الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عالمنا ومسرح العرائس العالمي
باسل كويفي

عندما كنا صغاراً في ستينيات القرن الماضي حالفنا الحظ بوجود مسرح في مدرستنا العريقة بدمشق "اللاييك/ معهد الحرية" وقد كان ضمن المنهاج زيارة للمسرح لحضور عروض مسرحية ورفع مستوى التفكير والإبداع والتمكين والتأمل لدى الأطفال.

ولعل من محاسن الصدف أن الصورة الفكرية التي كنا نشهدها في طفولتنا من خلال المجتمع والتعليم والتربية والمسرح والفنون بشكل عام، تتطابق نسبياً باعتقادي مع منهج الهيئات الدولية الحديث، وخاصة كل من الـ UNHABITAT وUNDP التي أجمعت على الربط ما بين الحوكمة المحلية واللامركزية لتحقيق التنمية المستدامة الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة وتفعيل القوانين والتركيز على الشفافية في المعلومات وتبني نظام للمساءلة، وباعتقادي فإنه أصبح من الضروري انتهاج هذا المسار، على أن يتوافق مع النهج الوطني الاجتماعي - الثقافي - الاقتصادي - المالي، وكما هو معروف فإن من أهم عناصر الحوكمة الرشيدة المشاركة الفعالة للمواطنين من خلال ممثليهم، وبالمشاركة في اللقاءات والحوارات وفي برامج التمكين وبناء القدرات وفي تحديد الأولويات والسياسات والبرامج في مجتمعاتهم المحلية، لتكون ملبّية لحاجاتهم وتطلعاتهم المستقبلية من جهة، وليكونوا العين التي تراقب الأداء وتُخضع المسؤولين للمساءلة في حالة أي تقصير.

من زاوية أخرى، وبالالتفات إلى المستجدات في عالمنا هذا العام 2022 وهو باعتقادي الأكثر تأثيراً على عالمنا منذ تأريخ الأزمات والحروب، نلحظ الحرب في أوكرانيا والحرب بالوكالة منها وعليها، مع ميل الأوضاع إلى الجمود على جبهات القتال في أوكرانيا (تجميد الصراع لاستئناف المفاوضات)، وتثبيت خطوط التماس وخرائط النفوذ بشكل تقريبي بعد مرور نحو عشرة أشهر على اندلاع الحرب، تزايدت مؤشرات رغبة الطرفين، الروسي والأمريكي، في إحياء قنوات الحوار، واستئناف المحادثات المباشرة التي انقطعت بشكل كامل تقريباً خلال الفترة الأخيرة.

 وعلى الرغم من أن المواقف المعلنة حول أوكرانيا، وحيال الملفات الكثيرة العالقة بين البلدين، مازالت متباعدة جداً، إلا أن لقاء تركيا، في 15 نوفمبر 2022، الذي جمع رئيس المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين ورئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، يشير إلى نواحي إيجابية، عن تركيز الطرفين بشكل رئيس على مخاطر استخدام الأسلحة النووية، مع التطرق إلى التداعيات التي فرضتها المواجهة في أوكرانيا، ولا يمكن هنا استبعاد التمهيد "تسوية شاملة"، فالحوار مع واشنطن، كما تراه موسكو باعتقادي ، يجب أن يكون شاملاً ، وألا يقتصر على جانب واحد يتعلق بالحرب الأوكرانية ومخاطر انزلاق المواجهة نحو توسيع رقعة المعركة أو الانتقال إلى استخدام أسلحة فتاكة أو نووية. بل فتح مفاوضات ملفات التوازن الاستراتيجي، وتمديد اتفاقية "ستارت 3" (المتعلقة بالحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لدى البلدين)، والعلاقة المستقبلية مع الأطلسي، ورفع العقوبات الغربية على روسيا، وملفات إقليمية ودولية عديدة تحتاج إلى توافقات بينهما.

 في السياق ذاته، تراهن موسكو على أن فترة الشتاء سوف تشكل اختباراً جدياً يوضح مدى قدرة الأوروبيين على مواجهة النقص الحاد في إمدادات الطاقة، وتداعيات ارتفاع الأسعار والتضخم وتصاعد معدلات التذمر الشعبي في القارة الأوروبية.

في المقابل تتجسد الرؤية الغربية القائمة على ضرورة منع روسيا والرئيس بوتين من تحقيق انتصار واضح في أوكرانيا، مع تراجع خجول في عمليات إمداد كييف بالأسلحة الغربية لدى بعض البلدان، وفي هذه الظروف، يصعب الرهان على تقديم تنازلات من جانب كييف، وخصوصاً بعد أن حدد زيلينسكي خمسة شروط للتفاوض مع روسيا، هي: استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، والتعويض عن كافة الأضرار التي تسببت فيها الحرب، ومعاقبة جميع مجرمي الحرب، وضمان عدم تكرار ما يحدث. وتأتي زيارة زيلينسكي إلى البيت الابيض ولقاؤه بايدن الأسبوع الماضي في هذا المسار الجيوسياسي الصعب والمكلف على جميع المستويات.

