الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مأساة السوري السنّي
غسان المفلح







كتب الصديق وائل السوّاح مقالاً بعنوان “مأساة السوري العلوي” في صحيفة العربي الجديد 29.07.2020. يحاول وائل في المقال إثارة النقاش حول المسألة الطائفية في سورية، التي منع النظام الأسدي مناقشتها، كجزء من منع السياسة والنقاش العام في سورية على مدار خمسة عقود. حاولت عبر صفحتي على الفيسبوك مشاركة النقاش حول هذه المادة، بملاحظة سريعة، “رغم موافقتي على أغلب ماجاء بمقال وائل.. لكن إذا السوري العلوي عنده مأساة، ماذا يقول السوري السني والسوري الدرزي والسوري الكردي إذاً؟”.


جاءت التعليقات كالعادة متباينة الآراء وهذا طبيعي، إزاء إشكاليّة مزمنة، مُنع السوري من تناولها علناً قبل الثورة، هي الإشكالية الطائفية التي أسّست لها الأسدية وأنتجتها، وعلى هذا المنوال أحاول الآن المشاركة في هذا النقاش.


بداية الإشكاليّة الطائفية في سورية، بغضّ النظر عن قراءتها تاريخياً، من خلال ردّها إلى تاريخ أسبق من الأسديّة، إلا أنّه من المؤكّد أنّ هذه الاشكالية تحوّلت إلى إشكاليّة تطال النسيج المجتمعي السوري، بعد مجيء الأسد للسلطة، على إثر انقلاب 1970، بتنا أمام إشكاليّة طائفيّة لا علاقة لها بما سبقها من تاريخ سورية، لا علاقة لها بالمعطى الموضوعي للمجتمع السوري، لكون هذا المجتمع يحتوي طوائف وإثنيات وأديان، تم جرّ هذه التكوينات الاجتماعية إلى الفخ الطائفي عبر سلطة الأسد، على مدار العقود الخمسة الماضية، بتنا أمام إشكالية مختلفة وجديدة لسببين: الأول، إنّ سورية الحالية هي تأسيس استعماري، وما سبق هذا التأسيس كانت سورية محتلة من قبل العثمانيين، في الحالتين لا يحاسب المجتمع السوري على ما تمّ اقترافه في كلا المرحلتين، العثمانية والأوروبية.


الإشكالية الطائفيّة الحاليّة، هي إشكاليّة السلطة المحددة والمعينة، إنّها السلطة الأسدية التي نزلت بالمظلّة على الشعب السوري عبر انقلاب. كل انقلاب ديكتاتوري عسكري بعد الحرب العالمية الثانية كان وليد عوامل خارجية، أكثر منه تعبيراً عن متطلبات المجتمع السوري، وليس أدلّ على ذلك بأنّه لم يسمح لسورية بتنمية تجربتها الديمقراطية الوليدة في الخمسينيات.


مأساة السوري السنّي في الحقبة الأسدية تتلخّص بثلاث:


الأولى: إنّ السنّة أكثرية، وهي مصدر الخوف الأسدي منذ اللحظة الأولى لانبثاقها، لكونها مصدر تهديد دائم لسلطة الأسد، بغضّ النظر عن تماسك هذه الأكثرية أو عدم تماسكها، هذه حال أيّ نظام أقليّ في تفكيره بأيّة أكثرية، بغض النظر عن تعبيراتها السياسية المختلفة، رغم أنّها منقسمة إثنياً، إلى عرب وكرد وتركمان، من جهة، ومن جهة أخرى منقسمة سياسياً وأسدياً أيضاً، حيث للأسدية ركائز تشاركية مع بعض فاعليها الاقتصاديين والدينيين، حيث مطالب “السنة العرب” في الحقبة الأسدية، تختلف عن مطالب “السنة الكرد”، هذا له بحث آخر، رغم الانشقاقات العمودية في الكتلتين، المؤسس منها على البعد الطبقي والسياسي، أيضاً.


الثانية: الطائفيّة الأسدية تعاملت معها كطائفة يجب شرذمتها دوماً، بالترغيب والترهيب، وصل حدّ الإبادة بعد الثورة، واقتلاعها من مدنها وقراها، 12 مليون بين لاجئ ونازح وضحية ومعتقل.


