الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
عضوية الناتو.. انضمام أم انفصام
باسل كويفي

من قديم الزمن وفكرة الخلود تراود الحكام والأدباء والمفكرين والفلاسفة والعلماء، إنه ليس بالطبع خلود الجسد، فكل جسد يفنى، ولكن خلود ما تركوه من أعمال وتراث يغني الحضارات والثقافات.

من زاوية أخرى، أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منتصف الشهر الحالي، أن السويد وفنلندا تستوفيان «كل المعايير» للانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي»، وأعلن أنه سيدعو الكونغرس إلى الموافقة «في أسرع وقت ممكن» على ترشحهما، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال بايدن، إلى جانب رئيسة وزراء السويد، ماغدالينا آندرسون، والرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، اللذين يزوران البيت الأبيض غداة تقديم الترشح الرسمي لانضمام بلديهما: «اليوم أنا فخور بأن أؤكد لهما الدعم التام والكامل من قبل الولايات المتحدة الأميركية». وكرر أن الولايات المتحدة ستعمل مع البلدين الواقعين في شمال أوروبا لمواجهة أي عدوان قد يتعرضان له خلال المرحلة الفاصلة بين الترشح والانضمام.

من جانبه، أكد الرئيس الفنلندي، أنه «مستعد للبحث» مع تركيا في كل المسائل التي تثير قلقها، وذلك لاحتواء معارضة أنقرة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي. وقال: «بوصفنا حلفاء داخل حلف شمال الأطلسي، سندافع عن أمن تركيا»، مضيفاً: «ندين الإرهاب بكل أشكاله»، علماً أن السلطات التركية تأخذ على البلدين رعاية «إرهابيين» من حزب العمال الكردستاني.

بدورها، أعلنت رئيسة وزراء السويد، ماغدالينا أندرسون، أن ثمة حواراً قائماً مع تركيا بهدف حلّ هذه المسائل.

وتبدي واشنطن تفاؤلاً بقدرتها على تجاوز المعارضة التركية، وأضاف الرئيس الأميركي «حين ينضم أعضاء جدد إلى حلف شمال الأطلسي، فإن ذلك ليس تهديداً لأي بلد، هدف الحلف هو الدفاع عن نفسه في مواجهة الاعتداءات».

في نفس الصدد، انعكاساً للحرب في أوكرانيا، رفعت ألمانيا في خطوة غير مسبوقة، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ميزانيتها العسكرية إلى 150 مليار يورو، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية، في إشارة واضحة إلى الانفصام من الحياد الإيجابي عسكرياً إلى الاستفزاز عبر تعزيز قدرات الانضمام للناتو.

خلال مؤتمر صحفي له في اليابان هذا الأسبوع، أدلى الرئيس جو بايدن بتصريحات لم تكن مفاجئة للعالم كله فقط، بل كانت مفاجئة لمستشاريه، خاصة وأن هذه التصريحات حملت تهديداً مباشراً للصين باستخدام القوة العسكرية ضدها إذا أقدمت على غزو تايوان، محذراً من أن الصين “تلعب بالنار”، وفقاً لموقع “الحرة“.

من زاوية أخرى، أكّد وزيرا خارجية الصين واليونان خلال محادثات هاتفية قبل أسبوع بشأن العلاقات الثنائية وقضية أوكرانيا، موضحاً أن الصين تتفهم تماماً شواغل الدول الأوروبية، ومنها اليونان، وأن الصين تتطلع إلى وقف إطلاق النار في وقت مبكر واستعادة السلام. وأضاف وانغ، أن "أمن أوروبا مسألة يجب على الأوروبيين معالجتها بأنفسهم، وأن الصين ستواصل تعزيز محادثات السلام ودعم الجهود التي تفضي إلى تسوية سياسية".