ومع الحذر من استمرار الانكماش السياسي في معظم دول منطقتنا الأوسطية وعدم ايجاد الحلول التي تدفع بالمجتمعات نحو التقدم (العراق - لبنان - سوريا - فلسطين - اليمن - السودان - ليبيا - تونس…) وسط أزمات اقتصادية - مالية كبيرة تتعرض لها معظم دول العالم نتيجة تباطؤ سلاسل التوريد (النفطية والغذائية) بعد معاناة التعافي من كوفيد 19 ومشتقاتها التي تثير ذعراً حقيقياً من مسبباتها واستمراريتها وتأثيراتها، مما أدى إلى نتائج سياسية أولية بتقدم اليمين بأشكاله المختلفة في معظم انتخابات غرب دول العالم.

ويأتي مونديال قطر 2022 لبطولة كأس العالم في كرة القدم، والإنجاز القطري - العربي المميز في التنظيم والنتائج ومحاربة قضية الشذوذ والمثلية.. من النواحي الإيجابية، ولكن من سلبياته زيادة الهوة والفوارق بين المترفين والمحتاجين وسط مأساة ومعاناة الفقر والجوع.. الذي تتعرض له ملايين من مواطني منطقتنا.

وتعود قضية المناخ، وبعيداً عن اللعب في الوقت الضائع إلى الواجهة العالمية لما تمثله من خطر كبير على كوكبنا، وقد تم عقد لقاءات ومؤتمرات عديدة في هذا الموضوع وقد تكون المصداقية وبناء الثقة بين الدول هي الأساس في الحفاظ على كوكبنا والحد من إبعاث الكربون بما يساهم في خفض حرارة الكو كب.

حيث عقدت في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بين قادة الولايات المتحدة والقادة الأفارقة، في واشنطن العاصمة، أكدت الولايات المتحدة شراكاتها الدائمة مع الحكومات الأفريقية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والجهات الفاعلة الخيرية ووسّعتها، تقديراً منها للدور الحيوي الذي ستلعبه الحكومات والمؤسسات والشعوب الأفريقية في مواجهة تغيّر المناخ، أحد أكبر التحديات العالمية في عصرنا. تقع العديد من البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ في إفريقيا، ولذلك، ستكون الشراكات التي تمّت مناقشتها في القمة ضرورية لتعزيز قدرة القارّة على الصمود.

وقبل ذلك، وللحد من اتساع خطوط الصدع العالمي، أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن "بكين صديق مخلص للرياض"، لافتاً إلى أن زيارته إلى السعودية ولقاءاته مع ولي العهد "محمد بن سلمان" وقادة خليجيين وعرب، تدشن عصراً جديداً من العلاقات الصينية مع المملكة ودول الخليج والعالم العربي، وتم إدراج موضوع المناخ وضرورة معالجة القضية على البيان الختامي للقمة السعودية - الصينية، والعربية – الصينية.

من جهة ثانية، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن البنية التحتية للغاز الطبيعي في تركيا تتمتع بإمكانات كبيرة، مشيراً إلى إمكانية إنشاء منصة إلكترونية للتجارة فيها.

وأشار إلى أن أسعار الغاز المرسل إلى أوروبا سيتم تحديدها في الغالب بالمركز المقرر إنشاؤه في تركيا، وأن الأوروبيين يحاولون الآن إظهار روسيا على أنها المذنبة بما اقترفت أيديهم.

وبعدها بيومين، أعلن الرئيس التركي أردوغان، أن حكومته تستعد لإنشاء سوق دولي متقدم للغاز الطبيعي، مشيراً إلى اتخاذ خطوات تؤهل تركيا لأن تكون مركزا للغاز الطبيعي، معرباً عن استعداد بلاده لإقامة أي نوع من التعاون مع الأطراف الأخرى من أجل مد خطوط أنابيب جديدة للغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال.

إن قمم البريكس والناتو ومؤتمرات الرياض والمناخ.. والمنصة الأوروبية الجديدة، ومؤتمر بغداد الذي عقد في عمان - الاردن 19 - ديسمبر/ كانون اول 2022 "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، الذي انعقدت نسخته الأولى في بغداد في أغسطس 2021 بمبادرة عراقية - فرنسية مشتركة، كان هدفها إظهار الدعم الإقليمي للعراق وتعزيز الدور الذي كانت بغداد تسعى إليه في أن تكون جسراً بين الأطراف الإقليمية المتخاصمة.

