-
فكرُ الممر الاقتصادي الجريء.. هل يمتدُ ليُنقذ الجنوب بتشييد مُدنِ بول رومر؟
تغليبُ الذهنية الاقتصادية في تحديد الموقف من المُجريات العالَمية في العالَم العربي، يعكسُ رؤيةً جديدةً وجريئة لبعض دول هذا العالَم، تمثلت مؤخراً بإعلان الاتفاق على ممرٍ اقتصادي يربطُ الهند بأوروبا، من خلال دول الخليج العربي.
غيْرَ القفزِ على الحزام الصيني المُعلَن منذ سنواتٍ طويلة، وتنحية دول كان مُقرراً مشاركتها فيه، يأتي ذلك التغليب ليؤكد أنَ الاقتصاد هو المُحرك الأقوى لعجلة الدول للانخراط في الحركة العالمية، بعيداً عن التجاذبات التي تدور في فُلكها الكثيرُ من الدول يصعب تكهنُ نهاياتها ومآلاتها.
من هذه الذهنيةِ الاقتصادية نفسها، مُضافاً إليها قيماً إنسانية تُكوِن أساسَ وغايةَ أي تقدمٍ وازدهارٍ اقتصاديٍ كان أم سياسي أم اجتماعي، إذ يبقى الإنسان وتحقيق رفاهه وأمنه، هو الغاية من جميع تحركاتنا على هذا الكوكب، ومن خلال هذه الرؤية، يمكنُ تبني مشروع المُدن المُستَأجَرة لبول رومر، الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد 2013، لتكون حلاً لمشكلة اللاجئين أولاً، وأساساً لنهوض الدول المُدَمَرة ثانياً، في شرقنا الأوسط.
مُدن بول رومر المُستَأجَرة، والتي تنطلق من قيام دولتين من الدول المتقدمة (يكونان باسم الضامن) بإنشاء مدينةٍ داخلَ دولةٍ نامية، وتكون هذه المدينة خارجَ سيطرة الدولة المُضيفة، حيث يقوم الضامن بإدارتها وفق قوانين مُنعزلة خاصة بها، يُحددها الضامن. تعتمد طبعاً المدن المُستَأجَرة سياسات مؤيدة لرواد الأعمال، ربما بما يُشبه فكرة "free zoon" المنطقة الحرة.
فكرة المُدن المُستَأجرة الأصلية أساسُها المشاريع العقارية بامتياز، وتبدأ بجلب الشركات العقارية للمشروع في مراحله الأولى، لكن إذا تم استبدالُ فحوى الفكرة الأصلية، بمشاريع مُنتِجَة ومصانع، مع توفير البُنى التحتية لها، بحيث يكون اللاجئون هم القوة التشغيلية لهذه المشاريع، عندها نكون بهذه الخطوة قد حولنا اللاجئين إلى قوةٍ إنتاجية، بدلاً من معاملة المخيمات كمجتمعاتٍ جانبية، وعبءٍ تشتكي منه الدول المُتضررة وغير المتضررة.
هي خطوة تُجلي قيمنا الإنسانية، وتكون بذرةً لإعادة النهوض اقتصادياً لدولنا المُدَمَرة.
إن تطبيق هذه النظرية على أرضٍ مُناسبة تُسّخَر لأهالي المخيمات، ومن خلال تبني القوة البشرية الموجودة فيها كقوة عاملة، هو توحيد بين الاقتصاد والقيم الإنسانية، لتعميق فكرة كيف أنَ العقل البشري لا يمكن فقط له، إنتاجَ رحلاتِ الفضاء والتكنولوجيا، لكن أيضاً تسخير العلم ونظرياته لترسيخ القيم الإنسانية.
قال غورباتشوف مرة: "ينبغي أن نعود إلى القيم العالمية، ومهما كان الأمرُ صعبًا، ينبغي أن نصون استراتيجيات لا تهجر تلك القيم البالغةِ الأهمية، وينبغي أن نلتمس إدغامَ تلك القيم في أساليبَ عملية".
بعد ثورات الربيع العربي ومشكلة اللاجئين التي لم يُعامَل فيها اللاجئون سوى كورقةِ ضغط ووسيلةِ ابتزاز ومصدرٍ للاسترزاق من قبل الكثير من الدول، تضعنا هذه المشكلة أمامَ اختبارٍ لإنسانيتنا، حيث يتم التعامل مع مخيمات اللاجئين كمجتمعٍ جانبي موازٍ للمجتمع الأساسي، في أكثر الصور انتهاكٍ لإنسانيتنا.
إن تطبيق هذه الفكرة على المخيمات يُرسخ لمبدأ "تحويل العبء إلى قوةٍ تنموية وإنتاجية"، وهي فكرة حضارية واقتصادية في آنٍ معاً.
طبَّق بول رومر تجربته على هندوراس لكنه فشل بعد عام والسبب بحسب رومر، أنه تم إنشاء لجنة شفافية من نفس البلد لإدارة المدينة الجديدة بدلاً من إدارة الضامن لها، مما أدى لنفس سبب تأخر الدول وهو انعدام الشفافية.
في الحالة السورية، لا بدَّ وأن يكون الضامن عربي، وربما يكون الجنوب السوري في الوقت الراهن، جاهزاً وبيئةً زاخرة لاحتواء هكذا مشاريع، من حيث جاهزيتها لاستقبال أعدادٍ كبيرة من اللاجئين السوريين، ووفرة الأيدي العاملة الشابة، هذا بالإضافة لمحاذاتها للحدود الأردنية، وبذلك يتم تحويل المنطقة من منفذٍ لتصدير حبوب الكبتاغون، إلى أُسِّ انطلاقٍ للنهوض السوري، خاصةً مع الخطر الذي يهددها حالياً، بالمُضي في تطبيق نفس السيناريو الذي طُبقَ على المدن السورية قبلها، إن كان بحق المدنيين أم بحق كل ما في المدينة من شجرٍ وحجر.
الجنوب السوري يقبع اليوم تحت خيارَين يُمَثلان تماماً خيارَي الحياة والموت، فإمَا أن تُطَبَق فيه مدن رومر، بعيداً عن مصطلحات المنطقة العازلة أو الآمنة التي لا تشيرُ إلا إلى اللاجئين والمساعدات والإغاثة، والعمل من مبدأ البدء ببناء المستقبل السوري من هذه المدن واعتماداً على أرض وقوة بشرية موجودة بالأصل، أو يُترَك لخيار الموت الذي طال غالب المدن السورية.
أخطأ الاقتصادي المصري نجيب سويرس بطرحه فكرة شراء الجزيرة للاجئين السوريين، إذ من المهم دعمُ هذه النظرية داخل أراضي الدول المُستهدَفة وليس خارجها، لنقول للعالم إن ذهنيةً تستطيعُ القفزَ على الواقع وتجاوز الأفكار المطروحة، هي ذهنيةٌ قادرة على تحويل العبء إلى قوة مُنتِجة، والواقع المظلم إلى واقعٍ يعجُ بالحياة.
تعريبُ مدنِ بول رومر وكسوتها بقيمنا الإنسانية، إذا نُفِذت ستكون بدايةُ الخروج من النفق السوري الكالح في الظلمة.
ليفانت - هدى سليم المحيثاوي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!