في المقابل، حشد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حلفاءه في الفضاء السوفياتي السابق، لمواجهة ما وصفها بعضهم بأنها «حرب هجينة وشاملة» يشنها الغرب ضد روسيا، وذلك تزامناً مع قرار فنلندا والسويد عزمهما على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وإعراب واشنطن عن «ثقتها» في تحقيق التوسع الأطلسي الجديد بالإجماع .

وبرزت خلال قمة جمعت قادة بلدان منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» في موسكو، دعوات لتشكيل «تحالف يواجه حلف الأطلسي»، فيما يمكن أن يشكل نسخة محدثة لـ«حلف وارسو» الذي حُلّ قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.

وشدّد بوتين خلال اللقاء على أنّ منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» باتت تلعب دوراً مهماً للغاية، ودورها يزداد في هذه المرحلة، فيما أكد نظيره البيلاروسي لوكاشينكو أهمية «حشد جهود بلدان المنظمة»، قائلاً إنه «لا ينبغي أن تواجه روسيا وحدها مساعي توسيع حلف شمال الأطلسي». وتابع أنه دون حشد سريع لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في جبهة موحدة سوف تتضرر كل بلدانها.

من جانب آخر، قال الرئيس بوتين إن العقوبات المفروضة على روسيا تثير أزمة اقتصادية عالمية في العديد من المجالات، وأشار إلى أن واضعي العقوبات مسترشدون بطموحات سياسية قصيرة النظر، وبالرهاب من روسيا، وقد أضروا إلى حد كبير بمصالحهم الوطنية واقتصاداتهم ورفاهية مواطنيهم، وهو ما يتمثل في الارتفاع الحاد في معدلات التضخم في أوروبا. ولفت بوتين أن أسعار السلع الأساسية في أنحاء منطقة اليورو ارتفعت بأكثر من 11 في المائة. وأكد على أن مواصلة سياسة "هوس العقوبات" تجاه روسيا سيؤدي حتماً إلى عواقب صعبة ومعقدة، وأن روسيا تتعامل بثبات مع التحديات الخارجية.

في الواقع، العديد من البلدان تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة، وبالتالي يمكننا تفسير المساعدات الضخمة تجاه أوكرانيا، ولا مبالاتها بأطراف عديدة في العالم تحتاج حقاً إلى المساعدة (تسييس المساعدات)، وقد يكون لإثارة الفوضى في العالم هدف استراتيجي (الغموض الاستراتيجي) للتربع على عرش القوة الوحيدة في العالم، مما يخلق المزيد من الكوارث عبر المعلومات المضللة والإعلام المستهدف في العديد من المشاهد. ويحدّ من تعزيز فرص الاستقرار والسلام، بعيداً عن أجندة «الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي، والإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان والحريات العامة».

وباعتقادي، إن الواقع الذي يعيشه العالم يحتاج معالجة غير نمطية تقوم على معالجات جذرية لإعادة الاقتصاد السياسي إلى الطريق الصحيح وخلق توازن بين الممكن والواقع وبين النظرية والتطبيق، متجاوزاً الليبرالية الكلاسيكية والجديدة وعابراً فوق أيديولوجية الاشتراكية، ومبتعداً عن التقنين وشد الأحزمة والسوق الرأسمالي الاجتماعي لتلبية متطلبات الإنسان وتحقيق رفاهيته ضمن منظومة أخلاقية ثقافية تبعده عن الهدر وتحقق أمنه الغذائي والصحي وتدفع بجهود التنمية والتعافي المبكر دون تمييز.. وبالتالي فإن إعادة التوازن بين سلسلة الإنتاج والاستهلاك وبين سلسلة الأجور والأسعار، لا بد لها أن تقوم على تسويات عالمية سياسية مرنة تحقق الاستقرار والسلام عبر التخطيط وسلامة التنفيذ وكفاءة المنفذين في مختلف المراحل لتجاوز الإحباطات المتكررة.

