الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مفاوضات فيينا: ويل للسوريين إن اتفقوا وويلتان إن فشلوا
أحمد رحال

مما لا شك فيه أن مفردات الاتفاق النووي الإيراني مع دول (5+1)، والمفاوضات الجارية في فيينا قد تكون من أكثر القضايا التي شغلت العالم في العقود الأخيرة، نظراً لتعقيداتها وارتباطاتها على أكثر من ملف، وأكثر من منطقة ساخنة جندتها إيران كأوراق ضغط على طاولة مفاوضاتها مع الأوربيين والأمريكان عموماً، ونظراً لارتباط حل معظم الملفات العالقة بالشرق الأوسط بما ستؤول إليه مفاوضات فيينا.

يقول إريك بروور، المدير الأول في مبادرة التهديد النووي: (لقد بات لدى طهران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية، وأن عملية الاختراق النووي قد تحتاج لأسابيع فقط لوصول إيران لصناعة قنبلة نووية). ترافقت تلك التصريحات مع تأكيد لمسؤولين أمريكيين أنه في الظروف الحالية وضمن أي شروط اتفاق نووي جديد ومهما كانت بنوده مغلظة وصعبة، ستتمكن طهران من تكديس ما يكفي من الوقود النووي لصنع قنبلة خلال أقل من عام، مما يزيد الضغط على الغرب ويعطي الأريحية للمفاوض الإيراني، حيث يقول علي باقري كني، كبير المفاوضين الإيرانيين في المباحثات النووية: "نحن نعمل عن كثب مع شركائنا في الاتفاق النووي وخاصة المنسق (الأوروبي)، لإعطاء فرصة أخرى للولايات المتحدة والتأكيد على حسن النوايا وموقفنا المسؤول بهذا الشأن".

تشمل الخلافات الرئيسة بين طهران وواشنطن شطب المنظمات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من لائحة المنظمات الإرهابية (وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية التي ترى أن الموضوع لا صلة له بالاتفاق النووي لعام 2015)، وتقديم ضمانات بأن الإدارات الأمريكية المستقبلية لن تنسحب من الصفقة مجدداً (أيضاً هذا أمر ليس بمقدور أي إدارة أمريكية ضمانه لأنه يتعدى صلاحياتها)، ثم تستدرك إيران الموقف وتتخلى عن تلك الطلبات (وفق بعض المصادر المطلعة) لكنها تضيف شروطاً لا تقل صعوبة عما سبق: منها التأكيد بأن الشركات الغربية التي تستثمر في إيران ستتم حمايتها إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية مرة أخرى كما فعلت إدارة الرئيس "ترامب"، وآليات جديدة في الاتفاق الجديد من شأنها أن تسمح لطهران بزيادة أنشطتها النووية بسرعة إذا ما انسحبت واشنطن من الاتفاق مرة أخرى.

الخطوط العريضة للمبادرة (الإنقاذية) الأوروبية قد تتيح لإيران استعادة 100 مليار دولار مجمدة في بنوك الغرب، وقدرة تصديرية متسارعة قد تصل لـ3 مليون برميل نفط يومياً، إضافة للغاز الإيراني، طاقة يحتاجها الغرب نظراً للأزمة الخانقة التي تعيشها أوروبا والعالم اليوم نتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، وما أعقبها من عقوبات متبادلة بين موسكو والغرب، ومعها ستتمكن إيران من إدخال 65 مليار دولار سنوياً لخزينتها.

عمليات الاغتيال التي طالت علماء وشخصيات فاعلة في المشروع النووي الإيراني، وعلى رأسها اغتيال (أبو المشروع النووي الإيراني) محسن فخري زادة وغيره من ضباط على علاقة بالمشروع النووي الإيراني، مع ضربات الحرب السيبرانية وعمليات تخريب منشآت نووية حصلت في إيران، قد تكون أثرت وأبطأت الخطوات الإيرانية المتسارعة للوصول إلى العتبة النووية ودخولها النادي النووي لكنها لم توقفها.

لكن ماذا عن موقف العرب والسوريين إن تم الاتفاق من جديد؟

كان للاتفاق الذي أبرمته الدول الغربية مع إيران عام 2015 أثر سلبي على القضية السورية، كما يرى الكثير من الباحثين والخبراء، إذ إنه وبشكل غير مباشر كان سبباً بزيادة التوغل الإيراني في سوريا وإطلاق يد ميليشياتها في المدن التي شهدت انتفاضة ضد حكم بشار الأسد. ويقول المعارض السوري برهان غليون بهذا الشأن: "الغرب ضمن بهذا الاتفاق مصالحه واتقى شرور طهران، ورمى قنبلتها التخريبية على أصحاب المنطقة أنفسهم، وعليه، فإن الغرب الذي خلق المشكلة الإيرانية (بحصاره لها) تخلى عن مسؤولياته، وترك للشعوب المنكوبة في الشرق الأوسط مهمة معالجتها.

