الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كم هو عدد الكرد الحقيقي في سوريا؟
كمال اللبواني

تفاجأت بالأمس بمحمد حبش وهو يتأمل ظهور الزهرة (يقصد الدولة) الكردية، فتذكرت عدداً كبيراً من مشايخ دمشق وهم من أصول كردية، ليس فقط كفتارو الذي تزوج محمد من ابنته، أو البوطي وشيخو، والأيوبي والجزماتي، والآلوسي، والملا، والمارديني.


من عائلات كثيرة جداً ذات أصول كردية سكنت دمشق وتعربت، وأخرى سكنت معظم المدن السورية، خاصة حماة وحلب واللاذقية، ناهيك عن شمال شرق سوريا، حيث أدّت هجرة الكرد الأتراك لظهور جيل جديد من الكرد الذي لا يعرف العربية، وهم من يقصد بالحديث عن الكرد (الكرد المتمسكون بلغتهم وثقافتهم وحلمهم في إقامة دولتهم المستقلة) وقسم منهم بقي من دون جنسية حتى فترة قريبة، أو حتى الآن.. وهم من يشكل جسد السلطة التي تحكم شرق الفرات (قسد)، فالحديث عن الكرد سياسياً (أي الكرد السياسي) الذي ينتمي سياسياً للقومية الكردية، يشمل جزءاً وليس كل الكرد، الذين لم يكونوا يشعرون بانتمائهم السياسي للقضية الكردية، واستعملوا اللغة العربية، دون أن يتخلوا عن أصولهم العرقية، أو تعاطفهم، وهم أكبر عدد من الكرد الجدد، وبتقدير أولي يمكن القول إنّ ربع سكان سوريا من أصول كردية، نصفهم على الأقل متمسك سياسياً بالقضية الكردية (اللغة، الحقوق، الدولة).


عدت إلى عائلات بلدتي الزبداني لأكتشف ذات النسبة، حيث وردت أو جلبت عدة أسر وعائلات كردية إليها، ونسيت هذه العائلات مع الزمن أصولها ولغتها، وهكذا تطرح هنا عدة مسائل، أهمها إنّ اندماج العرب والكرد أو اندماج مجموعات عرقية كثيرة ومتنوعة ضمن بوتقة الثقافة العربية كان سهلاً وميسراً، خاصة إذا كانوا يدينون بدين الإسلام، ولم يكن هناك تمييز عرقي أو قومي، فالكل كان متسامحاً تحت خيمة الدين، والكل كان ميالاً لتعلم لغة القرآن ويفتخر بذلك، خاصة وأنّها حوت الثقافة والحضارة التي سادت القرون الوسطى، ولم يبدأ هذا الاندماج بالتراجع إلا عندما قدم كرد من تركيا أتاتورك لشمال وشمال شرق سوريا، وسكنوا منعزلين في قرى وتجمعات ولم يسكنوا المدن، وتمت معاملتهم كلاجئين ثم كغرباء، حاول الفكر القومي البعثي مسح هويتهم ولغتهم وأسمائهم وأعيادهم بقسوة وغطرسة، طالباً منهم الذوبان كلياً كما ذاب غيرهم ومن سبقهم، من دون الحصول على فوائد وامتيازات ذلك الاندماج الذي حصل مع من سبقهم، أو بالأصح من كان يسكن هذه المنطقة منذ قرون.


المسألة الثانية هي القضية الكردية (الكرد السياسي) التي تحاول مدّ نفوذها وتمثيلها لتشمل كل من له جذور أو أصول كردية مستفيدة من الحرب الضروس التي تضرب سوريا، وهذا ما حصل عند عدد كبير من الكرد السابقين الذين كانوا قد نسوا أن أصلهم كردي، أو لم يوظفوا ولم يهتموا بذلك إلا عندما شعر معظم السوريين بفقدان الكرامة والحرية وصار عليهم التموضع في مساكن أصغر من الوطن، أو لنقل عصبيات قومية وطائفية... حيث أدّى فشل الوطن لإحياء الانتماءات ما تحت الوطنية، كما شجعها التدخل الأجنبي والدعم الغربي المستمر والثابت للكرد وتوظيفهم كحليف موجود على الأرض في مواجهته لحركات وقوى يشعر أنّها معادية (القومية العروبية المتعصبة أو التركية أو الفارسية)، والتي تعلن مراراً عداءها للغرب ورغبتها في طرده، بينما لم يتخلَّ الكرد عن مواقفهم وتحالفاتهم معه في مواجهة محيطهم.


باختصار القضية الكردية ورقة مفيدة جداً للغرب والدول الأخرى، وهذا ما يسعر العداء بين الكرد والبقية، ويشق المجتمعات في هذه الدول، حيث يصعب كثيراً اليوم القفز فوق ذلك النزاع أو حلّه، فهو مرشح للبقاء ولاستنزاف طاقات المنطقة إذا لم تخرج من مفهوم الدولة القومية لمفهوم الدول العقدية ذات البنية الاتحادية الشاملة لدول المنطقة، ولا نقصد دولة المحاصصة الفاشلة ضمن حدود سايكس بيكو.


إنّ حلّ القضية الكردية مرهون بترسخ الديموقراطية وحقوق الإنسان، والتعاون بين الدول، وفتح الحدود والقبول بالآخر. لذلك يمكن أيضاً اعتبار القضية الكردية رافعة من أجل هذا، إذا لم يتقوقع الكرد على الفكر العنصري المضاد للشوفينية المضادة.



كمال البواني



ليفانت - د. كمال اللبواني

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!