الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
معادلة غامضة بين العراقيين 
 صبحي ساله يي

ترتاح الكثير من الأحزاب والشخصيات إلى السكوت عن فسادها وقضاياها وتصرفاتها وقراراتها ومواقفها، وتتمنى نسايانها أو في الأقل تجاهل الحديث عنها وعدم الاكتراث بها علناً.

ولكن الرياح لا تجري دائماً كما تشتهي السفن. والمتورطون مع رئيس اللجنة المالية النيابية للدورة السابقة والمستشار السابق في رئاسة الوزراء هيثم الجبوري في سرقة القرن، والتي يمكن وصفها بسرقة الساعة أواليوم أو الأسبوع أو الشهر مقارنة بمئات المليارات المسروقة، لم يعلقوا على أمر السرقة وإلقاء القبض عليه، واختاروا الصمت المتباين والتحلي بدرجة عالية من الهدوء الحذر الملىء بالفزع، خوفاً من رد الفعل الشعبي، وربما اعتقاداً منهم بأن صمتهم يجنبهم التورط مع المحاكم، أو قد يُفهم منه الموافقة على مكافحة الفساد، أو إعطاء صورة إيجابية عن تحركاتهم.

الذين اعتقلوا سمسار صفقات السياسة والأخلاق هيثم الجبوري كانوا متأكدين من أن شركاءه من الفاسدين والسُرّاق لا يقبلون باعتقاله، ليس حباً به أو مودة له، بل خشية من القضايا التي تحيط بملفاتهم القذرة، وكانوا على يقين بأنه سيطلق سراحه في أقرب وقت، مع ذلك اعتقلوه لجس نبض القوى التي شاركت في هذه الجزئية، ولاختبار قدرتهم على البقاء في مواقعهم دون مباركة أصحاب المفاتيح الرئيسية في العراق.

أما التباسات إطلاق سراحه، ببدعة إعادة جزء من الأموال المنهوبة من قبل زوجته المتسترة على سرقاته ( وفي القانون كما يعلم الجميع التستر على الجريمة - جريمة)، بعد أيام قليلة من الإعلان عن إطلاق سراح أستاذه نور زهير بإيعاز مباشر من شركائه الذين يبحثون عن هدوء ولو مدفوع الثمن، يخفف عن كاهلهم بعض الضغوط التي حشرتهم في الزاوية الضيقة المليئة بالتحديات والتي أسهمت في تغذية الكثير من الغضب الشعبي ضدهم، فهو قصة مليئة بالشجون ووصول لمرحلة القبول بوضعية يتساوى فيها المجرم والبريء، وإفصاح عن حقيقة سهولة خرق القانون، وتعبير هدفه الإيحاء بأن مهمة الهيئة التي ألقت القبض على هيثم وأية هيئة أو لجنة أخرى ستكون شكلية، وأن تحررها من القيود المفروضة عليها وعلى أمثالها تحرر نسبي، ولا تستطيع الحفاظ على الحد الأدنى من التزاماتها، وجميع التصورات التي تتبناها هذه اللجان يجب أن تخضع لتفاهمات خلفية وحسابات سياسية ومصالح ميلشيات مسلحة تأتمر بأوامر خارجية، لا تعرف معنى المواطنة وتصر على النهب والتخريب وممارسة عقدها المرضية.

بين الهيئة التي ألقت القبض على هيثم الجبوري الذي مارس لعبة الرشوة والإساءة والابتزاز والصراخ في البرلمان ونشر الفساد والإفساد وإثارة الفتنة الطائفية في الإعلام، والسياسيين المتنفذين الذين استباحوا هيبة القضاء وأمعنوا في إنهاك العراقيين وأصروا على تشويه صورة ما جرى من قبل حكومة محمد شياع السوداني ومارسوا الضغوطات المختلفة لإطلاق سراحه رغماً عن اعترافه ووجود الادلة التي تثبت جرائمه من جهة، وبين الشعب العراقي المغلوب على أمره والوطنيين الصامتين حتى الآن من جهة أخرى، معادلة غامضة وغير متوازنة وحكاية مليئة بالشد والجذب والإثارة والإرباك والارتباك والتلعثم، تتضارب فيها الإرادات المحلية والإقليمية التي تستهدف مستقبل وثروات ومقدرات وأمن العراق  السياسي والاجتماعي.

 

ليفانت - صبحي ساله يي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!