-
فنون الفشل الأمريكي وفأر المخابرات CIA
قبل الميلاد أبدع المصريون القدامى في مجال الاستخبارات لجمع المعلومات حمايةً لأمن الدولة، حاملين أعمالاً عظيمة في الاستخبارات كون كتاباتهم (الهيروغليفية)، أصعب كود احتار العلماء في حلّه، مكتوبة على جدران المعابد التي تنطق بآلاف الرسائل حول الاستخبارات والمعلومات. ففي سنة 3400 ق.م استطاع أحد ضباط الاستخبارات المصرية القدامى، يُدعى (توت)، أن يُرسل مائتي جندي مُسلح ضمن أكياس القمح على ظهر مركب إلى مدينة يافا عند حصارها من قبل المصريين، ولما استقرّ المركب في الميناء خرج الجنود واستولوا على المدينة، ولم يكن من المُستطاع للجيش أن يدخلها لولا جهازه المخابراتي.
وتواصلت الاستخبارات في العالم مع التطور وطبيعة البشر، ليتجسس الناس على بعضهم بعضاً بكافة الطُرق والوسائل المتاحة لديهم للمراقبة، والملاحظة، والتنصّت، حتى وصل الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة، كتجسس الآلات على الآلات، في ثورة روبوتات جعلتها مُستهلِكات للاستخبارات، وصانعات قرار، هدفها الأول تعقب العلاقات باختلاف مجالاتها، على الرغم من أنّ لها رد فعل عكسي، ولذلك، يجب على مجتمع الاستخبارات، خاصة الأميركي، أن يتبنّى الذكاء الاصطناعي الروبوتي، ويستعدّ لمُستقبل يُهيمن عليه هذا الشيء، وإذا رفضت الولايات المتحدة ذلك التطور، فإنّها تخاطر بمنح روسيا والصين -أو أي خصم آخر- ميزة تكنولوجية لن تتمكن واشنطن من التغلب عليها لوقت طويل، وقد يُخاطر بفقدان ميزته التنافسية، كما حدث منذ تأسيسها عام 1947، في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان، وإنشاء (CIA) الذي يعمل بالتعاون مع جهاز (FBI) في (المزرعة) مدينة لانجلي (منبع الجواسيس)، مُعتمدة على الفيدرالية، في جمع وتقييم وتحليل وإيضاح وتفسير كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات عن أي أحد أو دولة ما أو مناطق العمليات العسكرية، والتي تكون لازمة لزوماً مباشراً للتخطيط، ومنها الخدمة السرية التي يقول عنها فارجوا: "إنّ الاستخبارات تعني بصورة ما القدرة على فهم وتقدير الآراء".
وبالتالي أصبحت البعثات الدبلوماسية إحدى تلك الوسائل الرئيسة في جمع المعلومات السياسية عن مصادرها العلنية، بدعم عملاء سريين لها، فكان هناك فشل استخباراتي في الأسابيع التي سبقت اندلاع حرب الشرق الأوسط في 6 أكتوبر 1973، لعدم قدرتها من الحصول على أي بيان رسمي من أي مكتب أو مسؤول مُلتزم، فكانت استنتاجاتهم الرئيسة المُتعلقة بقرب الأعمال العدائيّة التي توصلوا إليها، وكررها مسؤولوهم عن التحليل الاستخباراتي، خاطئة بشكل واضح وصارخ، وفشلت في ثورات الربيع العربي واستمرار الإخوان بحكم مصر، وفشلهم بتفرقة الخليج العربي عن جارتهم قطر، وأخفقوا أيضاً في تنبيه صانعي القرار الأمريكيين إلى أزمة النفط/ المالية بين أكتوبر 1973 ويناير 1974، وهنا الدرس الأهم ألا وهو التكتم العربي لموافقة المصالح وهو ما نحتاجه الآن.
لقد فشلت كغيرها عملية مرلين (Operation Merlin)، الاسم الرمزي لعملية وكالة المخابرات المركزية ضد البرنامج النووي الإيراني، لأنّها اعتمدت على كلام صحفي، فالمعلومات الزائفة التي ألحقت بالمخطط كانت واضحة جداً، اكتشفها مهندس روسي سلّمها للإيرانيين.. ناهيك عن كشف ترامب عن وثائق كينيدي، وكيف خططت واشنطن لغزو كوبا بعد فشل "خليج الخنازير". ففي الوثيقة رقم 178-10003-10318 من وثائق كينيدي، وعُنونت بـ"كاسترو"، والتي جاء فيها تعبير كينيدي عن غضبه الشديد وسخطه لفشل المخابرات في ذلك الانقلاب، ودفع كينيدي إلى التصريح خلال اجتماع بالكونجرس قائلاً: "سوف أشقّ المخابرات المركزية الأمريكية إلى ألف قطعة وأرمي بقاياها في الرياح"، وعلى الرغم من ذلك، فشلت الاستخبارات في حماية رئيسها، ففي 22 نوفمبر 1963. تم اغتيال كينيدي خلال زيارة قام بها مع ابنته لمدينة هيوستن الواقعة بولاية تكساس الأمريكية، وذلك من قبل شيوعي أمريكي، يدعي لي هارفي أوزولد، تلا ذلك إقرار السي آي إيه بارتكاب أخطاء في أفغانستان عام 2010، وكذبها في النووي العراقي، والسلسلة هنا كثيرة، لا يُخطىء فيها طفل صغير.