انعكاساً إلى حقائق واستراتيجيات سياسية عالمية جديدة، تتجسد في تنويع العلاقات الدولية بشتى المجالات والنشاطات.. نحو عالم ينتقل من أحادية قطبية إلى تعددية، مما يستوجب صياغة سياسات دولية متوازنة خارج نطاق الحسابات الإقليمية والدولية السابقة وبناءها وفق المصالح والمنافع المشتركة بعيداً عن التحالفات الثابتة الضيقة التي لا تتيح المناورة ذات الأفق الوطني والبعد الاستراتيجي.

من ناحية أخرى، ومع حدوث تعاف اقتصادي عالمي غير مستقر ومتفاوت خلال عام 2022، واجهت التنمية العالمية أزمات مختلفة، وساهم تباطؤ النمو في انتكاسة التقدم المحرز على صعيد الأجندة العالمية لخفض الفقر، فضلاً عن زيادة الديون العالمية ، كما ساعدت الجهود العالمية في الخروج من جائحة كورونا، وأعادت ملايين الأطفال إلى التعليم لكن خسائر ذلك سيلقي بظلالها لسنوات، وارتفع تضخم أسعار الغذاء وانعدام الأمن الغذائي بشكل كبير على مدار الأعوام، وتفاقم ذلك بسبب تغير المناخ، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مما أسهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة وحوامل الطاقة والنقل.

وحتى يتسنى التصدي هذه الأزمات المتعددة والمساعدة في تحقيق تعاف أكثر استقرارا وإنصافاً، علينا مكافحة الفساد، حيث أضحى مشكلة أساسية تواجه التنمية، ويقوض التقدم ويُسبب ضياع وإهدار للموارد وانهيار البنية التحتية، وتدمير البيئة وإضعاف الثقة.

العقوبات الاقتصادية الغربية والغريبة وتغليظها على أنظمة الحكم المستهدفة، تتحول بشكل غير مبرر لتشمل الشعوب بالتناقض الصريح مع خطط التنمية ومنظومات حقوق الإنسان والقوانين ذات الصلة.. لتتحول إلى معاناة حقيقية مع الفقر والعوز لمعظم فئاتها، وبما يشكل تهديداً مستقبلياً للأمن والسلام المحلي والاقليمي والدولي.

سيادة القانون والمواطنة والديموقراطية.. هي الأعمدة الثلاثة الأساسية لبناء المجتمعات والدول وترسيخ الاستقرار والسلام والأمن المجتمعي.

لم يعد التضامن بين دول وشعوب العالم خياراً في عصرنا الحالي، بل ضرورة تفرضها التحديات التي تشهدها حياتنا وتنعكس على كافة المجتمعات، فتغير المناخ، ومواجهة الأمراض، وتأمين الغذاء، ومحاربة الفقر، لم تعد قضايا محلية، بل أزمات عالمية تتطلب عملاً دولياً مشتركاً.

فرصة لنذكر أنفسنا بهذه الحقائق، وبأنه لا بقاء وازدهار لنا دون توحدنا في إطار جامع يحترم اختلافاتنا، ويعزز جهودنا المشتركة لتحقيق تنمية شاملة للقضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان الكرامة للجميع.

لعل حياتنا في هذه الحقبة المميزة في تحولات العالم والتي نشهدها بتغييرات واقعية وخيالية ، قد تعود بي -حسب اعتقادي- إلى مسرح العرائس الذي حالفني الحظ بحضوره عندما كنت طفلاً، وأشهده الآن واقعياً في تحريك ورسم المستقبل العالمي من خلال جوقة الإخراج المتخفية تحت المسرح، وتحرك اللاعبين والممثلين الظاهرين فوقه بفنون مختلفة وأساليب ملتوية وأهداف غير منظورة حتى انتهاء المشهد، في ظل اندهاش وإعجاب لمسناه صغاراً ويعصرنا كباراً مع فارق كبير في تطور التكنولوجيا والتقنية بين المشهدين، وسط عبث من وراء الستارة ومصممي المشاهد ومحركي اللاعبين بما يخدم مصالح الإخراج والمخرجين.

العروض والشروط والإغراءات تتم عبر المشاهد المحيّرة والمبرمجة كل حسب مصالحه وبما يتناسب مع الأدوات والسيناريوهات واللوحات الأمامية والخلفية.

وختاماً، لا يمكننا تحقيق سلام دائم واستقرار دون شراكات قوية "معظم مشاكلنا ستُحل في العالم و‫المنطقة العربية على الأخص، إذا جلسنا على طاولة واحدة، وتحاورنا بشفافية وواقعية وبثقة متبادلة وبنّاءة.

وبمناسبة انتهاء العام، كل عام وأنتم بألف خير، عسى أن يكون عام 2023 عام خير للبشرية جمعاء.

 

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!