-
د.عبد القادر نعناع لليفانت: الخطاب التحريضيّ مخدّر لمستمعيه ولصاحبه أيضاً
حاورته: نور مارتيني
- اللجوء إلى الهويات الفرعية وتجييشها، هو البديل عند انهيار الهوية الوطنية الجامعة، التي لم تعد توفر ضمانة لأصحابها
- من أسباب استقالة المثقف، اشتغال خارجي غير مرئي، على دعم شخصيات بعينها، والترويج لخطابها، قد لا تكون أهلاً لذلك، وإقصاء آخرين بشكل متعمد، فيما يطلق البعض عليه مصطلح “تكريس الرداءة”.
- كثير من الأفراد، لم يعد مهتماً بأن يكلف نفسه عناء البحث، وأوكل هذه المهمة لشخصيات بعينها، تقدم له خطاباً مرئياً غالباً، فالاستقالة تتسع حتى طالت الاستقالة من فعل القراءة.
- المعرفة فعل شاق، شاق في الحصول عليه، وشاق في ترسيخه في العقل، وشاق في تبيئته مع محيط الفرد، وشاق في تطويره.
- من الطبيعي أنه وحين يحوز الفرد على عشرات الآلاف من المتابعين، دون أن يكون صاحب مُنتَج فكري أو خدمة عامة، من الطبيعي أن يعتقد بسموه على من سواه، وأن يرفض أن يُنقَد، بل بات له “شبيحته” الذين يختصّون بالتهجم على كل مخالف لرأيه.
فتح الفضاء الافتراضي الحبل على الغارب، لمختلف الأشخاص، على تفاوت درجات النضج المعرفي لديهم، من الإدلاء بدلوهم، واستقطاب قاعدة جماهيرية معينة، تلتقي مع طروحاتهم؛ ساهم في ذلك أوسمة حسن سلوك تنهال من هنا وهناك، مستندة إلى عوامل شتى، بينها الّروابط الأسرية، والتقارب الاجتماعي، وحتى التقاء الميول السياسية. عبد القادر نعناع
بقدر ما أسهم هذا الفضاء في كسر الأغلال المفروضة على الكلمة، ومنح هامش للكثيرين للتعبير عن آرائهم، إلا أنّه في مرحلة ما، أسهم في تسويق فقاعات هوائية، ومنحها حجماً أكبر مما يليق بها، سيما في ظلّ انكفاء الكثير من المثقّفين وأصحاب العلم على ذواتهم، وتفضيلهم النأي بأنفسهم وبآرائهم عن السجالات التي تدور في هذه الفضاءات، والتي لا تليق في حال من الأحوال بمكانتهم الثقافية، وبسبب إدراكهم لشعبوية هذه المنابر، التي تعتمد الإعجاب (اللايك) في تقييم المنتج الثقافي، وهو ما لا يليق بهذا المنتج بطبيعة الحال.
ليفانت نيوز التقت د. عبد القادر نعناع، وهو باحث وأكاديمي سوري، حائز على درجة الدكتوراة في الدراسات السياسية (2013-2017)، من معهد البحوث والدراسات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (القاهرة: جامعة الدول العربية). بتقدير مرتبة الشرف الأولى، والذي ناقش الكثير من الطروحات المتعلّقة بالشأن المعرفي، والبيئة الثقافية، إلى جانب البحث في الجانب الفلسفي والمعرفي في آلية تشكّل الظواهر الصوتية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وسبل النهوض بهذه البيئة انطلاقاً من وسائل التواصل الاجتماعي نفسها، فكان لنا معه الحوار التالي: عبد القادر نعناع
- تناولت في واحد من منشوراتك الأخيرة على موقع فيسبوك خطاب الكراهية، ومفاهيم العنصرية والطائفية التي يضجّ بها الفضاء الافتراضي، وحمّلت المسؤولية لمن أسميتهم “كبار الشخصيات”، من هم هؤلاء الذين أطلقت عليهم هذه الصفة؟ وهل يكفي أن يكون لدى الشخص 5000 صديقاً على الفيسبوك ليكون من كبار الشخصيات؟
بدايةً، تمّت تسميتهم بمشاهير الفيسبوك وبعض النخب، وبالتالي، الحديث هنا عن شخصيات تمتلك إحدى خاصيتين، أو كليهما معاً، وهما:
