الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • سيناريو باباجان - داود أوغلو: هل ينهي العدالة والتنمية قبل 2023؟

سيناريو باباجان - داود أوغلو: هل ينهي العدالة والتنمية قبل 2023؟
سيناريو باباجان - داود أوغلو: هل ينهي العدالة والتنمية قبل 2023؟

أحمد طلب الناصر- كاتب وصحفي سوري


كما توقّع الكثيرون من محللي السياسة التركية، أعلن أحمد داود أوغلو استقالته أخيراً من حزب "العدالة والتنمية" الذي ساهم في تأسيسه مع رئيس تركيا الحالي "رجب طيب أردوغان، و"رفيقه" الذي سبقه بالاستقالة "علي باباجان"، والرئيس التركي السابق "عبدالله غُل" الذي تتوجه أنظار الشارع التركي نحوه اليوم ليتبع سالفيه ويعلن استقالته هو الآخر.




وكما تابع الجميع، جاءت استقالة داود أوغلو لتسحب البساط من تحت أعضاء الحزب الذين طالبوا بمثوله أمام لجنة المساءلة الخاصة بالعدالة والتنمية تمهيداً لفصله.

وفي الواقع كان ترجيح المغادرة الأولى من بين الشخصيات الهامة في الحزب يصب في خانة داود أوغلو بالتزامن مع إعلانه تأسيس حزب جديد، إلا أن "علي باباجان" نائب رئيس وزراء تركيا الأسبق و"مهندس" اقتصادها الحديث؛ أعلن استقالته من حزب العدالة والتنمية قبل زميله.

"خلافات عميقة حول توجّه الحزب" دفعت باباجان للاستقالة، على حدّ وصفه، ونشوء "فجوة عميقة بين العمل الحقيقي والمبادئ".




أدلى باباجان بتلك التصريحات يوم الإثنين 8 تموز/يوليو الجاري ليعلن على أثرها مغادرته للحزب، والتي كانت متوقعة ليس داخل كواليس الحزب وحسب بل انتشرت أصداؤها لتعمّ غالبية الأوساط السياسية والاجتماعية التركية منذ مطلع 2019، حين سُرّبت أنباءٌ تناولت خلافات وتجاذبات داخل الحزب الحاكم.




لعبت تلك الخلافات دوراً مصيرياً في خسارة حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول في عمليتيّ الانتخاب، العادية والإعادة. إذ امتنعت فئة محسوبة على فريق داود أوغلو ورفيقيه، غُل وباباجان، داخل العدالة والتنمية عن التصويت في الانتخابات الأولى ما فسح المجال أمام حزب الشعب الجمهوري ومرشحه "أكرم إمام أوغلو" للفوز على منافسه "بن علي يلدرم" برئاسة البلدية، وبفارق ضئيل لا يتجاوز 0,4%.




ويبدو أن طعن العدالة والتنمية بالنتيجة وما ترتّب عليه من إصدار اللجنة العليا للانتخابات قرارها القاضي بإعادة الانتخاب مجدداً، قد أثار تخوّف الممتنعين عن التصويت في السابق من احتمالية رجحان كفّة "يلدرم"، بصورة أو بأخرى، فقرروا المشاركة والإدلاء بأصواتهم في جولة الإعادة، ولكن ضدّ مرشح حزبهم ولمصلحة "إمام أوغلو"؛ لأسباب سنحاول توضيحها خلال السياق.

وجاءت نتيجة الإعادة لتؤكّد منح تلك الأصوات لمرشح "الشعب" بدليل اتساع الفارق بين المتنافسَين ليتجاوز هذه المرة التسعة في المئة، في خسارة هي الأولى والأقسى في تاريخ العدالة والتنمية الممتد منذ عام 2002 حتى الساعة.




- حزب جديد بقيادة داود أوغلو يلوح في الأفق!

"تحتاج تركيا إلى رؤية جديدة تماماً لمستقبلها" تلك العبارة وغيرها من العبارات التي أطلقها كل من داود أوغلو وباباجان في معرض استقالتهما، اعتبرها المتابعون إعلاناً مباشراً لإطلاق الحزب الجديد، الذي كثر الحديث حول تشكيله وهوية مؤسسيه مؤخراً، ليهيمن على الساحة السياسية التركية بالتوازي مع انتشار أنباء الانقسامات والاستقالات التي مررنا عليها داخل العدالة والتنمية.

