الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عن النووي الإيراني.. اتفاق على عدم الاتفاق
الدكتور حسام فاروق \ ليفانت نيوز

عام كامل من المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى (5+1) التي وقعت معها اتفاقاً في 2015، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشكل أحادي، في مايو/ أيار 2018، والنتيجة النهائية صفر كبير. المحادثات التي أجريت في فيينا أصبحت في مهب الريح بعد توقف دام لأكثر من ستة أسابيع. 

في الأسابيع الأولى من المفاوضات كان الحديث يتجه نحو إمكانية الوصول إلى اتفاق جديد بضمانات جديدة، وأخذ هذا الهدف يتضاءل تدريجياً حتى وصلنا لحديث مفاده أن الاتفاق القديم على وشك العودة للحياة، في أوائل مارس/ آذار، وبعد أسابيع خيمت الشكوك أيضاً حول هذا الهدف على ضآلته وعدم جدواه في رأيي، فالاتفاق القديم فُرّغ من مضمونه وانتهت صلاحيته تقريباً، وأعتقد  بأن الأوان قد فات لإنقاذه، والآن وصلنا لمنطقة الحديث الذي لا يجرؤ أصحابه على التصريح به وهو فشل المفاوضات، لا قديم ولا جديد، وإن كان ثمة اتفاق على شيء فهو اتفاق على عدم الاتفاق، بيد أن  الطرفين لا يريدان الاعتراف بالفشل، فطهران من جانبها تضرب المنطق وتقول إن مفاوضات فيينا لم تفشل وإنها عازمة ألا يكون هناك تراجع خلال المفاوضات حتى ضمان كامل الحقوق الاقتصادية والنووية لشعبها، وفي الولايات المتحدة يواجه طلب طهران برفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية كشرط لإتمام الاتفاق، معارضة العديد من المشرعين، حيث يسيطر الحرس الثوري الإيراني على قوات النخبة المسلحة والمخابرات التي تتهمها واشنطن بشن حملة إرهابية عالمية، ويجد الرئيس الأمريكي جو بايدن صعوبة في التغلب على المعارضة المحلية لرفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

لا يبدو في الأفق أن إيران سوف تتخلى عن مطلبها برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، فقال مسؤول أمني إيراني: "هذا هو خطنا الأحمر ولن نتخلى عن ذلك"، ورفضت طهران العديد من المقترحات الأمريكية بشأن هذه المطلب، وتضرب إيران المنطق للمرة الثانية عندما تشير إلى أنها تستطيع إحياء الاتفاق متى شاءت والأمر متوقف على تلبية مطلبها، وهذا معناه أن مفاوضات فيينا وصلت طريقاً مسدوداً.

تعتقد واشنطن أن إيران تفصلها أسابيع فقط عن الحصول على المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي، إذ تسارعت إيران في أعقاب انسحاب ترامب من الاتفاق بتوسيع برنامجها النووي، تجلس على طاولة المفاوضات في فيينا لتكسب الوقت وتصعّد من تخصيب اليورانيوم، وتكدّس كميات كبيرة منه، وفي ظل تركيز العالم على الحرب الروسية في أوكرانيا، وما نتج عنها من ارتفاع أسعار النفط، سعت إيران لجني المزيد من صادراتها النفطية غير المشروعة التي تتجنب العقوبات الأمريكية، ومن ثمة فإيران تحسب المسألة بأنه لا يتعين عليها تقديم تنازلات في حين أنها تحصل بالفعل على تلك المنفعة النفطية، في حين حصلت واشنطن على دعم ضمني من موسكو وبكين في السنوات التي سبقت اتفاق 2015 على كبح الصادرات الإيرانية بواسطة العقوبات الأمريكية، لا يوجد مثل هذا الإجماع الآن بين القوى الكبرى، فالصين هي المشتري الرئيس للنفط الإيراني غير المشروع وتراجعها سيكون صعباً عندما تكون إمدادات النفط شحيحة، لا سيما أن بكين تحصل على أسعار مخفضة من طهران، ولذلك تعارض بكين من جانبها العقوبات الأمريكية التي تتجاوز الحدود الإقليمية وتراها أحادية الجانب.

