الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
شيء من الحب
هند زيتوني

اعتراف يشبه القول: إنَّ القلب الذي لا يعرف الحُبّ، هو صندوقٌ خشبي أجوف يعتريه وجع الفراغ من النبض، وهدير الدم الصاخب الذي يلهبه العناق.

ربمّا كان يعيشُ صدفةً، مثل أيّ نبتةٍ بريةٍ تحيا على قطراتٍ تهمي من السماء في موسم المطر الشحيح. أحببتكَ لا أنكر، وكان الحب في ذلك الوقت أمنيتي الوحيدة؛ كان عشبةً من النار، وتارةً غابة من بلل البنفسج، تفتحُ كلّ مغاليق الأبواب الموصدة بوزر المسافات.

رويتها بدمعي الوفير. لم أكن أستطيع أن اشرح لك، كيف تسرّبَ حبّكَ إلى شراييني وملأها بزغبِ الوجود، وكيف غرقت بتأويل النجاة منك، وكيف أصبحتُ أترنّح بوهج حضورك المغناطيسي. عندما هلَّ عليَّ وجهك كترنيمة مقدسة، تمازجتَ مع شغفي بالانصهار بك فأصبحت أقف في محراب العاشقين، أسبّحُ ثلاثاً وثلاثين وأحمد ثلاثاً وثلاثين وأعتمر بك حتى تزول مني معصية الكفر باللقاء.

فمنذ اللحظة الأولى، التي احتلّيتَ فيها كهف قلبي الذي كان يملؤهُ الخوف والحزن، كنتَ فارسي الأول والأخير، امتطيت جواد عشقي وأخذتني معك إلى المدى البعيد. كنت هناك طائراً، يجرّب فتنة التحليق بلا جليد.

في حلمي الصغير وخيالي المجنون عشتُ معك وفيك أجملَ قصةَ حبٍ عذريةٍ، لم يعرفها أحد، ربّما أنت لا تعرف يا سيدي بأنّ الأنثى الشرقية لا يسمحُ لها أن ترتدي عباءة الحب، لانّها ستقع في الإثم الكبير. ولو فتحت باب قلبها سيدخلون إليه ويحطمون زجاجه، فتتشظّى روحها، وتشقى إلى الأبد. وبالرغم من أنني كنت أؤمن بأنّ الأنثى إذا أحبّت بصدق ستدوس بحذائها على كل القوانين، وتحطّم أسوار قبيلتها لتحيا كما تحب.

الحب يستحقُّ أن نحارب من أجله، أن نذوب تحت ثلوج جمره، لأنّه سيكون الوطن الجميل الذي سنعيش تحت خيمته.

الأنثى من الممكن أن تصبحَ زوجةً فقط، تجلس قرب المدفئة لتحكي لطفلتها حكاية سندريلا وتخبرها عن الأمير الذي جاء وأحضر فردة حذائها الضائعة، ليأخذها إلى قصره الجميل.. ذات يوم سترتدي ثوب زفافها الأبيض، وتنام بجانب زوجٍ لا تحبّهُ، وربما تتزوج قاتلها ومغتصبها، لتهرب من لعنة الآباء والأجداد.

هكذا هي الأنثى في الشرق يا حبيبي تعشقُ في الحكايا والأساطير فقط. تعيشُ قصص الحب الوهمية كي لا تجّف وتسقط كورقة خريفية في مقتبل الشباب. كي لا تموت من الداخل وهي تمشي على قدمين وهميتين. تغمضُ عينيها كي لا يروا حبيبها الذي سكن أحداقها منذ أن نبت أولّ برعم حبٍ في أحشائها.

أكتب رسالتي له ولو أنّني أعرف جيداً أنّهُ لن يقرأها ولن يعرف متى كتبتها ولكن أعرف أن عطرها سيرحل إليه ليحدثه عن كل الوجد الذي ما زال يسكن كلّ جوارحي. ما كنتُ لأعرفني لولاه وما كنتُ سأكتب حرفاً واحداً من الشعر. لو لم يكن شمعة الأمل التي تمنحني الضياء في عتمة هذا الكون الخالصة. أنتَ كثافة هذا الوجود الجميل والقنديل الذي لا ينطفئ ولو سادَ الليل على مدى الوقت. لو كنتُ أنا ملاكاً لتكن أنت معصيتي الأولى والأخيرة.

العاشقون هم الوحيدون الذين يعرفون نعمة الحب، لأنّها تمدّهم بكل أسباب البقاء والسعادة، وتمنحهم الشعور بالرضى والسكينة والاكتفاء. الحب يغسل الروح بشلاّلٍ من الزهر ويمنح العين ضياءها الأبدي.

أنا أعيش لحظة الترف الرهيب عندما أراكَ واقفاً أمامي كالسيف بكل عنفوانك وبكل ما تحمله من بهاء وقوة وجبروت. قد يكون حبي لك قد حدث من زمنٍ سحيق أو ربما قبل أن أولد بملايين السنين. ومازال ظلّك يفشي للجسد اشتياقه، يسكب عطره على كل وردة عابرة، وحين يتسرّب البكاء إلى مرايا الروح، تكون أنت الفراشة الوحيدة التي تواسي الضوء.

 

هند زيتوني

ليفانت- هند زيتوني

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!