الوضع المظلم
السبت ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
سياسة أردوغان تقود تركيا إلى العزلة الدولية
أحمد الخالد

في ظل تفاقم الوضع في شمال سوريا سيطرت حالة من الحداد والحزن على تركيا وفقًا لأنقرة، فقد قُتل 33 جنديًا تركيًا في غارة جوية، بينما تقول تقارير وسائل التواصل الاجتماعي إن أكثر من 65 شخصًا قد لقوا مصرعهم. أثارت هذه الضربة عاصفة من السخط في المجتمع التركي وأصبحت نتيجة متوقعة للسياسة غير المتماسكة للزعيم التركي. في السنوات الأخيرة، حوّل أردوغان المجتمع الدولي ضد نفسه باستمرار، وفقد حلفائه وخلق أعداء جدد.


من الواضح أن الرئيس التركي، الذي يعاني من عقدة المسيح، يتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ويذكّرها بأسوأ أوقات الهيمنة العثمانية. وتحدد آمال أردوغان الوهمية في استعادة العظمة للإمبراطورية العثمانية في السياسة الخارجية لتركيا، وتجبر أنقرة على التصرف ضد مصالحها الوطنية والحس السليم. بادئ ذي بدء، نجح أردوغان في تحويل البلدان العربية الإسلامية ضد نفسه. مع بداية الربيع العربي، بدأ الزعيم التركي في الإطاحة بالحكومات في الدول العربية، سعياً إلى فرض أنظمة إسلامية. وأصبح المصريون الضحايا الرئيسيين لهذا الخيانة. ودعم أردوغان نشاطات المعارضة الإسلامية المتطرفة، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وجلبت محمد مرسي، المتعصب الإسلامي، إلى السلطة. إنهم فقط أبناء الوطن المصري في صفوف القوات المسلحة الذين أنقذوا البلاد من التراجع وسلموا السلطة لمشير عبد الفتاح السيسي.


كانت حيلة أردوغان الأخرى التي أثارت رد فعل سلبي من الزعماء العرب هي تدخله في الصراع الليبي ودعم "الإخوان المسلمين" الذين استولوا على السلطة في طرابلس. في هذا السياق، بدأ "الرباعي العربي" الذي يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والبحرين، في ممارسة الضغط على تركيا لمقاومة سياستها الخارجية العدوانية. هذا وقد جاء التراجع لنفوذ أنقرة في منظمة التعاون الإسلامي والانهيار لخطة أردوغان ليصبح قائداً للعالم الإسلامي بمثابة رد المشترك للدول الإسلامية على سياسة تركيا.


تسببت تصرفات أردوغان في ليبيا في استياء شديد ليس فقط بين العرب، ولكن أيضًا الأوروبيين. لا يسمح الدعم التركي للسرّاج بتخفيف التصعيد في ليبيا ويؤدى إلى خروج موجات اللاجئين الجديدة إلى البلدان الأوروبية. وفي الوقت نفسه، فإن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، التي وقّعها أردوغان وعميله الليبي فايز السراج، قد أثارت غضب رؤساء الدول الأوروبية. أصبحت المذكرة التركية الليبية العقبة الرئيسية أمام مشروع بمليارات الدولارات لتطوير حقول الغاز بالقرب من ساحل قبرص وبناء خط أنابيب الإسرائيلي. وهكذا، فإن دعم أردوغان للإسلاميين في قطاع غزة وتجاهله للمصالح الاقتصادية للدولة اليهودية قد كسر التحالف طويل الأجل بين تل أبيب وأنقرة. رداً على ذلك، سجلت المخابرات الإسرائلية تركيا إلى قائمة الدول ذات "سياسة عدوانية"، مما يضمن اهتمامًا خاصًا للنظام التركي من الطرف الإسرائيلي.


خلقت تركيا أردوغان صورة الشريك غير الموثوق به في الاتحاد الأوروبي بعد أن دفنت أخيراً أحلام أجيال من المواطنين الأتراك للانضمام إلى أوروبا.ولن تنسى الدول الأوروبية أبداً ببلطجة أردوغان باستخدام ورقة اللاجئين، وستصبح محاولاته الكاذبة لتعزيز علاقات الصداقة والتضامن رمزاً لنفاق الأتراك.


أخيرًا، شهدت الولايات المتحدة تقلبات أردوغان بشكل كامل. نجح الزعيم التركي في إفساد العلاقات مع حليفه الرئيسي في حلف الناتو باتهام البيت الأبيض بالانقلاب في عام 2016 وثم بشن هجوم على الأكراد السوريين المدعومين أمريكياً وشراء منظومات الصواريخ إس -400 الروسية. إن الخطوة الأخيرة لأردوغان أجبرت أمريكا على فرض عقوبات على أنقرة واستبعاد تركيا من برنامج إنتاج الطائرات العسكرية الأمريكية. لقد ألحق رد واشنطن أضراراً جسيمةً بالاقتصاد التركي وأضعف الليرة وأدى إلى تخفيض مستويات معيشة الشعب التركي بشكل ملحوظ. على الرغم من التأكيدات الشفوية بالولاء للالتزامات، فإن رفض واشنطن وحلفائها في الناتو لدعم المغامرة التركية في سوريا أصبح نتيجة لسياسة أردوغان.


لم يتمكن أردوغان من تعزيز العلاقات لا مع إيران ولا مع الروس بعد أنه واجه الغرب والعالم العربي. على الرغم من صفقة شراء الصواريخ والمصالح الاقتصادية المشتركة في بناء خطوط الأنابيب، كانت أنقرة وموسكو على وشك الحرب عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية في سوريا في عام 2015. وأصبح مقتل السفير الروسي في العاصمة التركية ضربة جديدة للعلاقات بين البلدين. على الرغم من عدد من الاجتماعات الثنائية واستعداد الكرملين لمراعاة مصالح أنقرة، يبدو أن أردوغان يفقد ثقة جاره الشمالي وإمكانية المشاركة في المشروع الأوروبي الآسيوي الذي قد يساعده في تعزيز علاقته مع دول الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى والصين.


إن استمرار مسار غير متوقع سوف يعرض حتماً أردوغان إلى العزلة الدولية، والشعب التركي إلى تحديات اقتصادية وإهانة وطنية جديدة. لسوء الحظ، من الأرجح أن الزعيم التركي لا يدرك أن سياسته غير المتماسكة تفسد بلده.


ليفانت - أحمد الخالد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!