وعلى الرغم من انتشار أنباء تتحدث عن وجود خلافات قديمة بين باباجان وداود أوغلو، ونيّة كل واحد منهما إنشاء حزبه الخاص، إلا أن غالبية آراء المحللين تُجمع على تأسيس حزب واحد يتزعّمه داود أوغلو.




استند المحللون في طرحهم الأخير على ثلاثة مصادر، الأول تمثّل في الرسالة المطوّلة التي نشرها داود أوغلو في 22 نيسان/أبريل الماضي عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، تحت عنوان "تقييم نتائج الانتخابات الأخيرة"، ووجّه خلالها العديد من التوصيات والانتقادات إلى الحزب وقياداته؛ وأشار فيها إلى "حاجة الحزب إلى التجديد من كافة النواحي" ما فسره البعض بوجود نيّة لدى داود أوغلو بإعادة هيكلة الحزب أو السعي لإنشاء حزب بديل.




والمصدر الثاني يتمثل في المكانة المميزة التي يحظى بها داود أوغلو داخل المجتمع التركي على اختلاف مكوناته وتوجهاته السياسية والفكرية. ما يؤهله لكسب ثقة الأتراك في حال تزعّمه لأي حزب يطرح على الساحة التركية.




أما المصدر الثالث فيرتبط بشخص داود أوغلو وما يتمتع به من قدرات سياسية قيادية، داخلية وخارجية، تميزه عن بقية أقرانه جراء تقّلده العديد من المناصب والمسؤوليات الحكومية على مدى عقدين من الزمن، كسفيرٍ ووزير خارجية ورئيس وزراء ورئيس لحزب العدالة والتنمية، وأطلقت عليه ألقاب قلّما اجتمعت في رجل واحد، منها "مهندس السياسة الخارجية التركية" و"كيسنجر الدبلوماسية التركية" و"فيلسوف السياسة التركية" و"رجل الظل"، ولقب "الخوجا" الأوسع انتشاراً في الشارع التركي ويعني "الأستاذ".




على أية حال، وبعد فتح باب الاستقالة، يسود حالياً شعور عام داخل كواليس العدالة وباقي الأطراف السياسية، يكاد أن يقترب من اليقين؛ بأن الوقت لن يطول كثيراً كي تبدأ الاستقالات الجماعية من داخل الحزب بعد إعلان "الخوجا" استقالته، ويطرح اسم حزبه الجديد، والمرجّح بحسب مقربين أن يحمل الحزب تسمية "السلام" ويرجّح آخرون تسميته "حزب المستقبل".




- الحزب القادم، إلى أين؟

اليوم، يعقد قادة ومؤسسو الحزب القادم لقاءات واجتماعات جدّية مع مختلف رموز السياسة التركية، بغرض عقد التحالفات من جهة، ولاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشخصيات المؤثرة في مكونات المجتمع التركي والسياسة التركية من داخل العدالة والتنمية وبقية الأحزاب من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة لكسب التأييد والدعم الشعبي.




والتساؤل المطروح على الساحة السياسية التركية هو: هل مستقبل الحزب الجديد سيكون مشابهاً لبقية الأحزاب التقليدية المنافسة للعدالة والتنمية، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية، مثال ما حصل مع حزب (IYI- الجيد) الذي ثبُت فشله الذريع؟ أم أنه يمتلك رؤية مختلفة؟

للإجابة عن التساؤل يتوجّب علينا العودة من جديد إلى أحداث انتخابات بلدية إسطنبول الأخيرة والتحولات المصيرية التي تواجه حزب العدالة والتنمية نتيجة فوز "أكرم إمام أوغلو".




الفكرة المتداولة في الأوساط السياسية التركية تقول: "من يفوز بولاية إسطنبول سيفوز بحكم تركيا". وترتبط تلك القناعة بالفترة التي فاز فيها رئيس تركيا الحالي "رجب طيب أردوغان" برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى قبل ما يقرب عقدين من الزمن، ما مهّد فعلياً لفوز حزب العدالة والتنمية، الناشئ حديثاً وقتذاك، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية واستمرارهما حتى اليوم.




