-
ليبيا والتطوّرات المستقبلية عسكرياً وسياسياً
إنّ ليبيا وعدة دول عربية تمر بظروف أغلبها متشابهة في الأسباب والنتائج، واللاعبين الإقليميين والدوليين تقريباً يقومون بنفس الأدوار، ولكن بمصالح مختلفة، وتظلّ الشعوب هي الغائب الحاضر الذي يستطيع أن يقلب المعادلة لا بالاصطفاف والحرب، ولكن أن يشدّوا على جراحهم من أجل الجيل الجديد، الخاسر الأكبر في صحته النفسية وتعليمه ومستقبله ليحيا بدون جراح في وطن مستقل ومستقرّ.
المصالحة الوطنية هي مطلب أغلب الليبيين، وعبروا عن ذلك في مؤتمر نالوت للمصالحة واللحمة الوطنية، الذي كان عملاً ليبياً خالصاً، ولكن للأسف الدول المستفيدة لا تدعم هذا التوجّه، لأنّ المصالحة ستفرز وجه ليبيا الحقيقي الذي تهابه الدول التي استثمرت في الخراب واليباب ودعمت شخصيات متورّطة أو طامعة، واستخدمتهم كأدوات لصبّ البنزين على النار وإطالة الصراع في حرب أهلية لا يحسم فيها لأي من الأطراف، حيث يزجون بالشباب للقتال في النهار ويتقاسمون الميزانيات في الليل، في مسرحية أصبحت واضحة لأغلب الليبيين، خصوصاً بعد تكشّف كل الحقائق.
ففي عصر الحقيقة لا يغيب شيء، بعد أن فشل المصلحون في ليبيا بأن يكونوا وسطاء بين أهلهم، بدعم من الأمم المتحدة، في مؤتمر غدامس، الذي تم إجهاضه، ونتيجة هذا الإجهاض هو 8 آلاف قتيل ليبي و250 ألف نازح، وعدّة مليارات من قوت الليبيين، ودخول أطراف دولية جديدة ومرتزقة على الأرض، والخاسر الأكبر في هذه الحرب، هم الليبيون، فدمهم ومالهم وأرضهم استبيحت، ونتج عن هذه الحرب معادلة دولية جديدة في مؤتمر برلين، حيث تصالحت مصالح الدول الكبرى، وتلقائياً ستتبعها الدول الأخرى بالتبعية، وفرضت واقعاً جديداً على الأرض بعد أن عزّزت وجودها بعشرين ألف جندي أجنبي على الأرض، فخرج القرار من يد الليبيين، وأصبحوا مجرد ضيوف في بلادهم يتبادلون التهم والشتائم، و جلّ الشعب أصبح ينظر إلى سياسييه بعين الخيبة والفشل.
الدول الكبرى سهلت المجال للأمم المتحدة لتكون وسيطاً بين الفرقاء السياسيين، بدعم دولي سياسي، ودعم المرتزقة على الأرض، في مسارات سياسية واقتصادية وعسكرية، وغضوا النظر عن الحراك المجتمعي، الذي يمثّل حقيقة المواطن الليبي البسيط، ولكن في ظلّ حالة الإنهاك التي وصل لها الشعب، من نقص السيولة والكهرباء والأمن، أصبحوا مهيئين لقبول أي قرار يصدر، ومن أي جهةٍ، فليس على المضطر حرج، فأغلب الشعب يريدون نهاية القتال وتوحيد المؤسسات وإنشاء حكومة تكنوقراط تقدّم لهم الخدمات الأساسية، وتشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية وتنفذ خارطة الطريق التي تم اعتمادها في مؤتمر الحوار السياسي، وكانت حصيلة عدة اجتماعات قامت بها الأمم المتّحدة مع أغلب المكونات الليبية.
حتى لا نكون متشائمين، فالقادم سيكون أفضل لليبيا بعد الاستقرار النسبي الذي حدث، ووقف القتال والظروف العالميّة الجديدة من وباء كورونا، والمصالحة الخليجية والتغيير الذي حصل في الإدارة الامريكية، ناهيك عن الوعي الجمعي الجديد لدى الليبيين، ورفضهم لكل الشخصيات الجدلية التي كانت أساساً في كل ما يحصل الآن وفي السابق، وهناك رفض شعبي واهتمام متزايد بفئة الشباب والمرأة والتكنوقراط والمكونات الاجتماعيّة، فهم أصحاب المصلحة الحقيقة في الاستقرار، لأنهم ليسوا أعداء من الأساس، حتى وإن اختلفوا فقد حققوا مصالحهم بالحوار المجتمعي، بعيداً عن بيروقراطية السياسيين، وأفرجوا عن السجناء، واستقبلوا النازحين، في عمل إنساني، بعيداً عن الحسابات السياسية، فما بين الليبيين أكبر من كل التقرحات التي ظهرت، ولكن الإعلام خلق مكانات إعلاميّة لبعض الشخصيات، هي بعيدة عن الواقع ولا تمثّل الهوية الليبية، ولكنها تمثّل من يحاول أن يبرزهم للواجهة، ويبقى مستقبل ليبيا في يد شبابها الذي أثبت وعيه وصدقه ولم يتأثروا بخطاب الكراهية ولا بمكائد السياسيين، أبوا إلا أن يكونوا أبناء بارين لوطنهم، متمسكين بوحدته، وسيكونون السواعد التي ستبنيه.
هذه الظروف الصعبة بقدر ما هي مؤلمة، ولكن عادة الأزمات هي التي تفرز حلولها وقادتها، وكما قال الكثير من المؤرخين دائماً يأتي جديد من ليبيا، دعونا نترقب، فقد تكون المرحلة القادمة تحمل مفاجآت، فالعالم كلّه يعيش مخاضاً، وهذا المخاض حتماً سيضع مولوده، فهذا ليس تنجيماً ولكنّها دروس التاريخ، هكذا علمتنا، وفي النهاية دائماً الشعوب هي التي تفرض إرادتها، حتى وإن طالت المدة.
ليفانت - نداء صباغ
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!