الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
طبيعة دور ألمانيا في اليمن
يحيى محمد الشعيبي  

في خضم الأحداث التي تمرّ بها بلادنا منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014 على الدولة وعلى التوافق اليمني، كان الدور الأممي ممثلاً بالأمم المتحدة والدولي، بشكل عام، هاماً ومؤثراً، وبالتأكيد إنّ دولة لها ثقل ألمانيا وعلاقاتها التاريخية مع اليمن كانت على رأس الدول التي تفاعلت مع الوضع في اليمن بكل تعقيداته. 


ومن المهم لفهم طبيعة الدور الألماني، المرور سريعاً على أهم ملامح العلاقات الألمانية اليمنية لنستطيع فهم حجم تفاعل ألمانيا مع اليمن ومدى الاهتمام بها، حيث حظيت العلاقات بين ألمانيا واليمن بتميز وخصوصية، فالعلاقات قديمة تمتدّ لأكثر من 400 عام، عندما زار الألماني هانس فيلد اليمن في 1606م، لينشر كتاباً عن الزيارة، وزيارة الألماني الشهير، كريستيان نيبور، ضمن البعثة العلمية الدنماركية لليمن، وكتابه الشهير حول الرحلة وعن اليمن، والذي يعتبر من أهم الكتب عن اليمن وشبه الجزيرة العربية. 


تم تدشين العلاقات الدبلوماسية رسمياً في العام 1927، ومن ثم استعادة العلاقات الرسمية في 1969. ودعمت ألمانيا المشاريع الحيوية في اليمن بصورة واسعة، مثل مطار صنعاء الدولي ومركز الآثار، بالإضافة إلى عدد كبير من الاتفاقيات في شتّى المجالات والتركيز على ملفات المياه والتعليم والمرأة بصورة كبيرة.


وعندما انفجرت قنبلة الفكر الأمامي القادمة من القرون الغابرة في وجوه اليمنيين في 2014، كانت ألمانيا حاضرة بقوة مرتكزة على الانطباعات الجيدة عنها في اليمن والمنطقة ككل، وهو ما أكسبها ويكسبها بصورة مستمرة مصداقية واحترام وقبول لدى الجميع، ومنذ ذلك الحين يمكن التطرّق لطبيعة الدور الألماني في اليمن عبر عدد من المحاور الرئيسية:


الدعم السياسي:


• تقف ألمانيا بوضوح وبصورة رسمية معلنة مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن المتّصلة بالوضع باليمن، وتعلن بصورة مستمرة وقوفها مع الحكومة الشرعية في اليمن وضرورة استعادة الدولة، وفي هذا الإطار وضمن هذه الحدود، تتحرّك ألمانيا في الملف اليمني باهتمام حقيقي وقناعة سليمة بضرورة وقف الحرب والوصول إلى السلام وبأنّ السلام وحده هو الحل في اليمن، وبصفتي سفيراً لليمن في ألمانيا، فإنّي وفي كل اللقاءات مع الشخصيات الرسمية الألمانية، أجد موقف ألمانيا واضحاً وداعماً للحلول السياسية والسلمية ضمن الإطار المذكور آنفاً، ولا يجب أبداً أن يكون هناك خلط أو عدم وضوح لدى المتابع اليمني، فموقف ورغبة وحرص ألمانيا على الوصول إلى السلام في اليمن في أقرب وقت كحلّ للوضع في اليمن، لا يعني إلا القناعة الألمانية بضرورة استعادة الدولة ضمن الأطر والمرجعيات المذكورة، كمدخل سليم للوصول إلى هذه النتيجة، وهو ما تتفق معه الحكومة اليمنية وكافة التيارات السياسية الوطنية اليمنية.


• ومن الأكيد، أنّه وفي الفترة الأخيرة خاصة مع التعنّت الكبير لميلشيات الحوثي الانقلابية في كثير من الملفات المهمة، مثل عدم التجاوب مع إعلان وقف إطلاق النار، وإغلاق مطار صنعاء أمام المساعدات الإنسانية، وعدم إصلاح خزان صافر، أصبحت الصورة أكثر وضوحاً لدى ألمانيا عن حقيقة الميلشيات الحوثية حتى على مستوى الاعلام الألماني، وفي مراكز الدراسات والمنظمات المهتمة بالشأن السياسي، وأصبحت الجرائم الحوثية وانتهاكاتها مجالاً للكثير من الكتابات والمقالات في كبرى الصحف الألمانية. 


