الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
من صراع المحاور إلى محاور الفرص
باسل كويفي

منذ انطلاق مسار أستانا "كازاخستان" بداية عام 2017، وبعد جولات تفاوضية عديدة وانضمام إيران إليه، توصلت "الدول الضامنة"، في 4 أيار/ مايو 2017 إلى اتفاق مناطق خفض التصعيد في سوريا، مسترشدة بأحكام قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

كان يُفترض على القوى السياسية في المنطقة، إعادة النظر في شعاراتها ومواقفها وسلوكها السياسي وفقاً للمعطيات والمتغيرات المستجدة، ومنها توظيف التوافق الدولي- الإقليمي بشأن سوريا بما يخدم صناعة سلام مستدام داخلي ينعكس إقليمياً ودولياً ويساهم في استقرار المنطقة ويحقق شرط الإعمار والتنمية المستدامة.

في حين أن الفشل في الخيارات أدى إلى خسارة فرص حقيقية للاستقرار والنهوض والتنمية، واستمرار الغوص في الهشاشة والأزمات، لأسباب عديدة أهمها الإخفاق في قراءة الفضاء الداخلي والإقليمي والدولي ومتغيراته، بعيون فاحصة وعقول مفتوحة في التقاط الإشارات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على مناحي الواقع بكافة أشكاله ومسمياته.

إن إشارة الخارجية الكازاخستانية في بيانها الأخير بعد اجتماع 21 مايو/ حزيران 2023 بانتهاء اجتماعات صيغة (مسار) أستانا، يشير بما لا يدع مجالاً للشك حسب اعتقادي، أن المتغيرات المتسارعة الإقليمية وعودة العلاقات العربية مع سوريا والاتفاقات الإيرانية - السعودية، والإيرانية - المصرية والوساطات العُمانية في الملف النووي الإيراني مع أمريكا ودول عديدة في المنطقة، وظهور دور عراقي مميز في رأب العلاقات الإقليمية - العربية؛ ويوحي إلى انتقال مسار أستانا بصيغته الهيكلية والموضوعية والإجرائية إلى المربع العربي - الخليجي برضا الدول الضامنة سابقاً (روسيا وتركيا وإيران).

في نفس الإطار، تتجدد الفرصة للعراق اليوم للإفادة من الانفتاح الدولي والإقليمي عليه، بعدما تغيرت رؤى الدول الإقليمية عن الدور العراقي في معادلة الأمن الإقليمي (وقد تصح هذه المقاربة في سوريا من بعض زواياها)، فقد كان يُنظر للعراق أنه تحت هيمنة محور يمثل تهديداً لأغلب دول المنطقة، كونه ساحة متغيرات عاصفة تتطاير شراراته على البلاد المجاورة وما بعدها، وفق هذه الرؤية كانت الدول الإقليمية تتعامل مع العراق وفق خططها ومصالحها للانخراط في محاور الصراع.