بعد هذا الفشل يلوح في الأفق سؤال رئيس تتبعه تساؤلات فرعية، والسؤال ماذا فعل البيت الأبيض طوال عام وأكثر في هذا الملف؟ وإلى أي أهداف سعت أمريكا بمفاوضاتها غير المباشرة في فيينا؟ فلو ناقشنا مثلاً مقترح العودة لاتفاق 2015، لماذا لم يسرع بايدن في هذه العودة؟ فلو فعلها في حينها لتجنب التعنت الإيراني في طلب رفع الحرس الثوري وميليشياته من قوائم الإرهاب، وكنا الآن نتحدث عن عام أو أكثر تفصل إيران عن امتلاك سلاح النووي وليس أسابيع قليلة كما يتردد حالياً. لو فعلها بايدن قبل عام لتجنبت دول الجوار الاعتداءات التي نفذتها أذرع طهران عليها وعلى الملاحة الدولية خلال عام 2021.

هل ينحصر خطر إيران على المنطقة والعالم فقط في امتلاكها سلاحاً نووياً؟ هل لجأت إيران على مدار الأعوام الماضية إلى الترهيب بالقوة النووية لتُحدث كل هذه الفوضى في المنطقة؟ الإجابة لا.. إيران فقط استخدمت أذرعها ووكلاءها في عدوانها المتكرر على جيرانها وخصومها، والآن تطلب رفع هذه الأذرع من قائمة الإرهاب لإحياء اتفاق نووي مات و"شبع موتاً" ولا جدال في أن واشنطن فكرت وتفكر في الأمر حتى اللحظة.  

أليست إيران غير النووية هي التي صنعت ميليشيات إرهابية تهدد أمن المنطقة وهي أيضاً التي تمد أياديها بالخراب السياسي في بعض العواصم العربية منذ أعوام؟ ألم ترَ أمريكا الهجمات المتكررة للميليشيات الموالية لإيران على الدول الخليجية وعلى القواعد في سوريا والعراق؟

أليست إيران غير النووية هي التي استطاعت على مدى العقدين الماضيين التسيِّد على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفق ما تطلق عليه "محور المقاومة"، ولم يكن لدى الولايات المتحدة القدرة أو الإرادة لتحديد نفوذ طهران في هذه البلدان؟ ألم تنجح إيران في تنشئة ميليشيات إقليمية، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، واستغلت الفراغ الذي تركته أمريكا في العراق عام 2003 وما عرف بالربيع العربي في2011؟ 

من المنصف الآن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتعاطى باستراتيجية غير فاعلة مع هذا الملف برمته، سواء "إيران غير النووية"، حيث فشلت واشنطن في ردع الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، أو "إيران النووية" مستقبلاً وفزاعة الرعب الذي تبني عليه واشنطن تصوراتها لاتخاذ قرارات لا تتوافق مع الأمن القومي لحلفائها في المنطقة، فالمخاوف التي تثيرها واشنطن اليوم إزاء القنبلة النووية الإيرانية المحتملة خلال أسابيع، لا تبدو كافية لقبول الدول العربية وإسرائيل برفع "حزب الله" و"الحوثيين" وغيرهم من وكلاء إيران في المنطقة من قوائم الإرهاب، فهذه الميليشيات في تصوري أخطر من القنبلة النووية، وتشكل تهديدات قائمة وحقيقية للجميع.

في الأخير، أرى أن الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي عليها تغيير استراتيجيتها للتعامل في هذا الملف، بل وفي المنطقة بأكملها، لا سيما في ظل وجود تحالفات استراتيجية لواشنطن مع خصوم إيران، وهذا يرتب عليها التزاماً صريحاً بحماية أمن حلفائها وأتصور أن عليها نسيان فكرة الاتفاق حول النووي ولو مؤقتاً، وتبحث عن آلية جديدة لكبح جماح التمدد الإيراني في المنطقة ووضع حد للأنشطة التي تمارسها الأذرع والميليشيات المدعومة من إيران، حتى لو تطلب ذلك الإقرار بفشل الإجراءات التي اتخذتها ضد إيران في الفترة الماضية، وإعادة النظر في خياراتها للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ليفانت - حسام فاروق
 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!