الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عقولنا وحروبنا النفسيّة
د.ميثاق بيات ألضيفي


“ميزة العقل ليست في حيويّته.. إنّما بدقته” النفسيّة


الآن نحن بحاجة إلى الحديث، وفي ظل الوباء، ليس عن كيفية الخروج من الحجر الصحي، ولكن كيف نعيش الحجر بأكبر فائدة، وكيف نصمد وننتصر بالحروب النفسية، وما هي أصلاً الحروب النفسية بالمعنى الواسع، فهي الاستخدام الهادف والمنهجي من قبل المعارضين للوسائل النفسية، للتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الآراء والمزاجية والمشاعر لسلوك المستهدفين، لأجل إجبارهم على التصرّف في الاتجاهات التي يأملوها.


وتستخدم كمصطلح في كثير من الأحيان بمعنى أضيق، وعبر مجموعة من الأعمال الأيديولوجية، وحتّى كدعاية تخريبية، وكمزيج من التقنيات، لتقويض أيّ شكل من أشكال أو أطر الوحدة الشعبية. وهي كعملية سياسية ونفسية تطبيقية، تهدف إلى تقويض القاعدة الاجتماعية الجماعية، وتدمير الثقة في صحة وجدوى الأفكار، وإضعاف الاستقرار النفسي، وتحطيم المعنويات، والنشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكل أنواع النشاط الأخرى للشعوب والدول المتأثرة بالنزاعات، لأنّ الهدف النهائي للحرب النفسية، هو تحويل الوعي الجماعي والمشاعر الجماعية من الرضا أو القبول أو التأقلم والتحمّل، إلى الاستعداد لدعم المعارضين والرفض والاستياء والتخريب، وترجمتها عبر مواقفهم السياسية والاجتماعية، وكذلك إعداد وتفعيل ودعم أعمال شعبية للإطاحة بالأنظمة والحكومات والمؤسسات والأصول السياسية، بواسطة الترغيب والاهتمام بالنماذج الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية، ذات الطبيعة البديلة والمناقضة. النفسيّة


ويتمحور المعنى الحقيقي للحروب النفسية، بنقل الصراع الأيديولوجي والسياسي من مجال الوعي النظري، إلى مجال تطبيق الوعي اليومي، وهي لا تتناول الحجج العلمية والمنطقية، ولا العقل ولا حتى الحقائق، إنّما الظواهر اللاعقلانية، كمشاعر وغرائز الفخر الاجتماعي والوطني والمصلحة الأنانية والطموحات السيادية والوطنية والاجتماعية، في الحفاظ على الذات، وإنّ مهمة نقل الكفاح من مجال إلى آخر، هي نقله مستوياته لعلم النفس اليومي بطريقة تخترق جميع مشاكل حياة الناس، عبر إغراق الوعي الشعبي بعدد كبير من الصور النمطية الزائفة، حول الإدراك والتفكير والأفكار المنحرفة عن السائدة، في وجهات نظرهم السياسية والأحداث واتجاهات تطورها. وتتجلّى الحروب النفسية بكونها عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في أي حرب أو نزاع مسلح، بشكل ما يسمى الدعاية الخاصة المصممة للقوّات والسكان المسالمين لمواجهة عدو حقيقي. النفسيّة


كما أنّها وسيلة من وسائل علم النفس السياسي العسكري، وفي زمن السلم، وعبر سياق مواجهة السلطة، مع خصم محتمل، تعمل الحروب النفسية، كأحد العناصر الرئيسة في المواجهة السياسية، فتفتعل وتنهج اختراقاً غير ملحوظ في الوعي، عبر الوعد بأسلوب حياة جميل وهادئ، ونشر قيم ومعايير سياسية مرغوبة، عبر الموسيقى والبرامج التلفزيونية الترفيهية والأفلام والموضة، مع عناصر الرمزية السياسية والأدوات المنزلية والترفيه والسياحة وغيرها، كما وأنّ ذلك يشمل أيضاً النشر الواسع للشائعات والقيل والقال، كبديل للدعاية الرسمية لخصم سياسي، وكل هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ هناك عنصراً آخر، وهو بناء وإدخال النكات السياسية في الوعي الجماعي، وتكوين الأمثال الشعبية، وتوحيد معظم تقنيات الاختراق غير المرئي في الوعي، بفكرة الدعاية الاجتماعية، عبر تركز مفاهيم الدعاية الاجتماعية على العدوى اللاواعية التدريجية، لكل من الخصوم والحلفاء المحتملين، مع العناصر الأكثر جاذبية لطريقة الحياة المفضلة، ولكونها شكلياً تخلو من العلامات الأيديولوجية والأهداف السياسية، فإنّ هذه الحرب فعالة من الناحية الإستراتيجية، ومثيرة لاهتمام احتياجات ومصالح الناس، لذا يمكن لها أن تعمل على عوامل طويلة الأجل لتحدد السلوك، مستندة إلى التخطيط التفصيلي والتأثير التفاضلي، وعلى مختلف القوى الاجتماعية_السياسية، ليتم تنفيذ بنود الحرب النفسية بشكل تدريجي، وعبر مراحل التأثير المتتالية.


إنّ الحرب النفسية تمثّل انتهاكاً خاطئاً ومشوّهاً لقوانين المنطق، وذلك لتفتعل التأثير على قطاعات المجتمع، ضعيفة التثقيف، غير القادرة على فهم الانحرافات العقلانية، وعرضه للتشكيك بالإيمان في امتلاك عناوين إيمانية بحتة، وكما لا تعدّ على أساس أنّها جانباً مستقلاً من العالم السياسي، إنما هي إحدى مكونات نظام العلاقات السياسية، لذا يمكن استخدام جميع عناصره وطرقه وأساليبه التي لها تأثير نفسي قوي، وكجزء من ذلك النظام، فإنّ الحرب النفسية السياسية الهادفة لإضعاف المعارضين السياسيين، محلياً ودولياً، وتقويض سلطة قادتهم، وتشويه سمعة أعمالهم، وذلك عبر كلّ من السياستين، الخارجية والداخلية، عبر استخدام الحروب الدعائية الفعالة، من الناحية النفسية، ضد العدو، بالتزامن مع وسائل أخرى للتأثير ومواجهة الخصوم، على الرغم من أنّها يمكن أن تكتسب في بعض الحالات طابعاً أكثر تشابكاً وتعقيداً، فالحقائق مملة، لكنها تسمح لنا بتقييم المخاطر وقياس الجهود وتقييم العواقب.


ونختم كلامنا، بأنّ العلاقات السببية والحروب النفسية، تتخلل واقعنا صعوداً وهبوطاً، فإذا كنت لا تؤمن بالعقل فلا تعتمد على القلب، وإذا لم تشفَ من الوباء فلا تلعن الحروب.النفسيّة


ليفانت – الدكتور ميثاق بيات ألضيفي







 



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!