وما نراه اليوم أن بلدية إسطنبول انتقلت بعد كل تلك السنين إلى رئيس جديد، والمعروف بأنه ينتمي لأكبر أحزاب المعارضة؛ ونقصد به حزب الشعب الجمهوري، أشدّ منافسي العدالة والتنمية، وألدّ أعدائه فكرياً وعقائدياً، منذ بروز الأخير على الساحة التركية.




والمعروف عن زعيم حزب الشعب "كمال كليجدار أوغلو" أنه لا يتوانى لحظة واحدة عن التعرّض للعدالة والتنمية ورشقه الدائم لهم بالانتقادات خلال مشاركاته مختلف الفعاليات والاحتفالات السياسية والاجتماعية مهما صغر حجمها.




المفارقة العجيبة والصاعقة برزت أثناء الاحتفالات بفوز مرشح الحزب "أكرم إمام أوغلو"، إذ شارك بها غالبية أعضاء الحزب وكافة الأحياء التابعة له في إسطنبول، باستثناء رئيس الحزب الذي ظهر بصورة خجولة وسريعة تفتقر لأدنى ملامح السعادة بدل أن يكون أول وأشدّ المحتفلين في هذا الانتصار التاريخي غير المسبوق.




لم يلتفت غالبية أفراد الطرفين المنافسين للأمر كثيراً، بسبب انشغال الطرف الفائز بأجواء الاحتفالات والطرف الآخر بصدمة الخسارة.

ولكن ضعف تفاعل كليجدار أوغلو مع الحدث وضع أمام المتابعين للشأن السياسي التركي الكثير من علامات الاستفهام والتعجّب، ما دفعهم للبحث عن أجوبة مقنعة تفسّر ما حصل ويحصل في إسطنبول.




ووسط تلاطم أمواج التناقضات، وفي خضمّ محاولات الإمساك بطرف الخيط، برزت الحقيقة فجأة مع استقالة باباجان وداود أوغلو، وشيئاً فشيئاً بدأ سيل الأخبار بالتدفق على نطاق ضيّق لن يلبث حتى يتّسع ويتسرّب خلال الأسابيع القليلة القادمة، وربما بضعة أيام، لنعاصر أحداثاً ما كنّا لنتوقع حدوثها قبل إدراكنا لنقطة البداية التي تقول:

إن أكرم إمام أوغلو، الوسطي، ابن العائلة المحافظة، المعتدل دينياً، التوافقي، الشاب الذي أثبت نشاطاً مميزاً أثناء تسلّمه رئاسة بلدية "بيلكدوزو" قبل رئاسة إسطنبول، الفائز بأصوات مختلف التيارات السياسية والدينية والقومية.. قد تمّ ترشيحه عن حزب الشعب دون رضا "كليجدار أوغلو" الزعيم (المتطرّف)، مقابل دعمه بالأصوات، من قبل الأطراف المستقيلة في العدالة والتنمية، وضمان فوزه برئاسة إسطنبول على حساب بن علي يلدرم.




تلك كانت نقطة البداية ثم تبعتها استقالة الشخصيات الاعتبارية من العدالة والتنمية، لتأتي لاحقاً بقية الخطوات المستقبلية حسب الخطة الموضوعة أدناه:

1- إعلان تشكيل الحزب الجديد مع ترجيح احتمالية استقالة عبد الله غُل وشخصيات أخرى.




2- استقالة أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري (الذي تسبّب إمام أوغلو بإثارة تذمّر الشارع التركي ضدّه نتيجة بعض القرارات الصادمة والمناقضة لخطابه قبيل الفوز، كرفع أسعار العديد من الخدمات والمتطلبات المعيشية، كالمواصلات والوقود والخبز..) وانضمام الأخير للحزب الجديد بزعامة داود أوغلو.




3- استقالة غالبية أعضاء العدالة والتنمية، من برلمانيين ووزراء وشخصيات اعتبارية وسياسية منه ومن مختلف الأحزاب الأخرى، وانضمامهم للحزب.




4- السعي للحصول على انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.




5- تهيئة داود أوغلو، على الأرجح، وترشيحه للرئاسة خلال الانتخابات المبكرة أو انتخابات 2023.

وبالرغم من كل ما ذكرناه، تبقى جميع الاحتمالات قابلة للتغيير أمام ما سيحصل في تركيا خلال الأشهر وربما الأسابيع القليلة القادمة.

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!