هنا يمكننا القول ببساطة، وفقاً لما قرأته في مقال الصديق وائل السوّاح، إنّ مأساة السوري السني ومأساة السوري عموماً، هي نتيجة لمأساة السوري العلوي، وليس العكس. من ذكرهم الصديق وائل في مقالته تلك، حصلوا في دمشق على امتياز مهم بدا رثّاً وفقيراً، مقارنة بأبناء جلدتهم من السوريين الريفيين القادمين لدمشق. فمنزل شبه مجاني في السومرية أو عش الورور أو مزة 86، بكهرباء ومياه مجانية، لا يستطيع الحصول عليه ابن درعا، أو ابن سلمية، أو الكردي ابن عامودا، أو ابن السويداء، أو ابن مرمريتا. هذا التمييز أسّسه رفعت الاسد لسرايا دفاعه، وقادة الأجهزة الأمنية لعناصرهم، برعاية حافظ الأسد، منذ منتصف السبعينيات. هذا الامتياز كان أساساً اقتصادياً لوقوف الطائفة مع الأسد، لا علاقة له بخوف الطائفة من الأكثرية أو من بقية السوريين، علماً أنّ معظم الريف السوري كان متشابهاً في عيشه وفقره، لم يكن الريف العلوي أكثر فقراً من الريف الحلبي أو من الريف الكردي أو الدرزي، خوف الأسد على كرسيه هو أساس الخوف عند الطائفة العلوية من الثورة، وليس العكس.


الثالثة: الإخوان المسلمين أتوا من مصر وشكلوا فرعاً، ثم لاحقاً بعد الثورة تمّ خرقها بالإسلام الجهادي، هذه التأسيسات العابرة للدول، و”الوطنية” الوليدة، كما أشرت، تأسّست ونشأت وفقاً لمعطيات خارجيّة بالدرجة الأولى، إضافة لبروز الدور التركي في محاولته التأسيس على تمثيل ما في الملف السوري عبر الإخوان المسلمين السوريين.


المعطيات الداخلية لمجتمعاتنا الهزيلة، الخارجة حديثاً من الاستعمار التقليدي، لتقع في نوع جديد من الاستعمار، فرضه تغير الخارطة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء بقيادة أمريكا والاتحاد السوفييتي.


خارطة المأساة السورية تتوزّع على جميع السوريين، لأنّ الأسدية هي سلطة على الجميع، ووزّعت فسادها على كل المستويات على الجميع، أيضاً، حسب تنضيدات الولاء كما تراها، وكما تحاول دوماً إعادة صياغتها. سيطرة الأسدية على الفاعل الديني والطائفي، وتفعيل حركته، وفقاً لأجندتها السلطوية واستمراريتها.


السني السوري استبيح حتى نقي عظامه، هنا جذر المأساة السورية، استبيحت رموزه وثقافته، كما استبيحت مدنه وقراه، وتم تعفيشها من قبل الأسدية، كما استبيح جسده قتلاً واعتقالاً وتدميراً.


السني السوري كان حاملاً للثورة لأنّه “أكثريّة” موضوعياً، وهذا طبيعي، فإذا كان الأسد استباحه مادياً وجسدياً، فإنّ بعض النخب كانت معنية على استباحته معنوياً ورمزياً. العسكر في سورية قضوا على المدينة السورية منذ تسلّلهم إلى الحكم مع أيام عبد الناصر، وصولاً إلى حافظ الأسد.


الإخوان المسلمون والإسلام الجهادي، كانوا خراباً للسني في سورية، عبر إدخال السني في تمثيله تمثيلاً دينياً، وتحويله إلى “مسلم” فقط، بمعزل عن انتماءاته الأخرى، علماً أنّه مسلم أكثر منهم، لكنه سوري ويعيش انتماءه لبلده، لأنّه بحياته المعتادة لم يكن سياسياً، لم يكن يخضع عيشه لمقتضى الدين السياسي أو المسيّس. ما رأيناه بعد الثورة هو نتاج مهرجان القتل الدولي بواجهة أسدية له.


هذا القتل الدولي جعل لكل سوري مأساته


لكل عربي ولكل كردي، لكل سني ولكل درزي أو مسيحي أو إسماعيلي أو آشوري أو علوي، لكل فرد سوري مأساته. بقي علينا أن نعرف من هو السوري أساساً، بعد خمسين عاماً من حكم الأسدية؟.

ملاحظة: ما نكتبه عن هذا الموضوع يبقى في حيّز الاجتهاد، القابل للنقاش والنقد والنقض أيضاً، لحساسية الموضوع، لانحيازاتنا المسبقة، لحجم الجريمة الأسدية التي تمّت بحق من كانوا يعيشون على هذه الجغرافية السورية.. إنّها “السورنة”.


ليفانت – غسان المفلح








 









كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!