-
قلب معادلات معركة درعا
يحشد النظام بدعم روسي ومشاركة إيرانية الكثير من القوات استعداداً لخوض معركة فرض سيطرته التامة على درعا ومحيطها لاستكمال تقويض كل قوة معارضة له هناك حافظت على وجودها بعد اتفاق سوتشي الذي تعهدت فيه روسيا بحماية المقاتلين الذين يسلمون سلاحهم الثقيل ويسمحون للنظام بعودة الانتشار في المنطقة المحررة.
وهكذا تآكلت الضمانات الروسية والعربية للمقاتلين هناك وتبخرت وعودهم وترك أهل درعا والبلدات المجاورة لرحمة النظام الذي يهدد ويتوعد ويعمل جاهدا على افتعال إشكالات تنتهي بتهجير أكبر عدد ممكن من سكان المنطقة نحو إدلب تمهيداً لضمان سيطرته العسكرية الأمنية الكاملة التي أصبحت بقيادة إيرانية صرفة عملياً، فمنطقة الجنوب تدار كليا من هيئة قيادة حزب الله والحرس الثوري تتخذ من اتحاد الفلاحين في دمشق مقرا رئيساً لقيادته، وكل قطعات الجنوب تعمل بأمرة هذه الأركان الإيرانية وليس أركان الجيش السوري التي تحولت لمجرد غطاء تمويه للوجود الإيراني.
ايران تشعر بخطر الضغوط المطبقة عليها في لبنان وسوريا وتريد الاستعداد لتوجيه رسائل ساخنة في حال تزايدت الضغوط ولم تفلح بتحصيل ما تريده في التفاوض مع الأمريكي، الذي صار ميالاً للتشدد أكثر، بينما يسعى النظام السوري لتحسين علاقاته مع الغرب لتخفيف الضغط عن الروسي وعنه بتقديم بعض المعلومات السرية عن التحركات الإيرانية التي تستهدفها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بترحيب وصمت كامل من النظام ودفاعاته الجوية ومن الروسي تعبيراً عن حسن نيته، وهكذا يشعر الإيراني بثقل الضغوط وخيانة الحلفاء ويسعى لتثبيت موقعه في الجنوب السوري ليستعمله بدلاً عن جنوب لبنان، كمنصة لإرسال الرسائل الساخنة لإسرائيل وضمنا الاستعداد للتحرك على الملعب الأردني في حال تم استهدافه في العمق كرد في العمق يقلب الموازنين في المنطقة.
يقبل الإسرائيلي -المتردد في دخول حرب واسعة- ما يقدمه له النظام السوري، ويتغاضى عن سلوك النظام تجاه شعبه، وهكذا تجمعت مصالح الفرقاء لتحقيق مكاسب على حساب أهل درعا وثورتها، ولم يعد هناك أي طرف يعترض على حشود النظام وتهديده بالاقتحام والقتل والتهجير، وربما توافقت المصالح بين إيران وإسرائيل والنظام وروسيا في تفريغ أكبر قدر من السكان من الجنوب وبشكل خاص درعا ومحيطها نحو الشمال، فالإيراني يستشعر الخطر من الحاضنة الاجتماعية، والإسرائيلي ربما يفكر في إقامة كيان مستقل ذاتيا ذي طابع درزي في الجنوب في حال سارت الأمور نحو تكريس التقسيم والتقاسم في سوريا، دولة كردية ودولة علوية ودولة إيرانية في الوسط، ودولة إخوانية في الشمال، ودولة درزية في الجنوب تضم ثلاث محافظات، حتى لو اضطره ذلك للدخول عسكريا للمنطقة لكنس الوجود المعادي له، فهو يفضل أن لا تكون مأهولة.
لا يوجد من هو متحمس لإيجاد حل شامل للمسألة السورية ولا تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، بل الجميع يرغب ضمنا ببقاء لعبة التقاسم التي يدفع الشعب السوري ثمنها وحده ، وقد جاء الدور على مئات الآلاف من السكان في الجنوب وصار مصيرهم التهجير، ولكي نتجنب ذلك نرى أن قلب هذه المعادلة يتطلب مناورة سياسية يقوم بها سكان الجنوب عبر تحالفهم مع الإيراني الذي هو بأمس الحاجة لشريك وحاضنة اجتماعية في الجنوب، مستقلة عن النظام الذي يخونه.
هذه الطريقة الوحيدة التي تمكن الشعب هناك من البقاء في الأرض، فالقوة الرئيسية الأرضية هي القوة الإيرانية، وإذا توقفت إيران عن سياسة التهجير ووجدت حلا يناسبها ويبقي على المدنيين، فسوف يسقط في يد الروسي والنظام، ويدفع ببقية اللاعبين لاستشعار الخطر من تحول الشعب السوري لمحور الممانعة، خاصة مع تحالف الإخوان وإيران وتركيا معاً، وهذا ما سيدفعهم للبحث عن حل شامل للقضية السورية، فقط هذه الحركة من مقاتلي وثوار درعا يمكنها أن تحقق نتائج مفيدة للشعب السوري ولأهلنا في درعا، وغير ذلك هو انتحار وخروج من المعادلة.
ليفانت - د.كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!