-
ضباط النظام يستغلون "شبان المصالحات" لملئ جيوبهم
تسببت المعارك التي بدأها النظام السوري وروسيا في ريفي حماة وإدلب بالتحاق مئات الشبان من عناصر المصالحات في ريف حمص الشمالي بجبهات القتال إلى جانب مليشيات الأسد ضد فصائل المعارضة، والتي أسفرت عن مقتل وأسر العشرات منهم على يد الأخيرة، ما شكل حالة استياء كبيرة بين الأهالي لإرسال أبنائهم إلى القتال دون أن يجرأ أحد منهم على الاعتراض بشكل مباشر، فاستغل شبيحة النظام ذلك لملئ جيوبهم عن طريق ابتزاز أهالي شبان المنطقة بمبالغ مالية كبيرة مقابل عدم إرسالهم إلى الجبهات، فضلاً عن تكرار حالات فرار داخلي وعدم التحاق العناصر بقطعهم العسكرية بعد وصولهم إلى المنطقة أثناء الإجازات.
فمع دخول ريف حمص الشمالي في اتفاق المصالحة مع النظام السوري، منذ شهر آيار العام الماضي، راجت حوادث الابتزاز لصالح المفارز والأفرع الأمنية التي أعادت تمركزها في مدن وبلدات الريف، وأعادت بسط سيطرتها العسكرية والإدارية على المنطقة.
رشاوي للضباط للهروب من الجبهات
قال أحد سكان بلدة "البرج" في ريف حمص الشمالي -الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خشية الاعتقال- في تصريح خاص لـ"ليفانت": "بعد أن اتصل بي ولدي الذي التحق بالخدمة الإلزامية قبل 5 أشهر، وأخبرني أنه أُرسل مع جميع رفقائه إلى جبهات حماة وإدلب لخوض المعارك ضد الثوار هناك، وأنه حالياً بالقرب من بلدة المصاصنة شمالي حماة، سارعت إلى (أبو زهير) المعروف بصلته الوثيقة مع الضابط المسؤول عن المنطقة (المقدم عمار مخلوف من القرداحة) طالباً منه مساعدتي بعودة ولدي إلى قطعته العسكرية في منطقة الصبورة في ريف دمشق، وذلك بعد أن علمت أن نفس الضابط قام بإرجاع عدة شبان من المنطقة إلى قطعهم بعد إرسالهم إلى جبهات القتال مقابل مبلغ من المال".
وتابع: "طلب مني أبو زهير مبلغ 700 ألف ليرة سورية، معللاً أن هذا المبلغ هو التسعيرة المتعارف عليها في المنطقة، وأن هذا المبلغ يقسم بين عدة ضباط، وبعد نحو أسبوع من دفع المبلغ تم سحب ولدي من جبهات حماة إلى قطعته وأرسله الضابط المسؤول إجازة لمدة 5 أيام، ثم طلب مني أبو زهير الحضور إلى المفرزة بطلب من المقدم عمار مخلوف وبحوزتي (الحلوان) الذي استدعاني إلى مكتبه وتكلم معي بطريقة تدل على أنه يريد مبلغاً إضافياً من المال مقابل بقاء ولدي في الإجازة مدة شهر كامل".
فرار داخلي لعناصر المصالحات
هذا ويعيش شبان المصالحات في ريف حمص الشمالي حالة عامة من الخوف بسبب زج المئات منهم في معارك الشمال السوري، والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات منهم، بالإضافة إلى أسّر بعضهم وفقدان الاتصال مع بعضهم الآخر دون معرفة مصيرهم، وسط ترجيحات بتصفيتهم من قبل مليشيات الأسد بذريعة الهروب من أرض المعركة، كما أكد لنا "محمد القاسم" أحد أبناء بلدة "طلف" في ريف مدينة الحولة الذي خرج حديثاً من حمص إلى إدلب عن طريق التهريب، ودفع مبلغ 1500 دولار بعد وصوله إلى المنطقة في إجازة لمدة 3 أيام قادماً من جبهة "كفرنبودة" شمالي حماة، التي ذهب للقتال فيها ضمن تعزيزات عسكرية أرسلها النظام إلى المنطقة هناك.