أولهما، خطاب مؤثر في الرأي العام، سببه الرئيس وسائل التواصل الاجتماعي، ونرى هنا أنّ شريحة ممّن امتلك جمهوراً واسعاً، استخدم خطاباً شعبوياً، ونقصد به التحريض العاطفي لجمهوره، في عملية تضليل للذات وللآخر. وغالباً ما تمّ اللجوء إلى التعبئة المذهبية/الطائفية، أو القومية/العرقية، أو الجهوية، لبناء هذا الحاضن. ومن الطبيعي أن يجد حاضناً له في ظل حالة انهيار مجتمعي سياسي، مستمرة، منذ عشرة أعوام. فاللجوء هنا إلى الهويات الفرعية وتجييشها، هو البديل عند انهيار الهوية الوطنية الجامعة، التي لم تعد توفر ضمانة لأصحابها. عبد القادر نعناع
اقرأ المزيد: ميركل ستعود للعمل الأكاديمي
لكن لا يشترط أن يكون هذا التحريض طائفياً أو عرقياً، فقد يكون خطاباً مُضلِّلاً فقط، بمعنى أنه يحاول تفسير أحداث سياسية وتقديم رؤى مفرطة في تفاؤلها “التفاؤل الساذج”، غير مبينة على أسس علمية، لا يملكها بالأساس أصحاب هذا الخطاب، وبالتالي يكون خطاباً شعبوياً بمعنى أنه يضلل نفسه والآخرين، من خلال وعود بنصر أو اجتياح أو سقوط.
وهناك خطاب شبيه به، وهو الخطاب الديماغوجي، وأصحابه أكثر تلاعباً بمشاعر أتباعهم، حيث أنهم يعلمون أن ما يقولونه حملة تضليل وتلاعب بالمشاعر، لكنه مجدٍ لهم على المستوى الشخصي.
ما يسعى له أصحاب هذه الخطابات، هو الشهرة والمنفعة الشخصية، وقد يترافق ذلك مع ترويج وجهة نظر تقوم على مبدأ “المعرفة الفطرية”، أي تلك المعرفة الشفاهية المتناقلة التي لا تحتاج لكثير جهد، أو أنها قائمة على تجميع أفكار مشتتة على عجل.
وطبعاً، لا أقصد من حاز على بضعة آلاف من الأصدقاء/المتابعين، لكن الحديث هنا، على من يحوز عشرات الآلاف منهم، ليصبح واحداً من صنّاع الرأي العام، وحيث أنه لا سلطة لدينا تُقنِّن لنا حرياتنا الفكرية، فإن المسؤولية ذاتية انتقائية غير موثوق بضبطها دائماً.
أما أصحاب الخاصية الثانية، فهم جزء من نخب تحوز على معرفة واسعة، أو مناصب عليا في مؤسسات المعارضة، ورغم أنّ جمهورها غير واسع كما الشريحة السابقة، إلا أن خطابها بالغ التأثير نتيجة موقعها العلمي/الوظيفي، وهي أمام نفس المسؤولية الذاتية، وإن كانت هفوات هذه الشريحة وخطاباتها التحريضية أقل انتشاراً، لكن تأثيرها سريع الانتشار (معها/ضدها). عبد القادر نعناع
- بالعودة للسؤال السابق، العديد من الشخصيات العامة آثرت أن تنكفئ على نفسها، وتحتجب عن وسائل التواصل الاجتماعي، وبينهم أكاديميون وباحثون، برأيك هل كان ذلك واحداً من عوامل انحدار مستوى المحتوى الثقافي والفكري الذي يقدم لعامة الناس عبر هذه الوسائل؟
للتنبيه، هناك الكثير من النخب الثقافية السورية، التي تشتغل حثيثاً، على تصحيح الخلل الواقع في البيئة الثقافية السورية، وتطويرها. وهي نخب تحوز على تقدير البيئة الثقافية السورية، ولا يمكن أن ننكر دورها. لكن حديثنا يتناول شريحة أخرى فوضوية أو تهديمية أو غير أهل لما تقوم به.
أما بخصوص السؤال، فهذا يحيلنا إلى مصطلح “استقالة المثقف”، وأسباب الاستقالة عديدة ولا يمكن حصرها، لكن أبرز أسبابها:
– الانشغال بتأمين الحياة الشخصية، في ظل ضغط معاشي بالغ الحدة. عبد القادر نعناع
– أو ابتعاد عما يطال البعض من ضغط وخطاب شتائم وتهديد.
