الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مقايضات روسيا وتركيا.. عين على الشمال السوري
روسيا وتركيا

 ليفانت – نور مارتيني 

 




شهدت العلاقات الروسية- التركية، في مرحلةٍ ما توتّراً شديداً، بلغ أوجه مع إسقاط طائرة روسية من قبل تركيا، في المنطقة الحدودية، المتاخمة للواء اسكندرون، والتي قالت تركيا يومها أنها تجاوزت الحدود، وأسر طاقمها، بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وبعد فترة بسيطة من إعلان روسيا بدء حملتها العسكرية الداعمة للنظام السوري.




لاحقاً، تبدّلت الأحوال، وجرت المصالحة بين تركيا وروسيا، والتي روّجت وسائل الإعلام التركية إلى أن سبب المصالحة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعود إلى دخول روسيا على الخط وإبلاغه بتفاصيل محاولة الانقلاب، فيما ذهب محلّلون سياسيون أن المصالحة الحقيقية إنما هي بين إسرائيل وتركيا، سيما وأن السفير الإسرائيلي عاد إلى أنقرة بعد مغادرتها عام 2011، بعد 5 سنوات من تخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي في تركيا. مقايضات 


تطوّر جديد طرأ على مسار الأحداث في سوريا، بعد توقيع هذا الاتفاق، حيث بدأت تركيا تسيطر على مناطق على حدودها الشمالية، بمقابل تقدّم نظام الأسد في مناطق خسرها سابقاً، بغطاء جوي روسي ومؤازرة الميليشيات الإيرانية، سيما بعد مؤتمر سوتشي وتأسيس ما بدعى بمحور أستانة.


بعد هذه المصالحة، دخلت الأحداث في سوريا مرحلة جديدة، عنوانها تقدّم متزامن ومتوازٍ للنظام السوري وتركيا، هو أشبه ما يكون بإعادة هيكلةٍ ديموغرافية للمنطقة، سيما بعد إتمام آخر اتفاقات التسوية والذي جرى في درعا عام 2018، ليتمّ نقل جميع معارضي الأسد، ممن رفضوا إجراء مصالحات وتسويات، وهم ممن شاركوا في أعمال مسلّحة ضدّه إلى الشمال السوري، وتجميعهم في المنطقة، بالمقابل راحت تركيا تقتطع المزيد من الأراضي، وتهجّر المكوّنات الأخرى من سريان وأكراد وسواهم من مناطق معينة، وتنقل هؤلاء الأشخاص ممن أجروا اتفاقيات مصالحة لتسكنهم مكان أهالي المنطقة.


وتكشّفت ملامح الاتفاقات الروسية التركية، عن فقدان مئات الآلاف من السوريين لمنازلهم، على ضفتي الصراع السوري، وجاءت حرائق الغابات الأخيرة لتستكمل المشهد وتهجّر نحو 4000 عائلة في الساحل السوري، في مؤشر على استكمال ملامح التغيير الديموغرافي الذي أشرفت عليه كلّ من تركيا وروسيا، فيما يستعين النظام السوري بالميليشيات الإيرانية وحزب الله في حربه ضدّ شعبه،الذي أعلن مراراً انتصاره عليه!


تشكّل محور أستانة


بعد المصالحة الروسية التركية، خلال المؤتمر الذي عقد في آب/ أغسطس 2016، وبعد أقلّ من شهر على إفشال محاولة الانقلاب على إردوغان، والتي كان لها أكبر الأثر في تحوّل السياسة التركية إلى نظام ديكتاتوري، أعلن عن عقد مؤتمر أستانة الأول في العاصمة الكازخية، في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه.  مقايضات 


اقرأ المزيد: الاتفاق الروسي التركي على المحك..روسيا ترفض تسيير دورية في إدلب


حيث أجريت محادثات جرت بين ممثلي النظام السوري، وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية برعاية كلّ من  روسيا وتركيا، كما جاء في بيانه الختامي أنّ “وفود الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي وتركيا، وبما يتوافق مع البيان المشترك لوزراء الخارجية المعلن في موسكو في 20/12/2016، ومع قرار مجلس الأمن 2336، فإنهم يدعمون إطلاق محادثات بين حكومة الجمهورية العربية السورية ومجموعات المعارضة المسلحة في أستانا في الفترة بين 23 و 24 من كانون الثاني لعام 2017”.


لاحقاً أعلنت جبهة فتح الشام، وعدد من الفصائل المتحالفة معها، رفضها نتائج المؤتمر، وحدث شرخ في صفوف حركة أحرار الشام الإسلامية، نتج عنه انشقاق عدد من الشخصيات القيادية عنها والتي كانت على رأس عملها والسابقة منها، إضافة إلى عدد من الفصائل المنضوية تحت رايتها أو المتحالفة معها، وبالتالي زوال التحالف المسمى جيش الفتح، وظهور تشكيل جديد ضم المعارضين للحل السياسي في سوريا ولاستهداف جبهة النصرة تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”.


مؤتمر سوتشي


لاحقاً رعت روسيا مؤتمراً أسمته “مؤتمر الحوار الوطني السوري، أو ما يعرف بمؤتمر سوتشي، وشاركت في المؤتمر شخصيات من الموالاة، وما يطلق عليه اسم “المجتمع المدني السوري”، ووفود من المعارضة قادمة من دمشق والقاهرة وموسكو وأنقرة.