هنا لا بد لنا من التطرق إلى البعد الاقتصادي للعقد الاجتماعي والأطر القانونية الناظمة، والتي أصبحت بحاجة ضرورية إلى التحديث، وفق مستجدات الواقع الناجم عن اندلاع الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على الدول الأوروبية والعالم بشكل عام، حيث توضح للعالم أجمع أهمية البعد الاقتصادي في تعزيز واستدامة العقد الاجتماعي في بلدان العالم والتي قد تشهد اهتزازات عميقة بعد الحرب بفعل التضخم وارتفاع أسعار النفط والغاز وتدني إمداداته (على الأخص أوروبا وفصل الشتاء)، وتعرض الأمن الغذائي للبشرية لمخاطر متعددة، إضافة إلى التهديد الأمني والعسكري الذي من شأنه الحد من النمو والتنمية وخلق فرص العمل ويفتح آفاق السوق السوداء في مجالات مختلفة ويزيد من التدخلات الخارجية بشؤون الدول بمعايير مختلفة.

على الصعيد الداخلي السوري، أكد بشار الأسد خلال حضوره حواراً موسعاً "صندوق التعاضد الاجتماعي والتنمية"، منتصف الشهر الحالي، في دمشق، أن السبب الرئيس لحضوره هذا المؤتمر، هو أهمية الحوار وفعاليته في إيجاد الحلول للمشاكل والعقبات، لا سيما وأن الحوار هو الأمر الوحيد الذي يجعل من العمل الفكري عملاً سهلاً وقابلاً للتطبيق، وأضاف أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل القاعدة الأساسية للاقتصاد.

في مصر، وبقرار جريء، جاءت دعوة الرئيس السيسي هذا الشهر لحوار وطني تحت عنوان "الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية".. بمثابة مبادرة تحرك مياه راكدة لسنوات في الحياة السياسية المصرية. لم يحدد الرئيس في دعوته لا أشخاصاً ولا أجندة معينة للحوار وأسند الأمر إلى الأكاديمية الوطنية للتدريب. هذا ما سيفتح أبواباً كثيرة من التساؤلات حول جلسات الحوار شكلاً ومضموناً، من حيث الشكل، المكان، والزمان، ومن يدير الجلسات وما معيار اختياره، والمتحدثين وتسلسلهم، أما في المضمون فهو اختيار الموضوعات التي ستطرح للنقاش، وما مفهوم هذا الحوار، هل الحوار بين فريق واحد يواجه تحديات أم الحوار بين مؤيدين ومعارضين؟ وما تعريف المعارضة، وإن تم الاتفاق على التعريف من سيتم دعوته؟ هل وفق اقتراحه أو دراساته في الشأن العام، سواء اقتصادياً أم اجتماعياً أم سياسياً أم ثقافياً، وفق المعطيات الحقيقية.. أم لتدخلات داخلية وخارجية؟

في مصر، كل مؤسسة لديها مشاكلها وكل فريق لديه طلبات، فإذا وصل الحوار إلى هذه النقطة، وهي نقطة طرح المشكلات، فمن الممكن أن يستمر هذا الحوار لسنوات (التعليم، والصحة، والجهل، والفقر، والفكر المتطرف، والعدالة)، وغيرها من آلاف المشاكل التي تواجه المجتمع. وسيرتكز الحوار السياسي حول الحديث عن الديمقراطية وسيادة القانون وفصل السلطات وحرية الرأي والإعلام والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء إدراج الدخول والخروج وضمان الاجتماعات السياسية، والانتخابات ونزاهتها على مختلف مستوياتها".

من رحم النزاعات ورحى الحروب وتأثير الحصار والعقوبات تبرز مبادرات ومشكلات في جانبها الإيجابي والسلبي، تتطلب في معظمها جهوداً كبيرة للدول لتجاوز البيروقراطية وتلبية الإرادات بإدارات حازمة تساعد على استمرار دفق العلاقات وتطوير المنح والمساعدات للتعافي المبكر والصمود.