– يأس من إمكانية خلق مسارات مثمرة، في ظل انهيار سياسي واقتصادي ومعرفي.
عموماً، منذ أن أعلن النظام الحرب على الشعب السوري، ونحن في مسار انهيار متكامل، فلا يمكن أن نرى انهياراً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، في حين يكون نتاجنا الفكري أو الأدبي في حالة متقدمة. هي حزمة متكاملة لا يمكن الفصل بين مكوناتها، ومن الطبيعي أن نرى كثيراً من “استقالات المثقفين”، نتيجة إدراكهم أن جهداً مهدوراً سيتم صرفه، دون عائد معرفي أو سواه.
هناك أسباب أخرى للاستقالة هذه، تتمثل في حالة الشتات السوري الواسع، ورغم كل ما تقدمه لنا تقنيات التواصل، إلا أن هناك فجوات تتسع بين المثقفين السوريين. حتى بتنا أمام ثقافات سورية عديدة/متباينة متأثرة بدول الشتات (دول المهاجر والملاجئ)، فهناك ثقافة سورية سويدية مثلاً، تختلف كثيراً مع الثقافة السورية السعودية، وقد لا تلتقيان إلا حول بضعة مبادئ رئيسة (إسقاط النظام مثلاً، وربّما فقط، وربما لا).
اقرأ المزيد: وليد البني لليفانت: سبب استمرار النظام السوري هو كونه ممسوكاً وليس متماسكاًً!
من تلك الأسباب أيضاً، اشتغال خارجي غير مرئي، على دعم شخصيات بعينها، والترويج لخطابها، قد لا تكون أهلاً لذلك، وإقصاء آخرين بشكل متعمد، فيما يطلق البعض عليه مصطلح “تكريس الرداءة”. من خلال فرض تلك الشخصيات على البيئة الثقافية السورية.
طبعاً، استقالة المثقف، تقود إلى خلق فجوات في البيئة الثقافية السورية، تسمح لآخرين بملئها، وفيما كان المسار الطبيعي، يتمثل في ظهور جيل جديد من المثقفين يرث هذه الفراغات، فإننا وبعد الثورة، بتنا نشهد جيلاً من اليوتيبريين والمدونيين على صفحات التواصل الاجتماعي، هم من اندفعوا لملء هذه الفراغات، وفرض خطاباتهم التحريضية/العاطفية.
- ثمة مفاهيم كثيرة يتم استخدامها في غير السياق المناسب لها، ما أدى إلى اختلاط المفاهيم على الناس، على سبيل المثال العنصرية، الخطاب المتعالي، أو غير المتوازن، الجندرة، التنمّر، التناص الأدبي، كيف يمكن للإعلام والنخب المثقفة تقديم المعلومة للناس العاديين عبر وسائل الإعلام المتاحة، بحيث تساهم في تصويب هذه المفاهيم الخاطئة؟
كما ذكرت مسبقاً، نحن في حالة فوضى على كافة الأصعدة، وليس وارداً ضبط هذه المصطلحات وشرحها للرأي العام بطريقة سوية. حيث أنه: عبد القادر نعناع
أدى امتلاء الرأي العام، بالوافدين الجدد (أصحاب الخطابات التحريضية)، إلى الاستحواذ على وقت بالغ الأهمية من المتابعين، وكثير منهم بالأساس لا يمتلك آليات تمحيص ما يقدم له من معرفة، والتأكد من صحتها. وأضيف إلى ذلك، ضيق الوقت، ومحاولة الإلمام بكل ما يجري في الساحة السورية، وغير السورية.
فلكل فرد مرجعياته التي يثق بها، على قاعدة (الشيخ والمريد)، وهنا يظهر لدينا استقالة الفرد، وهي رديفة لاستقالة المثقف. فكثير من الأفراد، لم يعد مهتماً بأن يكلف نفسه عناء البحث، وأوكل هذه المهمة لشخصيات بعينها، تقدم له خطاباً مرئياً غالباً، فالاستقالة تتسع حتى طالت الاستقالة من فعل القراءة، ونرى اليوم كثيراً من النصائح التي توجه لمن يرغب بالشرهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتماد التسجيلات المرئية “فالجمهور لا يقرأ”.