وقال في حديثه مع "ليفانت": إن "العديد من أبناء المنطقة باتوا يتهربون من العودة إلى جبهات القتال، وخصوصاً بعد أن فقد عدد كبير من الأهالي التواصل مع أبنائهم المنتسبين لمليشيات الفيلق الخامس ومليشيات العميد سهيل الحسن (النمر) خلال معارك حماة وإدلب واللاذقية"، مؤكداً أن "النظام غالباً ما يعمد على جعل مجموعات الاقتحام من عناصر المصالحات التي سقط منهم أعداد كبيرة بين قتيل وجريح، وتقبع جثثهم في مشفى السقيلبية التي مر زمن طويل على وجودها هناك وأغلبها مجهولة الهوية، كما أخبره أحد العناصر الذي كان ضمن مجموعته القتالية أثناء وجودهم في مركز تجمع لقوات النظام في مدينة حماة".
وأوضح "القاسم" أنه "بعد مشاهدة ما حدث على جبهات القتال في ريف حماة قام عدد من الشبان المتطوعين والملزمين بالخدمة وأنا منهم بعملية فرار داخلي، حيث تم طلب إجازات وعند الوصول إلى المنطقة تخلف معظم الشباب بالعودة إلى القطع العسكرية، مما دعا مليشيات الأسد لاقتحام عدة منازل في الحولة بحثاً عن المطلوبين، كما تم نشر أسماء الفارين في المنطقة وتسلم مختار المنطقة نسخة من الأسماء للإبلاغ عنها وحضّ الأهالي على إقناع أبنائهم بتسليم أنفسهم، وهو ما دفعني إلى التواصل مع أحد المهربين الذي نقلني إلى إدلب، بعد 10 أيام قضيتها مختبئاً في الأراضي الزراعية المحيطة في بلدتنا".
وكان "مجلس عائلات الرستن" وللمرة الأولى منذ سيطرة النظام على ريف حمص الشمالي، اجتمع مع ضباط من قوات الأسد في 7 شهر حزيران الجاري، وذلك للكشف عن مصير أبنائهم الذين فقدوا الاتصال معهم منذ بدء الحملة العسكرية على الشمال السوري، ولكن بسبب المهاترات التي حصلت، انتهى الاجتماع دون تحقيق أي نتيجة، وتولى بعض الضباط مهمة تبليغ "الجهات المعنية" بمطالب الأهالي.
ويأتي هذا، وسط عمليات دهم واعتقال مستمرة تقوم بها قوات الأسد بين الحين والآخر ضد شخصيات المصالحة، الذين كان لهم الدور الأبرز في إعادة سلطة النظام إلى المنطقة بموجب الاتفاق الذي رعته روسيا، والذين عملوا في المحاكم الشرعية إبان سيطرة فصائل الجيش الحر على المنطقة، كان آخرها القيادي "منهل الصلوح" قائد فصيل "جيش التوحيد" في مدينة تلبيسة الذي تحول بموجب اتفاق مع النظام والروس إلى شرطة محلية مهمتها الرئيسية الحفاظ على الأمن، والإشراف على الطريق الدولي.
يُذكر أن النظام السوري غرر بجميع الشبان الذين استمالهم لإجراء "مصالحات" وتسوية أوضاعهم في مناطق سوريّة عدة، وخاصة المتخلفين عن الخدمة العسكرية، واعتقل العديد منهم فور مراجعتهم "شعب التجنيد" كما اعتقل آخرين بحملات مداهمات بينهم مهجرون عائدون إلى مناطق سيطرته، حيث شهد ريف حمص الشمالي الشهر الماضي تسليم عدد من جثث القتلى الذين سقطوا في ريف حماة لأهاليهم في مدينتي الرستن وتلبيسة، فيما يبدو أن النظام يسعى إلى التخلص من العناصر التي كانت في سنوات سابقة تقاتله عبر زجها في جبهات القتال ضد فصائل المعارضة.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!