اقرأ المزيد: إهانة جديدة من بوتين.. “بشار الأسد” آخر من يعلم بالاتفاق الروسي التركي


فيما عاد وفد فصائل المعارضة المسلحة، المكوّن من نحو ثمانين شخصاً إلى أنقرة بعد رفضه المشاركة، وقال في بيان إنهم فوجئوا بأنه “لم يتحقق أي من الوعود التي قطعت، فلا القصف الوحشي على المدنيين توقف، ولا أعلام النظام على لافتات المؤتمر وشعاره أزيلت، فضلاً عن افتقاد أصول اللياقة الدبلوماسية من الدولة المضيفة. مقايضات 


وعلى الرغم من استياء فصائل المعارضة، إلا أنّ الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان الأربعاء عبّرا عن “ارتياحهما” لنتائج مؤتمر سوتشي للسلام حول سوريا، بحسب بيان أصدره الكرملين.


فيما قاطعت عشرات الفصائل المقاتلة منذ البداية، وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، الفريق الرئيسي للمعارضة، المؤتمر. كما أعلنت الإدارة الذاتية الكردية عدم مشاركتها متهمة روسيا وتركيا بـ”الاتفاق” على الهجوم على عفرين، التي تتعرض لعملية عسكرية تركية واسعة منذ حوالى عشرة أيام.


العمليات التركية في الشمال السوري بالتوازي مع تقدّم النظام


بعد مؤتمر أستانة مباشرة، جرى إطلاق عملية درع الفرات، والتي تقدّمت بموجبها تركيا في منطقة جرابلس، والتي قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في اليوم الأول من العملية إن الهدف منها هو داعش و”الجماعات الكردية السورية الإرهابية التي تهدد بلدنا في شمال سوريا”. إذ كان الهدف من السيطرة على منبج، وهو ما لم تحقّقه تركيا.

بمقابل عملية درع الفرات، وعلى الضفة الأخرى، وبمساعي “الضامن الروسي”، تمكّن النظام السوري من فرض هيمنته بشكل كامل، على أحياء حلب الشرقية، ليستكمل الاتفاق مع نهاية عام 2016، وتكون مدينة حلب بالكامل تحت سيطرة النظام السوري، بعد حملة عسكرية شعواء، استهدفت البنى التحتية والمرافئ الطبية، بمشاركة الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية.


اقرأ المزيد: إسرائيل تشيد بالدور الروسي لمنع تموضع إيران قرب حدودها


لاحقاً، وبعد مؤتمر سوتشي، أعلنت تركيا عن إطلاق عملية “غصن الزيتون”، حيث دخلت تركيا حرب عفرين بهدف واحد معلن، وهو القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تصنفها أنقرة على أنها منظمة ألرهابية. وبالتوازي مع الحملة العسكرية عبأت السلطات الإعلام والخطاب الديني وراء القرار.


وحذّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وقتها  تركيا من أن عملياتها ضد الفصائل الكردية يجب الا تكون ذريعة لغزو سوريا، الا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال أن لا أطماع لبلاده في سوريا. كما شدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أن “كل من يعارض العملية التركية في عفرين يأخذ جانب الارهابيين”. مقايضات 


بالمقابل، أطلق النظام السوري عملية واسعة، مع حلفائه، حملة على مناطق واسعة في ريفي حماة وإدلب الشرقيين، واحكم سيطرته على مناطق حلفايا وما حولها، فضلاً عن مناطق في ريف إدلب الشرقي، أو ما يعرف بـ”شرق السكة”، والتي ما يزال أهالي المنطقة، ممن لم ينخرطوا في عمليات مسلحة، عاجزين عن العودة إليها.


آخر عمليات تركيا، في الشمال السوري، حملت اسم “نبع السلام”، والتي أعلنت القوات التركية عن بدئها في 9 تشرين الأول / أكتوبر عام 2019، والتي أسفرت بحسب إحصائيات “الإدارة الذاتية” عن نزوح 150 ألف نسمة من مدينة راس العين وحدها، جرى توزيعهم على ثلاثة مخيمات، حيث نقلت نازحي منطقة رأس العين القاطنين في مراكز الإيواء ومدارس مدينة الحسكة، إلى مخيم جديد أنشئ بداية الشهر الماضي في منطقة الطلائع جنوباً. وبلغ عدد العائلات التي وصلت المخيم 600 أسرة.


بالمقابل، شهدت منطقة إدلب حملة عسكرية شعواء شنّها النظام السوري وحلفاؤه على ريف إدلب الجنوبي أسفرت عن إحكام سيطرته على مدينتي معرة النعمان وكفرنبل الاستراتيجيتان، من حيث موقعهما على الأوتستراد الذي يربط مدينتا حلب ودمشق، وكذلك مدينة سراقب على الأوتستراد إم 4، مسبّباً حملة نزوح هائلة في المنطقة، سيما بعد أن جرى استهداف البنى التحتية والمشافي، كعادة طيران روسيا والنظام، وانتهت الحملة بتوقيع اتفاق خفض تصعيد بتاريخ 5 آذار/ مارس المنصرم.


مؤشّرات كثيرة على بدء فصل جديد من “المقايضات الروسية التركية”، فانسحاب تركيا من كبرى نقاطها العسكرية في مورك لا يمكن أن يكون مجانياً، سيما وأنّها جزء من اتفاق سوتشي المبرم بين روسيا وتركيا، غير أنّ ما يحدث من تصعيد في ريف إدلب الغربي، وما يقابله من تصعيد في محيط منبج يثير مخاوف من بدء فصل جديد، يدفع ثمنه المدنيون في كل من إدلب ومنبج ثمنه! مقايضات 


 








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!