الوضع المظلم
الأربعاء ١٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
كيف استفادت مصر من قرض صندوق النقد الدولي؟
كيف استفادت مصر من قرض صندوق النقد الدولي؟

علاء عبد الحسيب - كاتب مصري


منذ حصول مصر على الشريحة الأولى لقرض صندوق النقد الدولي في 2016.. وتساؤلات كثيرة طرأت وقتها علي الساحة بشأن مدى توافق السياسات الاقتصادية التي حددها الصندوق مع إمكانيات المجتمع، سواء علي المستوى الاقتصادي أو على مستوى الاجتماعي.. في الوقت نفسه لم يطرح الوضع الاقتصادي في مصر وتحديداً في فترة ما بعد الثورات بديلًا أمام القيادة المصرية سوى الاقتراض من الصندوق.. باعتبار أن هذا الإجراء مخرجاً ملحاً من نفق التدهور الذي لحق بالاقتصاد المصري وقتها، لتحقيق الإصلاح الاقتصادي في البلاد ودعم منظومة الاستثمار الآمن علي الأراضي المصرية.


برامج الإصلاح في أي دولة خاصة المرتبطة بالاقتراض الخارجي تتبعها دائمًا إجراءات تقشفية وإصلاحية.. قد تكون قاسية علي المواطن البسيط، لكنها في نفس الوقت علاجًا مراً لإتمام مشروع الإصلاح الاقتصادي بالشكل المطلوب، خاصة لكونه له مردوداً في الإنفاق علي برامج الحماية الاجتماعية والخدمية للطبقات الأكثر احتياجًا.. لعل أهم هذه الإجراءات خفض الدعم عن مشتقات المحروقات والطاقة والكهرباء، وتحرير سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية بالتزامن مع بدء تنفيذ برنامج الإصلاح..


رسائل طمأنينة عديدة فور موافقة إدارة الصندوق علي إقراض مصر 12 مليار جنيه يتم تسليمها علي ٦ شرائح، بدء من ٢٠١٦ حتى ٢٠١٩.. أهمها أن الإدارة حددت فترة السداد بجدول زمني لكل الشرائح مقترنة بفترة سماح تصل لنحو ١٠ سنوات، وهو ما يرسخ الأريحية في السداد، ويضمن تحقيق العائد من المشروعات التي تم تنفيذها بداية الاقتراض.. ثم اعتراف الإدارة بنموذجية برنامج مصر في الإصلاح الاقتصادي، وتميزه بالقدرة علي الوفاء بالسداد في الفترات المحددة.




كان من الطبيعي أن تلجأ مصر إلى الاقتراض من الصندوق في ظل الاضطرابات التي طرأت علي الوضع الاقتصادي خاصة بعد ثورات الربيع العربي.. والتي تسببت في تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر، وتراجع حجم الإنتاج بكافة القطاعات، بل وعزوف الكثير من المستثمرين وأصحاب المصانع عن الاستثمار بسبب الوضع غير المستقر خلال تلك الفترة.. وقد تسببت كل هذه الأمور في حدوث حالة من الاضطرابات الاجتماعية أيضا والتي ساهمت وبشكل كبير في زيادة تدني الخدمات المقدمة للجمهور.


ومن هنا كان طرح إستراتيجية مستقبلية لتصحيح الوضع الاقتصادي القائم والعبور بمصر إلى بر الأمان علي أولويات أجندة الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب توليه شؤون البلاد في 2014.. فقد وضع عدة إجراءات عاجلة وملحة لضبط بوصلة الطريق نحو التنمية.. بدأها بإنشاء أكبر شبكة مشروعات قومية لم تشهدها مصر من قبل، علي رأسها المشروع القومي لاستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، والمشروع القومي لزراعة 100 ألف فدان صوب زراعية، وإنشاء العاصمة الإدارية أكبر وأضخم مدينة خدمية اجتماعية اقتصادية في الشرق الأوسط، وإنشاء مشروعات المناطق الصناعية بـ 28 محافظة، وإنشاء مشروع أنفاق قناة السويس للربط الاقتصادي والتنموي بين الشرق والغرب.. إضافة إلى العديد من المشروعات التنموية الأخرى التي ساهم قرض الصندوق في دعمها واستكمالها.