أما أصحاب المسؤولية في ذلك، النخب المطلعة، فهي إما حاضرة بشكل نضالي مُرهقٍ لها، أو بشكل ضيق، أو مستقيلة، وإما أن خطابها منغلق على ذاته، أو لا جمهور له، أو أنها انساقت في خطابات التحريض العاطفي.
- تطبيق فيسبوك هو من أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شعبية وشعبوية في الوفت ذاته، كيف تقيّم دور هذا التطبيق في الترويج لنظريات غير مسؤولة، وحالات تجييش استخدم فيها التنمر لفرض وجهات نظر بعيدة عن الصواب؟
طبعاً تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بدور ذي مسارين، ففي حين تقدم لنا نتائج بالغة الإيجابية لناحية إيصال المعرفة وتقريب الأشخاص من بعضهم. إلا أنها وبذات المستوى، تساهم في نشر الفوضى الفكرية، وربما حالة من التجهيل العام.
يجب أن نلاحظ، أن المعرفة فعل شاق، شاق في الحصول عليه (رغم كل ما هو متاح لنا)، وشاق في ترسيخه في العقل، وشاق في تبيئته مع محيط الفرد، وشاق في تطويره. لذا يقال “من تعلّم تألم”، ويقال “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”.
عوضاً عن ذلك، ما يُقدَّم من “معرفة مُضلَّلة ومُضلِّلة”، سلسة ومستساغة، مغلفة بخطاب عاطفي “ديني غالباً”، هو أمر ممتع لا شقاء في الحصول عليه، وبالتالي تقبّله أكثر يسراً من تقبل نقد الذات، أو تقبل خطاب يُحمِّل الذات مسؤولية الإخفاق، ويحملها مسؤولية إعادة الاشتغال لبناء الذات، ويُلزِمها بالبحث والعمل والكد.
طبعاً، هنا تحديداً، يتم تفضيل خطاب المؤامرة وتثقيل حضوره في الرأي العام، أي أنّه كلما شهدنا تراجعاً معرفياً، كلما كان خطاب المؤامرة أكثر قبولاً في الرأي العام. عبد القادر نعناع
فهناك حالات نراها تتكرر مع بعضها بشكل واضح، تبدأ من نظرية المؤامرة باعتبار أنّ صاحبها ضحية اشتغال خارجي عليه، لأسباب عدة، في مقدمتها سموه الأخلاقي أو العلمي أو العرقي أو الديني، لتتحوّل المؤامرة لاحقاً إلى مظلومية، على اعتبار أنّ المتآمرين عليه يعيقون تطوره، وبالتالي يجد تبريرات لعدم اشتغاله على ذاته دوماً (المهمة منجزة سلفاً)، ويعتكف على ماضيه أو يجترّه باعتباره إنجازاً لا مثيل له أو يسعى للعودة له (النكوص).
رغم أنّ هذه الحالات ترتبط بالأقليات غالباً في الدول غير الديموقراطية، لكنها توسّعت لتشمل كثيراً من فئات المجتمع غير الديموقراطي، ونلحظ أنّها تترافق أيضاً بجهل معرفي بالآخر، أو الانغلاق المعرفي على فكرة عتيقة، لتنتج حالة عدائية تجاه الآخر (بغض النظر عن الآخر)، فالكل أصبح عدواً.
هذه المترافقات هي: نظرية المؤامرة، السمو، المظلومية، عدم المسؤولية، النكوص التاريخي، الخلل المعرفي، العدائية.
اقرأ المزيد: سهير الأتاسي لليفانت..أخطائي لم تكن كبيرة جداً وأهمها التعاون مع وسام طريف
ونلحظ، أن بعض مشاهير وسائل التواصل الذين نعنيهم، يتكرر في خطابهم، أفكار المؤامرة والنصر الإلهي الموعود وسمو الجماعة على من سواها وضرورة الانتقام من “الآخر” وهنا المقصود “الجماعة الأخرى كاملة، باعتبارها عدواً مطلقاً ونهائياً”، بل وقد نرى دعوات إلى تبني استبداد جديد قائم على استبداد جماعة تحوز أكثرية ما (أكثرية جهوية داخل سورية، أو عامة).
