساب وطنك وقيمك، فالماسونية التابعة هي خادمة لمصالح الغرب المهيمن، ليس المطلوب من الرأسمالي الماسوني التضحية بمصالحه بل بالعكس، يطلب منه التدليس والتغاضي عن واجباته تجاه مجتمعة، وهكذا امتلك الغرب وسيلتين للسيطرة على العالم العربي هما النظم العسكرية التابعة له، وحركة الإخوان المسلمين المرتبطة به، والتي على عداء سافر مع الأنظمة، وهكذا بصراعهما معاً الدائم ستكون الشعوب ضعيفة ويسهل السيطرة عليها.

وهكذا أطلق الساعاتي البناء ابن العائلة القادمة من شمال أفريقيا، والقاطن في الحي اليهودي، الشاب المتدين حسن البنا، دعوته لإنشاء أخوية إسلامية حديثة غير مسبوقة، تحمل ذات الطابع التنظيمي للحركات الماسونية، ومرتبطة اقتصادياً بها، تستخدم ذات أدواتها وطرق عملها، لكنها أخوية اقتصادية سياسية تحت راية الإسلام السياسي، هدفها احتكار السلطة والثروة، دعوة البنا لم تكن تعبر عن مصالح طبقة في وطنه، بل كانت لبناء أخوية إسلامية اقتصادية وسياسية وعسكرية عالمية متضامنة بمصالحها الخاصة، ومصالح الرأسمالية العالمية في المركز، متجاوزة لحدود الدول وعلى امتداد العالم، خاصة الإسلامي، عدوها الثقافي الظاهر هو الغرب (حليفها الاقتصادي والسياسي)، وعدوها الفعلي المحلي هو العلمانية والقومية، هدفها الفعلي هو السيطرة على المجتمع، عبر الاقتصاد ثم السياسة، فهي أخوية اقتصادية، أخوية مصالح أساساً، أصبحت أداة بيد الحكومة العالمية، تستخدم الإسلام لخدمة طموحاتها الخاصة.

الحرب العالمية الثانية التي لم يكن ممكناً إنهاؤها من دون إلغاء نظام الانتداب، وإعطاء هذه الدول استقلالها، هنا قامت الماسونية العالمية ومخابرات دول المركز بفرض سلطات محلية مرتبطة بها وتحت إدارتها لضمان استمرار تبعيتها، لكنها سرعان ما واجهت مطالب شعبية كبرى، راغبة في تعزيز الاستقلال والتقدم أسوة بالغرب، ونشأت الحركات التحديثية والقومية والاشتراكية والدينية، وللسيطرة على هذه المجتمعات التي تفتحت طموحاتها، فكان لا بد من تفتيت وحدتها عبر معارضة الهوية بالدين، عبر تسويد العسكر المتطرفين عليها باسم تلك الشعارات التي استخدمت وسائل معاكسة لها، سُلمت السلطة لقيادات قومية علمانية اشتراكية (من الجيش)، وبذات الوقت نظمت حركة تصارعها وتنازعها، لها بنية تنظيمية قوية ومتجذرة ذات طابع إسلامي يحاكي الهوية، هي الإخوان المسلمون، بهدف وضع الهوية القومية على نقيض الهوية الدينية، ثم إشعال الحرب بينهما، واستنزاف قوى المجتمع بهذا الصراع الذي يجب الحفاظ عليه ومنع انتصار طرف على الآخر فيه، التيار الإسلامي يمتص قدرات الشباب المسلم  ويجندهم، بينما يقوم العسكر القوميون بسحقهم، من دون تحطيم قياداتهم المحروسة عالمياً، أي استعمل الغرب النخب العميلة له لافتعال حرب داخلية ضحيتها الشعب والديمقراطية والاستقلال والتقدم، هذا الصراع حكم وما يزال العالم العربي وصولاً لسحق الربيع العربي بينهما.
 
كلا طرفي الصراع أدوات وصنيعة الماسونية وخدمة لرأس المال العالمي والهيمنة الخارجية، والعدو المشترك لهما هو الشعوب والحرية والسيادة والاستقلال والديمقراطية، وهم من سيعملون على سحق الربيع العربي، الذي قمع بذات الأسلوب والطريقة في كل الدول العربية، حين وقع الشعب الثائر بين مطرقة الجيش العلماني القومي المدعوم خارجياً، وسندان الإخوان ومن تبعهم من الحركات الإسلامية المدعوم خارجيا أيضاً، حتى دول الخليج كانت قد توزعت الأدوار لدعم كلا طرفي الصراع وبقوة، وذلك بتنسيق وأوامر من الغرب.

ذات وسائل تنظيم السلطات وتجنيد الوكلاء وقيادة التابعين اعتمدت في كلا طرفي الصراع، ذات الأساليب وذات الوسائل ولذات الأسباب، هذا التشابه يدل على عقل تنظيمي واحد وتشابه بنيوي لم يؤثر عليه لون الأيديولوجيا التي هي مجرد غطاء لتمويه حقيقة كون كلا الطرفين أداة قمع وإحباط بيد الأجنبي، تستخدم لإخضاع الشعوب لهيمنة ذات المركز العالمي.

لكن تمركز رأس المال الشديد بعد تلك الحرب، وتزايد الطابع الديمقراطي المركزي للدولة، وتطور مؤسساتها وقدرتها على التحكم والسيطرة، جعل رأس المال العالمي يعتمد على منتديات وتحالفات اقتصادية كبرى نوعية وسرية تتمركز في البنوك والنظام المصرفي العالمي، ويعتمد على مؤسسات الدول المركزية وأجهزتها التخطيطية والأمنية في تنفيذ خططه بدلاً عن الحركة الماسونية ذات القاعدة الواسعة التي يصعب السيطرة عليها، وهكذا أصبحت أجهزة الاستخبارات هي من تخطط، والبنوك هي من تمول وتوجه، والإعلام المحكوم بالربح هو من يطبل، وأفرغت الديمقراطية الغربية من أهم عناصرها بتحكم المال السياسي بها، وبقي المجتمع في المركز والأطراف محكوماً بالنظام الاقتصادي ذاته بالرغم من تداول السلطة، مهما تبدلت السلطات والبرامج يبقى النظام ذاته ونسب توزيع الثروة ذاتها، وهذا النظام الاقتصادي الراسخ هو في خدمة طغم رأس المال ضمناً وأساساً، ولم تنتهِ الماسونية تماماً، بل صارت محكومة من الحكومة العالمية التي اختزلت وتمركزت، واستمرت بقايا الحركات الماسونية تعمل، لكن بمستويات أقل من السيطرة، وبقي نفوذها أوسع في دول العالم التابع منه في دول المركز.

وبقيت جماعة الإخوان كدليل على مرحلة شارفت على الانتهاء، كما تشارف الدول المصطنعة التابعة على الفشل والإفلاس، بانتظار مرحلة جديدة مختلفة، ستجد طريقها للظهور بعد ذهاب غبار الحرب العالمية الثالثة التي نعيش بداياتها.

 

ليفانت - كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!