أحد علماء الاجتماع الأميركي "لوتارخ" كتب حول ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في مواجهة أعدائها، إذ يجب أن ينصّب التركيز على تحسين الذات والحرية الفردية من أجل حياة فاضلة، وهذا لا يعالج مسائل الأمن القومي أو التنافس الجيوسياسي لكنه يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، بالتالي يكون له بعض التطبيق على المجال الأوسع للتفاعلات السياسية بما في ذلك تلك التي تسري بين الدول، وأضاف أن الدول ليست "صناديق سوداء"، بل تعمل بنفس طرق عمل البشر الأفراد، لذلك فإن الديناميات التي تميّز العلاقات الشخصية في الصداقات والعداوات تشبه تلك التي تشكل التفاعلات الاستراتيجية بين الأنظمة السياسية، وأن الأعداء متواجدين دائماً لأن المنافسات الاستحواذية تدفعنا إلى الرغبة فيما لا نملكه، أما السبب الثاني لاستمرار وجود الأعداء، فهو البحث عن الأصدقاء "لأن صداقاتنا ذاتها تورطنا في العداوات"، فأن يكون لديك أصدقاء هو ما يخلق بحكم الواقع أعداء، ويخلص إلى أن مجرد الاعتراف بوجود العدو يغير الطريقة التي نتصرف بها لتعديل نظرتنا إلى المستقبل وكيف نستعد وننظم أنفسنا. من جانب آخر انطلق في باريس يوم 22 يونيو/ حزيران 2023 اجتماع قمة شارك فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “ميثاق التمويل العالمي الجديد” تهدف إلى إرساء قواعد نظام مالي جديد يكون أكثر عدلًا وتضامنًا؛ لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومن بينها، الحد من الفقر، ومواجهة التغيرات المناخية، وحماية التنوع البيئي. وتهدف كذلك إلى تعزيز صمود الدول الأكثر هشاشة في مواجهة الصدمات الاقتصادية وتداعيات التغيرات المناخية، وتمهد الطريق لعقد اتفاقيات جديدة للحد من مشكلة تفاقم الديون، والحصول على التمويل الذي تحتاجه من أجل الاستثمار في التنمية المستدامة، والحفاظ على الطبيعة بشكل أفضل، وخفض الانبعاثات الحرارية، وحماية السكان من الأزمات البيئية، خاصة في المناطق الأكثر عرضة للأزمات، من جانبها تطالب منظمات المجتمع المدني بأن يتضمن أي ميثاق دولي جديد تغييرات جذرية عميقة تهدف إلى أن يكون النظام المالي العالمي أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة وأكثر استدامة، وأن الدول الأكثر هشاشة في مواجهة الكوارث المناخية، تعاني من تفاقم المديونية، وبالتالي لا تستطيع الاستثمار في الخدمات العامة أو مواجهة آثار التغيرات المناخية.

وكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتنمية المستدامة الدكتور ‫محمود محي الدين؛ قد صرح منذ أيام في حديثه عن الانخراط في عملية تمويل المشروعات البيئية والخضراء ذات الصلة بالمناخ، لتحقيق هدف الانبعاثات الصفري عام 2050 ‏"لم أرَ إلا مناشدات.. ولا إشارة موضوعية تقول إننا على الطريق السليم، الدول النامية تأثيرها على الانبعاثات الضارة لا يزيد عن 4% ومن العبث أن نطالب الدول النامية بالاقتراض لإصلاح ما سببه الآخرون".

من زاوية أخرى، وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، صرّح في ختام جولته الخليجية (عُمان - قطر - الإمارات - الكويت) للإعلام أمس الأول "لدينا أخبار جيدة للشعب، لقد بدأ فصل جديد في العلاقات والتعاون بين إيران والدول الخليجية، كما بحثنا في جميع الدول الأربع سبل إزالة العقبات أمام توسيع العلاقات، واتفقنا على تفعيل الدبلوماسية البرلمانية في العلاقات الإيرانية والخليجية، وطرحنا مبادرة لتشکیل منتدى الحوار والتعاون الإقليمي ورحبت جميع الدول الأربع بها وسنعمل على تشكيله قريباً".

اللافت للنظر أن هذه الزيارة تأتي بعد الاتفاق السعودي - الإيراني الذي سيلقي بظلاله الناعمة على الملفات الساخنة في المنطقة (لبنان - سوريا - اليمن - فلسطين ...) وتحتل القضية المركزية جُلّ الأولويات لتفكيك محاور الصراع كون العديد من دول الخليج وإيران ومصر وسوريا تمتلك مفاتيح الحلول فيما بينها من ناحية، وبين بعضها مع الكيان المحتل من ناحية أخرى، وبالتالي. فقد يكون بالإمكان الوصول إلى تفاهمات تشكل محاور فرص إذا أحسن استغلالها بتنفيذ القرارات 242 و383 الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وعند ذلك ستكون الفرص سانحة وكبيرة لتوسيع فضاءات التنمية المستدامة وأجندات 2030 و2050 على مستوى الدول والإقليم والتعاون الدولي لتعزيز الأمن والاستقرار والسلام المستدام.

وكما يقول الشاعر بن الوردي:
هل يستوي العلماءُ والجّهالُ
في فضلٍ أم الظلماءُ كالأنوارِ؟
 
ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!