ولعلّ التعامل الأميركي مع السعودية مثل ما سبقها دائماً يعتمد على جمع المعلومات الاستخباراتية من أجل تحديد الدوافع الحقيقية والتفاعلات الداخلية داخل المملكة، كونها قبلة ملياري مُسلم، وبلداً ذا بيئة تشريعية وتنظيمية ليس كمثلها دولة. قال عنها الكاتب دوغلاس في تقرير نشرته مجلة "بوليتيكو" الأميركية: "إنّ ريدل الذي قضى 40 عاماً في متابعة الشأن السعودي، كان يراقب أسرار الاقتصاد والدبلوماسية السعودية إضافة إلى سياساتها الداخلية، وكانت لديه نقطتان متناقضتان -في رأيي- يريد إيضاحهما حول أهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط:
الأولى: إنّ السعودية شهدت مؤخراً تغييراً مثيراً للقلق، باعتبار أنّ سياساتها التي كانت في السابق غامضة بشكل عادي وقابلة للتوقّع، أصبحت منذ العام 2014 متقلبة وغير قابلة للتوقع بشكل يفوق ما كانت عليه خلال الأربعين سنة الماضية.
الثانية: إنّ البيت الأبيض -على ما يبدو- قرّر أن يمنح دعمه الكامل لقيادتها، حيث قال ريدل: "إنّ الرئيس ترامب أعطى السعودية صكّاً على بياض فيما يخصّ سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما يجعل سياسة واشنطن نحو الرياض -التي كانت حذرة- تصبح الآن مغامِرة ومتهورة إلى أبعد الحدود، لتعتمد مؤخراً على جمع المعلومات الاستخباراتية من الإعلام ومصادر زائفة.
ومنهُما يبدأ تقرير مخابرات "بايدن" بـ"نحن"، منها: "نحن نبني هذا التقييم على سيطرة ولي العهد على صنع القرار في المملكة، والمشاركة المباشرة لمستشار رئيسي وأعضاء من رجال الأمن الوقائي لمحمد بن سلمان في العملية، ودعم ولي العهد لاستخدام الإجراءات العنيفة لإسكات المعارضين في الخارج، بما في ذلك خاشقجي".. هكذا التقرير المخابراتي الذي بدا موضوعاً تعبيرياً يكتبه أصغر أطفالنا ويخلو من أدلة، ترى فقراته تبدأ بـ(لدينا ثقة كبيرة في أنّ الأفراد التالية أسماءهم شاركوا نظن/ نعتقد/ ربما...)، مدرجين 21 شخصاً على القائمة، في حين احتوى التقرير الثاني على 18 اسماً فقط، دون ذكر ثلاثة منهم.. ليتداركوا الأمر بحُجة أنّه تم تغيير التقرير.. ففي أي عقل يا سادة يتم تغيير تقرير مخابراتي في أروقة الإدارة الأمريكية، إلا إذا كان ذلك يعني أحد أمرين، إما الاختراق، أو الكذب والزيف، وكلاهما يُقرّان الفشل المخابراتي. ثم إنّ الفريق السعودي كان مكوناً من 15 شخصاً، وفق تقارير أمريكية وتركية عام 2018، مُناقضاً عددهم بالتقرير الأخير.
إنني يا سادة، ويُشاركني هنا العالم حتى الداخل الأمريكي، وحسب كل المسؤولين الأمريكيين الذين اطلعوا عليها ومن صُدم بأعتى أجهزته التي تحميه، أتحدّى "CIA" أن تأتينا بسُلطان مبين، كما قال سيدنا سُليمان -عليه السلام- عند غياب الهُدهد، وتُثبت به على ولي العهد ما زعموا، وكأنّه ينطبق على التقرير المثل العربي (تمخض الجبل فولد فأراً).
إنّ ارتباطنا كسعوديين وعرب ومسلمين، بل وأجانب، تمنّوا وجود أمثال ولي العهد لديهم حول قيادتنا وولي عهدنا برؤيته الحالمة التي أغاظت الأعداء ونجحت في قيادة دفة العالم بمجموعة العشرين، وفي أحلك الظروف، وتفوقها بالمؤشرات العالمية على دول كثيرة كانت تُعد من كياناتها الأقوى، بسحقها وباء كورونا.. حيث علّم الأمير -حفظه الله- العالم أنّه أكبر من أن يفهمه الآخرون.. وجعلها معادلة للسعوديين، ترنمها تريند الرفض العالمي #كلنا_محمد_بن_سلمان، وكأنّه يُمثلها قول المتنبي في عتاب سيف الدولة:
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ .. وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ.
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!