المركز الديمقراطي العربي تحدث في دراسة له بعنوان «قرض مصر من صندوق النقد الدولى في 1991 و 2016 بين الإصلاح الاقتصادي والعلاج بالصدمة».. عن تجارب مصر مع صندوق النقد وكيفية الاستفادة من السلبيات السابقة.. حيث شرح في باب الأهداف، الفوائد الاقتصادية للقرض ودوره في مساعدة الدول على حل مشكلات ميزان المدفوعات وتحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستمرار.. وأشار إلى أهمية قرض الصندوق في تسهيل النمو المتوازن للتجارة العالمية، وتطوير الاستقرار بسوق الصرف النقدي الدولي.. وتشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي والتآزر فيما يتعلق بالمشكلات النقدية الدولية.. وتمكبن الدول المقترضة من الاستفادة من مواردها ..


الدراسة قالت أيضاً إن قرض الصندوق يساهم في التوزيع العادل للدخل القومي بما يساعد على تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وإخراج البلاد من طور الركود الاقتصادي إلى طور الانتعاش الاقتصادي، وتخفيف عبء المديونية الخارجية والحد من ضغط الديون على الاقتصاد الوطني، وزيادة الإنتاج وتوفير فرص جديدة وتشجيع القطاع الخاص وزيادة مشاركته في الاقتصاد الوطني، إضافة إلى السيطرة على التضخم وتحسين أداء القطاع المالي والنقدي والمصرفي، وتطوير وتوسيع الخدمات العامة التعليم والصحة .. وقد كانت مصر في فترة ما في أمس الحاجة لكل هذه المميزات لتصحيح الوضع الاقتصادي القائم ومن هنا لجأت إلى الاقتراض من الصندوق النقد.


والحقيقة مصر حققت أيضاً على جانب آخر العديد من الإصلاحات الخدمية في قطاعي الصحة والتعليم بالتزامن مع استفادتها من قرض الصندوق في المشروعات الاقتصادية.. فقد أطلقت القيادة السياسية مؤخرًا العديد من المبادرات والمشروعات المتعلقة بالمجال الطبي منها مبادرة ال ١٠٠ مليون صحة للكشف عن الأمراض السارية «السكر _ الضغط_ فيروس سي».. استهدفت قرابة الـ ٦٠ مليون مواطن حتى الآن في العديد من القرى والمناطق الأكثر احتياجاً.. كما أطلق الرئيس مبادرة القضاء علي قوائم انتظار إجراء العمليات الجراحية في المستشفيات، تشمل العلاج والجراحة للمرضى علي نفقة الدولة لغير القادرين.


الدولة المصرية أطلقت أيضاً مبادرة كبرى تحت عنوان «حياة كريمة» لدعم الأسر الأكثر فقراً بمشاركة العديد من منظمات المجتمع المدني لتحقيق الأمن الاجتماعي لدي المواطن المحتاج.. كما بدأت تبني تطبيق نظام جديد لتطوير التعليم في مصر وهو نظام «التابلت» قائم علي تبني التكنولوجيا الرقمية في المناهج والامتحانات، وتشييد أكبر خريطة مدارس تعليمية نموذجية جديدة علي مستوى المحافظات منذ عام ٢٠١٦ وحتى الآن لمواجهة ظاهرة تكدس الفصول.. وهو ما يدخل ضمن برامج الإصلاح الشامل الذي تتبناه مصر خلال الفترة الأخيرة.


وأخيراً إن كان صندوق النقد الدولي قد تسبب في انهيار اقتصاد دول عديدة كما حدث علي سبيل المثال في أيرلندا عام ٢٠٠٨ بعدما تسبب الصندوق في تصاعد الفقر وحدوث مضاربة في سوق المال .. إلا أنه نجح علي النقيض الآخر في أن يكون لاعباً دولياً في إدارة الأزمات وخروج دول أخرى من مأزق اقتصادي صعب كما حدث في أمريكا اللاتينية.. وهنا يتوقف الأمر وفقاً لظروف كل بلد، ومدى قابليتها لتحقيق طفرة اقتصادية مقترنة بشبكة مشروعات ضخمة.. وهو ما تشهده مصر خلال تلك الفترة من تطور اقتصادي ملموس وتحقيق مؤشرات تنموية في كافة القطاعات كانت في أمس الحاجة إلى هذا الإجراء .


كيف استفادت مصر من قرض صندوق النقد الدولي؟ كيف استفادت مصر من قرض صندوق النقد الدولي؟ كيف استفادت مصر من قرض صندوق النقد الدولي؟

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!