الوضع المظلم
الأربعاء ٢٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • لا شيء يدعو للفخر بتاريخ العلاقات البشرية في سوريا

لا شيء يدعو للفخر بتاريخ العلاقات البشرية في سوريا
لمى أتاسي

لماذا نحن محكومون بالحزن، بالنكبات، بالفقر، بالعداء، بالأمراض، بسوء التفاهم وسوء الإدارة؟ نعم هذا السؤال يجب طرحه على السوريين أنفسهم، حيث نحن نشكل -شئنا أم أبينا- مجموعة بشرية واحدة، قد يراها البعض غير منسجمة، وقد يرفض البعض الانتماء لها، ولكنهم في الواقع ينتمون لها.

أن يرفض السوري انتماءه هذا أمر مفهوم في ظل ما يعرفه السوري اليوم عن محيطه وتاريخ بلاده الحديث وحتى تاريخ حارته أو قريته أو مدينته.. لا شيء يدعو للفخر بتاريخ العلاقات البشرية في سوريا، لكون الجميع ينهش بالجميع بلا قيود أخلاقية. نحن لا نتحدث عن إنجازات الحضارات العابرة التي توالت على أرض سوريا. نحن لا نتحدث عن الإرث الثقافي الموجود في مطبخنا وغنائنا وموسيقانا، ولا حتى عن معالم أثرية لم تسلم من خلافاتنا وشجاراتنا وأزماتنا الاجتماعية. نحن لا نتحدث عن الأديان أيضاً، فهي موجودة في أماكن أخرى ولم تشكل عائقاً للهوية كما ننظر لها في سوريا. فلا علاقة لله والرسل أزمتنا.

في السنوات الأولى للثورة السورية -كما سميناها- كان لدى الكثيرين أمل كبير بتغيير واقع الانتماء المخجل لهذه الدولة السورية التي تمارس العنف على أبنائها دون رقيب، وتسمح لهم بممارسة العنف فيما بينهم دون رقيب أيضاً.. لكن هذا الوجه القذر لم يكن يعرفه العالم عن سوريا.

كانت سوريا بنظر الغريب جميلة ودمشق كانت حلم كل سائح. كانت في خيالهم من أجمل البلاد، وكانت الحكومة تعمل جاهدة على إكمال هذه اللوحة في الخيال البعيد الغربي، كانت السياحة غير محبذة لكي لا تفضح الحقيقة، وكانت غير مطورة عمداً رغم أنها من الممكن أن تكون عاملاً اقتصادياً هاماً وفيها دخل كبير للبلاد.

لكن الحكومة كانت كأب مجرم يغتصب أبناءه ليلًا ويضربهم ولا يسمح لهم بفضحه خوفاً. وقد يسمع الجيران في الأردن والسعودية وتركيا  ومصر بما يفعل، لكنهم يصمتون خوفاً من بطشه ورعونته.

سوريا لم تكن جميلة لا في باب الحارة ولا في رأس الجبل ولا في الساحل ولا لدى أي مكون.. كانت وما زالت قبيحة لأن هذا العنف مباح في كل مكان فيها ولا قيمة للإنسان.

الجميع خارج سوريا كان يكذب ويتحدّث عن جمال بلده الذي كان في الواقع مشوهاً بالعنف والفقر، لكن هذا الكذب كان مفيداً لبقاء الانتماء. اليوم انكسر الغطاء وانفضح العنف وانفضح سوء المنهجية العامة وانعدام الأخلاق والقيم الإنسانية البدائية، سواء كان من المجتمع أم من السلطة، ولكن رغم كل هذا لم يتغير شيء.

لم تنتصر الثورة، بل تحوّلت مكاتب الثوار لفروع أمنية خاصة، غير تابعة لنظام الأسد. وانتشر العنف بكافة أشكاله وطال السوريين في المخيمات وساد العلاقات بين السوريين في كل مكان. تم تصدير الكارثة الاجتماعية.

عندما نجرب فهم كيف تدير المعارضة شعبها الثائر قد نصاب بصدمة حقيقية. وهذا في كل مكان حتى في أوروبا. شيء مخزٍ ومخجل حجم الفساد واللا مسؤولية لدى أكبر المثقفين وأكبر دعاة الدين. السوري ضحية مجتمعه ولكنه بذات الوقت ملزم رغم كونه غير قادر على تغيير الواقع.

حقاً لا توجد قوة في العالم قادرة على إدارة أي عملية إصلاح أو تغيير للسوريين ما إن قرروا هذا بأنفسهم ومن داخلهم، حين أتحدّث عن داخلهم لا أقصد الداخل السوري والخارج، لا. أعني الإرادة الجادة الحقيقية الصلبة والعمل عليها بجدية. هذه الإرادة غير متوفرة. وقد تبقى غائبة للأبد تاركة سوريا ينهشها الجشع البشري اللامحدود.

علينا أن نراقب الدول التي حولنا وأن نتعلم من تجارب الشعوب التي نهضت وطورت ذاتها. اتفقنا سياسياً معها أم لا. المؤسف أننا حتى هذه اللحظة نملك مقومات الخروج من الأزمة ومقومات لتحدي الواقع ولكننا لا نستعملها. لربما رؤس الأهرامات السورية من رجال أعمال ومتحكمين في سوريا النظام وسوريا المعارضة لن تسمح بأي تغيير لأنهم يريدون ربح اليوم ولا يرون مصلحة بالاستثمار بالمستقبل.

من له مصلحة حقيقية في سوريا كوطن؟

السوري مطلوب منه إما أن يتاجر بالدين ويتجه نحو التعصب والجهل أو أن يتحول قنبلة بشرية موقوتة. ولذا هو ممنوع من العمل والتعليم في سوريا ودول الجوار، مسموح له فقط الإنجاب، أي الزواج والتكاثر. السوري ممنوع من التعليم والإنتاج والتفكير بالغد.

لكي نتحدّث عن الإصلاح نحتاج لمصلحين عمليين لا لسياسيين ولا لتجار ثقافة وفكر ممولين. نحتاج للجانب العملي لا للتنظير.

لنبدأ بورشات عمل في المخيمات دون إعلام وتصوير.. هل يقبل أحدكم أن يعمل بصمت دون أجر وللمدى الطويل؟

ليفانت - لمى أتاسي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!