اقتباس (أ. زياد غصن)

"يبدو أنَّ الاطمئنان إلى التحالف بين الدول الثلاث (سوريا - روسيا - إيران) على صعيد المواقف السياسية، وحده لا يكفي، إذ إن عكس ذلك التحالف على الملفات الأخرى يبدو أمراً ضرورياً. وهنا، ليست دمشق وحدها المستفيدة، فالمفاوضات الإيرانية حول البرنامج النووي أو مفاوضاتها مع الوسط العربي الإقليمي تستند في جزء مهم إلى ورقة التحالف مع دمشق، وروسيا المشغولة بحربها مع الغرب تحتفظ بحضورها في قاعدتي حميم وطرطوس كورقتي قوة.

كل ذلك يجعل من الضروري طرح جملة من الأسئلة المرتبطة بمستقبل مسار العلاقات مع دمشق، من قبيل: هل يمكن أن تترك الإجراءات البيروقراطية لتخرب علاقات عمرها عقود من الزمن؟ وهل الأسباب السياسية الحاضرة اليوم أقوى من الأسباب التي جعلت دمشق ترفض مقايضة علاقاتها مع إيران في فترة أصعب، وتتحمَّل ما تحملته من حرب مدمرة؟ وهل وجود قوى سياسية متحفظة بطريقة أو بأخرى عن زخم العلاقات مع دمشق يعني أنَّ المتغيرات السياسية التي تشهدها بعض دول المنطقة في تحالفاتها الخارجية قد يصل تأثيرها إلى حديقة الحلفاء التاريخيين؟".

الملفت للنظر دعوة أردوغان الرئيس التركي، يوم الاثنين/ 23 مايو 2022، بقوله "سنبدأ قريباً باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً، على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)"، وأضاف أنها "ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية، في إشارة إلى المناطق التي يحتلها تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا"، حسب زعمه .

إن نوايا أردوغان في حد ذاتها خرق للقانون الدولي ومعاهدات حسن الجوار، وقد تكون لعبة المصالح الدولية وإعادة التمركزات سبباً رئيساً في خطة أردوغان التي قد تمنحه الضوء الأخضر في تقاطع موقفه من توسيع الناتو وانضمام فنلندا والسويد من جهة، ومن جهة أخرى عدم تدخله المباشر في الحرب الأوكرانية، ما يجعل من موقف تركيا رمانة الميزان في تحقيق مصالحها التوسعية (احتلال) على حساب سيادة الدول وحرية الشعوب وانتهاكاً فاضحاً لميثاق الأمم المتحدة وجميع المعاهدات ذات الصلة، يتطلب موقفاً وطنياً واضحاً بشجب ومقاومة هذا المشروع، وموقفاً إقليمياً ودولياً بوقف هذه الطموحات التي من شأنها تقويض الاستقرار والأمن والسلام العالمي.

لا بد لنا من اليقين بأن الحوار الداخلي والإقليمي والدولي في المجتمعات المحلية بمختلف انتماءاتها، والثقافات المختلفة إقليمياً، والأيديولوجيا والتكنولوجيا المتطورة وتنافسها دولياً.. من شأنه تعزيز الاستقرار والأمن والسلام، محلياً وإقليمياً ودولياً، إذا تم الحوار الحقيقي دون شروط، سوى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة وسيادة القانون وعدم التمييز والحياد الإيجابي النهضوي.

وفي أبيات شعرية لفارس الكلمة "مظفر النوّاب"، الذي رحل جسداً ولكن كلماته ستبقى نهجاً، قال:

يا أيها الحزنُ
الذي لا ينتهي زِد
ما زلتُ في حديقة اللذةِ
أمشي حافياً
يَملأني الإحساسُ بالتمردِ
لا تحتويني لذّةٌ
إلا احتويتُ أمها
فأنتجبَتها
من حليبِ اللوزِ
والسمسم والزُمرد

وختاماً نقول: لا يمكنك العودة للخلف لتغيير البدايـة، ‏لكن يمكنك أن تبدأ من مكانك وتغيّر النهاية، فالتاريخ قصة يسطّرها الأقوياء.
 

ليفانت - باسل كويفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!