• خلال السنوات الأربع الماضية، قام عدد كبير من المسؤولين اليمنيين بزيارة ألمانيا وعلى رأسهم فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، والأخ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب، ورئيس الوزراء الأسبق د. أحمد عبيد بن دغر، وعدد كبير من الوزراء، وفي كل هذه اللقاءات لم أجد من مختلف الشخصيات الألمانية التي قابلناها من كبار الوزراء والشخصيات الرسمية، إلى البرلمانيين من مختلف الأحزاب والإعلاميين والناشطين الحقوقين الألمان، إلا الفهم السليم والإدراك لحقيقة الوضع في اليمن ومنبع المشكلة وسبب المأساة الإنسانية وهو الانقلاب على العملية السياسية واللجوء للعنف.


• إنّ مواقف ألمانيا ضد الانتهاكات الحوثية معلنة ولها تأثيرها، وكمثال واضح على ذلك، بيان ألمانيا الذي أدان حكم الحوثيين بإعدام الأخ حامد حيدرة من البهائيين، وبلا شك أنّ البيان ضمن ضغوطات دولية كثيرة ساهم في إطلاق سراح البهائيين في اليمن، كما أعلنت أكثر من مرة بوضوح، ضرورة أن يتوقف الحوثيون عن تعنتهم في قضية صافر و معالجة الملف عبر الأمم المتحدة. 


إدارة النقاشات وتخليق الأفكار:


• أحد أهم أشكال الدور الألماني في الأزمة اليمنية، هو دور منظمة بيرجهوف، والتي تقوم منذ العام 2012 بنشاط مهم ومفيد للغاية وهو تنظيم حلقات النقاش بين النخب السياسية اليمنية من مختلف التيارات السياسية، مهيئة الأجواء لتبادل الأفكار وتقارب وجهات النظر، في مختلف القضايا اليمنية الملحة والمهمة سياسياً وادارياً، وتكتسب هذه الحلقات أهمية أكبر في الفترة الحالية، كما أنّ هذه النقاشات تمثّل بيئة جيدة لتوليد الأفكار ومحاولة التفكير خارج الصندوق، وتبقى هذه الأفكار والنتائج مهمة، سواء حالياً أو للمستقبل الذي نرجو من الله أن يكون أفضل.


المساعدات الإنسانيّة:


• ألمانيا من أكبر الدول التي قدّمت المساعدات الإنمائية لليمن، ومنذ إصابة اليمن بنكبة الانقلاب، ركّزت ألمانيا على المساعدات الإنسانية، وبعيداً عن الأرقام والإحصائيات، فإنّ المهم ذكره أنّ ألمانيا من الدول القليلة التي تلتزم بشكل كامل بتعهداتها، وأنّها من أكبر الدول التي تقدّم المساعدات الإنسانية لليمن، ألمانيا تدرك جيداً عمق المأساة اليمنية وإلحاح الاحتياج في اليمن، فتبذل جهداً صادقاً نابعاً من تعاطف حقيقي، يعبر عنه حجم المساعدات والإيفاء بها.


• كما أنّ ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي ما زالت مؤسساتها نشطة في اليمن، مثل فردرش إيبرت، والتي تقوم بأعمال توعوية وورشات عمل ودورات تدريبية، وأيضاً مؤسسة GIZ، التي تقوم بالعديد من مشاريع المياه والصحة والتربية في اليمن، حتى الآن.


ألمانيا في المنطقة العربية:


• و لفهم طبيعة التفاعل اليمني في ألمانيا، لا بد أن نمرّ على الدور الألماني في المنطقة، والأكيد أنّ الاهتمام الألماني الكبير بالوضع في سوريا واستقبال أعداد هائلة من اللاجئين السوريين ضمن مكانة متميزة لألمانيا في المنطقة، رسمياً وشعبياً.


• بالإضافة إلى مساعيها المحمودة للوصول إلى سلام في ليبيا عبر مؤتمر برلين، ودعمها الكبير في التحولات الإيجابية لدى الأشقاء في السودان، بالإضافة الى دعمها للبنان، وعلى رأس هذه المواقف التي أكسبتها شعبية واحتراماً وثقلاً في المنطقة، موقفها ضد التوسّع في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، والوقوف ضد ضم الأراضي الفلسطينية، والتمسك بحلّ الدولتين المبني على التفاوض. 


إنّ الدور الألماني الإيجابي في المنطقة واليمن، والمهتم بالمنطقة واليمن، حريّ بنا أن نفهمه بوضوح دون أي التباس، وأن نفهم عناصره ودوافعه وخلفياته، كواحدة من أهم الدول في العالم وكقوة سياسية دولية نشطة وفعالة، وكل هذا الاهتمام السياسي والإنساني والوقوف مع اليمن يقابل بكل التقدير والتفاعل على المستوى اليمني، الرسمي والشعبي، ولا شك لدي في وقوف ألمانيا بشكل كبير مع اليمن في مرحلة إعادة الاعمار فور استتباب السلام وإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة قريباً، بإذن الله.


ليفانت– يحيى محمد الشعيبي  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!