الوضع المظلم
الخميس ٢١ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مراجعة رواية أيام من دم كربلاء إلى مذبحة القلعة للباحث التاريخي

مراجعة رواية أيام من دم كربلاء إلى مذبحة القلعة للباحث التاريخي
حمزة السليم

ألف وليد فكري، الباحث المصري في مجال التاريخ منذ العام 2009، عدة روايات تاريخية، تحدث بها عن أبرز نماذج القتل والعنف في التاريخ الإسلامي بين طرفين كلاهما مسلم. فقد عانت حضارتنا العربية الإسلامية أوقاتاً عصيبة دامية، ولكن رغم ذلك راكمت موروثاً حضارياً إلى يومنا، يدل على قوتها وعظمتها، فلم تنهزم أمام فيضانات الدم والعنف بل عاندت وتملكتها غريزة البقاء حتى تركت ميراثاً ثميناً.

يؤكد الكاتب أن روايته ليست لخدمة أغراض الراغبين في تشويه التاريخ الإسلامي، فلم يوجد تاريخ أمة خلا من الدم والعنف، ولم ينفرد العرب والمسلمون وحدهم بالدم والصراع، فشعوب كالرومان والفرس واليونانيين لم يوزعوا باقات ورود على بعضهم، بل نالهم كغيرهم نصيب وافر من القتلة والسفاحين.

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وعشرة فصول يشرح فيها الكاتب وقائع ومعارك كلها من دم، أي يوضح آثار المعارك ويركز على الطرق الدامية للوصول للسلطة، ويفصل وقمع التمرد والثورات واقتتال الخلافات الإسلامية ببعضها، ويستهل الكاتب فصله الأول بذكر موقعة كربلاء الشهيرة بمقتلة آل البيت النبوي، ويستعرض وجود عدة آراء تقيّم خروج الحسين على يزيد واستجابته للكوفيين.

يرى أصحاب الموقف الأول أن الحسين كان محقاً في موقفه، فلم يكن لحفيد رسول المسلمين أن يسكت عن الظلم وتحويل الخلافة من شورى لملك وراثي، أما أصحاب الموقف الثاني يرونه مخطئاً بخروجه على دولة بأكملها بفئة قليلة من أنصاره، وأما الموقف الثالث كان للمؤرخ عبد الرحمن بن خلدون الذي أكّد أن المواجهة كانت مسألة وقت.

فقيام يزيد بن معاوية بأخذ البيعة من رجالات المدينة المنورة طوعاً أو كرهاً لم تعجب الحسين، ثم مثلت مراسلة الحسين لرؤوس الكوفيين تهديداً صريحاً لملك بني أمية، ولم يرَ ابن خلدون مأساة كربلاء على عظم خطورتها سوى استكمال لتنافس تصارعي نشب بين الأمويين والهاشميين يرجع لما قبل الإسلام.

وينتقل الباحث بالفصل الثاني لشرح موقعة دمويّة في مدينة الرسول، فبني أمية كرروا لعبتهم عبر استغلال الكراهية تجاه قريش خاصة وأهل المدينة ومكة عامة، فأطلقوا مسلم بن عقبة المرّي المعروف بكراهيّته لقريش، كسهمٍ موجّه لصدر عبد الله بن الزبير وثوار المدينة بهدف قمع ثورتهم.

على الرغم من أن ثورة الزبير أخذت بعداً دينياً، يرى المؤلف أن أسبابها لم تقتصر على ذلك، فثمة حالةٌ من التشرذم والنزاع حول الدولة بين الأمويين والخوارج وشيعة علي وأنصار ابن الزبير، بالإضافة إلى بعد سياسي اجتماعي تمثل في تراجع مكانة المدينة المنوّرة بانتقال عاصمة الخلافة إلى دمشق عند تولي معاوية، مما أضعف قوة المدينة المنورة السياسية وأثرها في صنع القرار.

ويستفيض الكاتب بالفصل الثالث بالحديث عن الأيام الأخيرة للخلافة الأموية، التي لفظت أنفاسها الأخيرة مع الثورة العباسية، ويرى سبب سقوط خلافة الأمويين قرارهم بتقسيم رعيتهم لطبقتين، عرب وموالي، فكان للعرب الامتيازات وللموالي القتال وتوسيع رقعة الدولة والدفاع عنها، فهرع الموالي إلى أي دعوة تلوّح بالمساواة مع العرب كدعوة بني العباس.

يرصد الكاتب بالفصل الرابع -الذي خصصه للحديث عن ثورة الزنج في الإحساء وامتداد مجازرها للبصرة- أول حركة إرهابية بالتاريخ الإسلامي (بتصوره)، فعلى الرغم من أن للحركة مناصرين "رومنسيين" ومدافعين عنها باعتبارها حركة تحرير للعبيد من الطبقية ونفوذ السادة والمتسلطين، إلا أن الثورة بحسب المؤلف لم تنشأ للقضاء على العبودية بل لتحويل العبد إلى سيد والسيد إلى عبد.

