الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
روسيا وأوكرانيا.. واستراتيجية التفكيك
خالد الزعتر

التحركات الروسية تجاه الأراضي الأوكرانية لا تعد بالأمر المفاجئ ، فهي تأتي في سياق التحركات الروسية السابقة تجاه جورجيا عام 2008، وشبه جزيرة القرم عام 2014، وهي خطوات أشعلت فتيلها السياسة الغربية منذ عام  2004، وبتحركاتها تجاه أوكرانيا، والتي سميت الثورة البرتقالية مروراً بالثورة الأوكرانية التي اندلعت في العام 2013، وهي محاولة السيطرة على ما تعتبره موسكو ضمن مناطق نفوذها.

إن المتابع للسياسة الغربية يجد أنها تحاول جر أوكرانيا إلى مربع التبعية الغربية، وبالتالي خلق منها تهديداً لروسيا، ولذلك فإن التحركات الروسية تجاه أوكرانيا في العقلية السياسية الروسية هي استعادة ما تعتبره أحد مناطق نفوذها، وعرقلة وإيجاد أرضية خصبة لتواجد حلف الناتو بالقرب من حدودها.

التمدد العسكري الروسي نحو أوكرانيا يحمل معه طموحات روسية بإعادة بناء حدود القوة السوفيتية وإعادة بناء مجد قوة روسيا القيصرية والإصرار على الحفاظ على مناطق النفوذ التي ينظر لها بأنها كانت جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية، فالعقلية السياسية الروسية منذ احتلال جورجيا، مروراً بأزمة سوريا، وصولاً إلى ضم شبه جزيرة القرم، المتابع لتحركاتها، يجد أنها باتت تنظر للمتغيرات على الصعيد الدولي بأن الفرص مؤاتية لاستغلال التراجع الأمريكي والتغيير الحاصل في شكل النظام الدولي الآخذ في التعددية القطبية، ولذلك يريد الروس عبر التعزيزات العسكرية على الحدود الأوكرانية إرسال رسائل للغرب بأنه قد ولت الأيام التي كانت فيها الكتلة الغربية تحكم العالم وترسم الخطوط الحمراء.

لن تذهب روسيا إلى مغامرة عسكرية، كما فعل الاتحاد السوفيتي بالغزو العسكري لأفغانستان، والذي كانت هذه الخطوة عاملاً مساهماً في تفكيك الاتحاد السوفيتي، ولذلك فإن روسيا الاتحادية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين سوف تكون أكثر حرصاً على عدم الانزلاق إلى المواجهة العسكرية مع الأوكرانيين، ومن ثم تأليب الرأي العام العالمي ضدها، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي، ومن هنا نجد أن روسيا تنتهج استراتيجية التفكيك تجاه أوكرانيا، والتي كانت البداية بالاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك الواقعتين شرق أوكرانيا، والاستفادة من حالة الصراع في الداخل الأوكراني وتوظيف ذلك الصراع في خدمة السياسة الروسية الرامية إلى الاحتفاظ بنفوذها في الداخل الأوكراني.

بدا واضحاً أنّ العقلية السياسية الروسية بدأت في تنفيذ استراتيجية التفكيك تجاه أوكرانيا منذ عام 2014، والتي كانت، في 17 مارس، عبر موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مشروع معاهدة لانضمام جمهورية القرم إلى روسيا الاتحادية، واليوم التاريخ يعيد نفسه، مع الاعتراف الروسي باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك الواقعتين شرق أوكرانيا، وهذا الاعتراف الروسي باستقلال هاتين المنطقتين ما هو إلا البداية لاستنساخ نموذج جزيرة القرم، وذلك بتمهيد الطريق لضم المنطقتين إلى روسيا الاتحادية، كما أن استقلال هاتين المنطقتين والاعتراف بهما كدولتين مستقلتين، هي محاولة روسية لإعطاء نفسها الحق في التدخل العسكري لحماية هذه الكيانات السياسية الجديدة، وبالتالي خلق غطاء شعبي للتدخل العسكري الروسي بأنه لحماية حق الشعوب في دونيتسك ولوغانسك في تقرير مصيرهم، وبذلك تحاول روسيا أن تلعب تجاه أوكرانيا على نفس الوتر الذي كانت تلعب فيه الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، والمغلف بشعارات الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

 

ليفانت - خالد الزعتر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!