في الشأن السوري، لم تنس بعد ذاكرة السوريين الرئيس الأمريكي (الأسبق) أوباما وكيف أوقف كل التحركات الأمريكية الداعمة للثورة كرمى لاتفاق مع إيران، ثم ترك لها سوريا لقمة سائغة وسهلة. يقول رئيس الاستخبارات السعودي، الأمير بندر بن سلطان: "إن حلفاء واشنطن أٌصيبوا بصدمة وذهول حين اكتشفوا لاحقاً أن مكاسب إيران في سوريا كانت بسبب مفاوضات أوباما مع طهران على النووي الإيراني".

عربياً أيضاً ومع أي اتفاق نووي قادم ترفض فيه إيران النقاش بمشروعيها الصاروخي والطيران المسير، وبالتالي الخطر على المنطقة العربية ما زال قائماً، وصواريخ إيران ومسيراتها إضافة لأذرعها الإرهابية المنتشرة خارج حدودها سيبقى سيفاً مسلطاً على رقاب شعوب المنطقة.

الأموال التي حجمت نوعاً ما عمل ميليشيات إيران، وخاصة حزب الله في سوريا، ستعود لتضخ وتنعش شرايين ميليشياتها، وستشمل بالتأكيد زيادة أعدادها وتذخيرها وتسليحها، والأهم إيرانياً استغلال الحالة الاقتصادية للسوريين لزيادة عمليات التشييع التي لم تسلم منها كل سوريا، ووصلت للدروز في جبل العرب، ومع عودة الأموال الإيرانية المفرج عنها من الغرب (بعد الاتفاق) ستزداد جرعات الموت للسوريين، وسيزداد عنف ميليشياتها المنتشية بالأموال الإضافية، وستزداد مشاريع إيران الصاروخية في مؤسسات البحث العلمي، ومؤسسات التصنيع العسكري السورية التي أصبحت خالصة تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، عدا عن زيادة أعداد الحوزات والقبيسيات التي غزت المحافظات السورية، وستتحقق نبوءة رجل الدين الإيراني (مهدي طائب) بتحويل سوريا للمحافظة 35 لإيران.

ما يخشاه السوريون أن تكون سوريا في عهد "بايدن" كما كانت في عهد "أوباما"، قطعة الحلوى التي ستقدم لطهران بعد إنجازها الاتفاق النووي الجديد مع الغرب، وروسيا المنشغلة اليوم بحربها في أوكرانيا ستغض الطرف عن تمدد إيران على حساب نفوذها في سوريا، مقابل مسيرات إيرانية تحتاجها موسكو على جبهات دونباس المتعثرة في أوكرانيا، وستؤمن ميليشيات إيران الحفاظ على إنجازات موسكو في سوريا في ظل انشغالاتها الخارجية.

لكن ماذا إن فشل اجتماع فيينا؟

أرقام المال تتحدث أن البرنامج النووي ربما كلف خزينة إيران ما يفوق الـ 200 مليار دولار، وأن إيران ستعمل ما تستطيع لإجبار الغرب إما بقبولها عضواً في النادي النووي وتشكيل حصانة أبدية لأي هجوم عليها، أو ابتزاز الغرب باتفاق لاحق يبقي نفوذها و(زعرنات) أذرعها في المنطقة.

إن رفضت إيران التوقيع لعدم استجابة الاتفاق لمصالحها، فالبدائل عمليات تصعيد إيرانية بأكثر من موقع للضغط على الغرب، والخطة جاهزة في سوريا لمواجهة الأمريكان وإشعال الجبهات في شرقي الفرات وفق بنود خطة تم تسريبها بعد اجتماع روسي إيراني أسدي في قاعدة "حميميم" لتشكيل قوات (هيئة الاستعداد القتالي)، مهمتها التحرش بالتحالف الدولي شرقي الفرات والدخول مع الأمريكان بحرب استنزاف لإجبارهم على مغادرة سوريا، وقد تكون الضربات الصاروخية الأخيرة التي طالت حقل العمر ومعمل كونيكو في شرقي الفرات، والمسيرات على قاعدة التنف، باكورة أعمال التجمع الجديد، رغم الرد الموجع للتحالف الدولي.

وإذا ما نجحت إيران مع حليفها الروسي والأسدي بإحراج وإخراج التحالف الدولي من سوريا، فستكون القوات التركية هدفها الثاني لإخراجها من سوريا أيضاً، تحت عناوين الشرعية الأسدية المزيفة التي تتمتع بها قوات إيران وروسيا في سوريا وتغيب عن الوجود التركي، وبالتالي المطالبة بمغادرة الجيش التركي للأراضي السورية، والاكتفاء بما تنص عليه اتفاقية أضنة لعام 1998 أو تعديلها بشروط أفضل لأنقرة، أو عبر عمليات عسكرية مباشرة وغير مباشرة ضد النقاط التركية، وإيران تعلم أن تركيا تمر بظروف حساسة من غير المقبول لشعبها رؤية نعوش جنود أتراك عائدة من سوريا، ونظام الأسد سيكون في الواجهة دائماً لطالما صدع رؤوسنا بحديثه عن الاحتلال التركي واستعداده لمحاربته، وهكذا تستفرد إيران بالساحة السورية فيموت من الجوع والعوز من بقي تحت وصايتهم، ويبقى المشردون والنازحون هائمون في بلاد الغربة بعيداً عن وطنهم الذي باعه الديكتاتور للمحتلين ثمناً لبقائه على كرسي السلطة.

 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!