أما الفصل الخامس فيتحدث عن ثورة القرامطة (التي نشأت بالبحرين في فترة الضعف والتفكك العباسي)، فيعتقد الكاتب أن تميّز القرامطة بالعنف الشديد لم يكن بدعة في زمانهم، إلا أنه يؤكد أنهم كانوا من أشد المتطرفين، لمهاجمتهم مكّة قدس أقداس المسلمين وسفك دماء الحجاج بل وإهانتهم للكعبة عبر سرقتهم الحجر الأسود لمدة 22 عاماً.

وفي الفصل السادس يتناول الكاتب فترة الحاكم بأمر الله "مدّعي الألوهيّة وقاتل الرعيّة"، ويشير المؤلف لضرورة تحليل الحاكم بأمر الله كظاهرة نفسية قبل أن يكون ظاهرة تاريخية، ويشدّد الكاتب "دون مبالغة وبكل ثقة" أنه لم يأتِ عرش مصر بالحقبة الإسلامية حاكماً مجنوناً دمويّاً محباً لسفك الدماء كالحاكم بأمر الله.

بالفصل السابع ينتقل الكاتب للأندلس للحديث عن عبد الرحمن بن معاوية الأموي، الذي تفرق المؤرخون في أمره بين متهم له بأنه طاغية دموي اقترف أبشع الجرائم وقمع الاحتجاجات والثورات، ومدافع عنه بأنه يريد حماية الدولة من الحكم الديني (الثيوقراطي)، أما وليد فكري فأسماه "صاحب الحفرة" لقتله خصومه وتمثيله بجثثهم في حفرة اشتهر بها دون غيره بحي الربض بقرطبة.

ويعتبر الفصل الثامن الأكثر جدليّة بالكتاب، فموضوعه صلاح الدين الأيوبي، "والطريق الدامي الذي وصل به إلى السلطة"، فبقدر ما نال الأيوبي الكثير من التعظيم والتقدير ناله أيضاً الكثير من النقد والهجوم، فالمهاجمون قالوا إن صلاح الدين كان جلفاً دموياً قضى على حضارة الفاطميين وسفك الدماء وقطع نسل خصومه، أما مريدوه فقالوا إنه بطل حرر القدس من أيدي الصليبيين، وبكل الأحوال لا ينكر المؤلف ما ورد عن تدمير صلاح الدين للمكتبة الفاطمية التي حوت على 120 ألف كتاب.

يتناول الفصل التاسع تيمورلنك أو "الهول الآتي من الشرق" بحسب المؤلف، فمن وجهة نظر الكاتب لم تكن مشكلتة تيمورلنك مع المسلمين بصفتهم الدينية أو المذهبية بل مع كل ما هو ليس من جنسه وموالياً له، ويؤكد الكاتب قول المؤرخين بأن خطر تيمورلنك كان أقل من الخطر الصليبي لأن هذا الأخير مدعوم بخلفية فكرية عقائدية بينما كان تيمورلنك من قوم نهب وغزو دون قاعدة فكرية.

واختتم المؤلف كتابه بالفصل العاشر الذي شرح به مذبحة محمد علي بالمماليك، أو "حفل الدم في قلعة الجبل"، فعلى الرغم من وجود مؤيدين للمذبحة كالمؤرخ محمد فريد بك، الذي اعتبرها حلّاً حاسماً صارماً لمشكلة المماليك وفسادهم، هاجمها آخرون، كالمؤرخ عبد الرحمن الرافعي الذي اعتبرها وصمة عار في تاريخ محمد علي، مؤكداً أن مماليك ذاك العصر لم يكونوا بتلك الخطورة التي صوّرها محمد علي وجنده.

وختم الباحث روايته بتوكيده أن موضوع "القتل الجماعي والمذابح" بالتاريخ ليس مجرد سرد لأحداث مثيرة لمجرد التسلية، بل موضوع للعرض ومحاولة للتتبع التاريخي لتلك الحالات، بهدف محاولة قراءة ما وراءها، وقد أشار بقوله: "إن التاريخ غير مطالب بأن يجامل أحداً"، والشخص التاريخي إنما هو إنسان "له ما له وعليه ما عليه"، ودعا لقراءة التاريخ بغير تمجيد ولا شيطنة، ونصح القارئ ألّا يخضع الأحداث لأهوائه وشدّد أن التاريخ يُقرأ بحلوه ومرّه.

الكتاب بشكل عام يمتاز بوضوح كلماته وسهولة استيعاب المعاني وبأسلوب سرديّ شيّق لا يدع للقارئ مجالاً للمل، ويسلط الضوء على نقاط سوداء في التاريخ الإسلامي، لا بهدف تشويهه بل بهدف قراءة أحداثه بشكل موضوعيّ بعيد عن العواطف، بشكل يعمل به القارئ عقله في قراءة الروايات الأدبيّة التاريخيّة.

ليفانت - حمزة السليم

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!