طبعاً، تأثير هذا الخطاب شبيه بتأثير المواد المخدرة، حيث يشعر أتباعه برضى بالغ وانتصار فردي وجماعي، وإنجاز ما هو مطلوب، وبالتالي لا يعود هناك حاجة إلى مزيد من المعرفة.
ويطول الموضوع في ذلك، ويحتاج إلى خبراء في علم النفس والسلوك، لتبيان ما له من آثار بالغة السلبية. عبد القادر نعناع
بالعودة إلى السؤال، من الطبيعي أنه وحين يحوز الفرد على عشرات الآلاف من المتابعين، دون أن يكون صاحب مُنتَج فكري أو خدمة عامة، من الطبيعي أن يعتقد بسموه على من سواه، وأن يرفض أن يُنقَد، بل بات له “شبيحته” الذين يختصّون بالتهجم على كل مخالف، في ظل خطاب شتائم سائد في البيئة السورية، يطال الأعراض، ويدفع كثيرين إلى تجنب مناقشة أحدهم، خشية هذه الخطابات (الاستقالة من النقاش).
- ميزة البث المباشر التي يتيحها تطبيق فيسبوك، استخدمت بشكل بالغ السوء من قبل بعض المهووسين، فكان أقلّ أضرارها تلويث الجو الثقافي العام، ووصل الأمر ببعضهم إلى حد ارتكاب جرائم وتصويرها مباشرة، ضمن ثقافة جمع اللايكات (الإعجابات)، هل يتحمّل مسؤولية هذا الموضوع القائمون على موقع فيسبوك، أم أن اللايك (الإعجاب) مدمّر بذات درجة الدمار التي يقدّمها هؤلاء المهووسون؟
موضوع البث المباشر، هو تطور مهم كذلك، بوجهيه الإيجابي والسلبي، وحيث أننا نتناول الجانب السلبي، فإنه قدّم لأصحاب تلك الخطابات منبراً مهماً ومباشراً، لتكريس ما سبق وأن تطرقنا إليه.
المسؤولية الأولى فردية وهي غائبة عن هذه الشخصيات، والمسؤولية الثانية جماعية من قبل المتابعين، والمسؤولية الثالثة نخبوية من قبل المثقفين، وبعدها تأتي مسؤولية الفيسبوك الذي لن يمنع ظهور أصحاب هذه الخطابات، فليس من شأنه ضبط الثقافات في مجتمعات الكرة الأرضية. عدا عن انحيازات أصحابه لخطابات ضد أخرى، وغياب معايير واضحة لذلك.
أما حول حصد الإعجابات، فكما أن الخطاب التحريضي مُخدِّر لمستمعيه، فإنه مُخدِّر لصاحبه كذلك، وخصوصاً إن كان يسعى لشهرة، أو لديه اضطرابات نفسية، أو أنه لا يملك ما يقدمه بشكل حقيقي، مع عدم الرضا عن الذات، ويتحول الموضوع إلى حالة عدم إشباع مزمنة، تزداد ضراوة مع ازدياد الشهرة.
ونرى البعض يعرّض نفسه لحملات تشويه سمعة، أو اختلاق أحداث، أو ادعاء مرض أو موت، بهدف إعادة تسليط الأضواء ثانية عليه. إذاً، هو نوع من أنواع المرض النفسي، الذي يحتاج إلى كثير معالجة.
- كأكاديمي في مجال العلوم السياسية تعنى في مستقبل سوريا، من أين ينبغي البدء لصياغة عقد اجتماعي جديد، نخرج فيه من القوالب المزيفة التي وضعنا فيها النظام السوري قرابة الخمسين عاماً؟
ما نحتاجه لضبط هذه الاختلالات، محددان أساسيان، غير متوفرين لنا:
– الأول، سلطةٌ ضابطةٌ حاكمة، ما بعد ثورية، وهو استحقاقٌ مؤجّلٌ إلى ما بعد التغيير السياسي في سورية، ونحن بالتالي محكومون باستمرار تلك الاختلالات لفترة قادمة.
– وثانيها، ضبطٌ نخبويّ، من خلال تحديد أطرٍ عامّة، مقبولةٍ للاشتغال في الشأن العام، ورفض تلك الخطابات التحريضية العصبوية. وهو محددٌ من الصعب الاتفاق حوله، نتيجة انقساماتنا الحادّة التي أعاقت بناء خطابٍ سياسيٍ جامع، يؤسس لهوية سورية جديدة.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!