الوضع المظلم
الخميس ١٩ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
لماذا في إيران وليس في قطر؟؟
أيوب نصر

إن أسوا خبر يمكن أن يستيقظ المرء على صداه في هذه الأيام السوداء من أيام الأمة العربية الإسلامية ووسط هذا البحر الهائل العالية أمواجه والمتراطمة مياهه، هو خبر وفاة أحد رجالها، والمؤثرين في عدد كبير من شبابه، فإن هذا الخبر أوقع في النفس ما أوقع من أحاسيس الألم والحزن، فرحم الله الفقيد وأجزل له المثوبة.

لم يكد خبر اغتيال الأستاذ إسماعيل هنية ينتشر في الآفاق، حتى حمل معه إلى أذهان الناس أسئلة كثيرة، منها: لماذا اغتالوه في إيران وليس في قطر؟؟ وهناك أجوبة كثيرة أجاب بها الناس على هذ السؤال، منها أنها محاولة لتوريط إيران في الحرب، ومنها محاولة لإحراجها، وهكذا، وأنا لدي جواب مختلف أحب أن أشاركه مع القارئ الكريم.


في سنة 1992  صدر كتاب "الشرق الأوسط الجديد" لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، وبعد أن تكلم فيه على ضرورة السلام، وأن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتم تمامه ويبلغ كماله، إلا بالسلام، وإن كان لا يمكن هزيمة إسرائيل في الحرب، ثم بعد كل هذا وذاك انتقل إلى الحديث عن تصوره للشرق الأوسط الجديد، الذي يحلم به وينشد تحقيقه، وذلك بإنشاء اتفاقيات بين الدول العربية وإسرائيل، وأن هذا الأمر ممكن، ضاربا الأمثال بما حدث بين فرنسا وألمانيا وبين أمريكا واليابان، وأن الموانع التي كانت تقف دون إنشاء إتفاقيات ومعاهدات وتجاوز أزمات الماضي، من الدماء الكثيرة وعوائق البعد الجغرافي، بين تلكم الدول لا توجد بين العالم العربي وإسرائيل، وإن وجد بعضها فهو بحدة أقل.

وعلى هذا كان تصوره للشرق الأوسط الجديد يحاكي الاتحاد الأوروبي ويقاربه، فتكون إسرائيل هي المركز والقائد للمنطقة، بل ذهب إلى حد التلميح بإنشاء اتفاقيات عسكرية بين دول المنطقة تكون بمثابة اتفاقية الدفاع المشترك، وذلك بقوله في الفصل الرابع: "إن السبيل الوحيد لضمان مستوى معقول من الأمن القومي في هذا العصر، عصر صواريخ الأرض-أرض والقدرات النووية، هو إقامة نظام إقليمي للرقابة والرصد"، ورميه الأمر من طرف خفي في الفصل العاشر: "البحر الأحمر له قيمة استراتيجية مركزية، لهذا يمكنه أن يصبح خليجا للسلام الحقيقي الشامل. ويمكننا اتخاذ إجراءات تعاونية من شأنها أن تبني الثقة، مثل إنشاء شبكات إنذار مبكر متبادلة حول التحركات العسكرية".

وهناك أمور كثيرة انطوت عليها دفتا هذا الكتاب، أمتنع عن  الخوض فيها وتقحم تفاصيلها حتى لا تتفرق بنا السبل وتتقطع بنا الأسباب ونضيع عن الغرض الذي لأجله أكتب هذا المقال وهو الجواب على السؤال أعلاه.

من كتاب بيريز وكلامه، تظهر أهمية السلام عند إسرائيل مع الدول العربية، وأنها تدرك أن لا أمان لها في وجود خلاف ونزاعات مع دول المنطقة، وأن السبيل الوحيد لضمان أمنها واستقرارها هو الذهاب إلى تكوين اتحاد إقليمي على نمط الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يفسر لنا تهافت إسرائيل على الدول العربية ورغبتها في بناء علاقات جيدة معها، وإنشاء اتفاقيات اقتصادية وعسكرية.

وهذه الأهمية التي تنظر بها إسرائيل للعلاقات الجيدة مع الدول العربية، فتراها بعدا من أبعادها استراتيجية، هي التي جعلت إسرائيل لا تقدم على اغتيال ‎اسماعيل هنية في قطر، فهي تسعى لإبقاء الود مع العرب وأن عملا من هذا النوع سيسبب حرجا للدول العربية ويجعلها تفقد الثقة في إسرائيل، وهذه ورقة بيد العرب لم يستغلوها حسن استغلالها للضغط على إسرائيل في حربها مع غزة، إلا أن يكون العرب اقتنعوا برؤية شمعون بيريز حول من سماهم: "الأصوليون".

وما يزيد هذا التحليل صلابة واستقامة، هو ما حدث في الماضي البعيد، حين حاول الموساد اغتيال خالد مشعل في الأردن، وذهب الملك حسين، رحمه الله، إلى التهديد بنسف اتفاقية السلام إذا لم تسلمه إسرائيل الترياق، فما كان من إسرائيل إلا أن استجابت وخضعت، خوفا من فقدان السلام مأمول الذي سينتهي بها إلى ضمان أمنها وتزعم المنطقة

ليفانت : أيوب نصر
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!