الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
خطط لاستبعاد إيران من إطار مشروع الحزام والطريق
أنس ماماش

في الحرب الأخيرة التي شهدتها المنطقة بين أرمينيا وأذربيجان، والتي دامت 44 يوماً، والدعم الذي قدمته تركيا للأخيرة من خلال الجماعات الجهادية التي استقدمتها من سوريا وليبيا لتحارب مع أذربيجان ضد الجيش الأرمني، والتي كانت السبب الرئيس في كسب أذربيجان للحرب على طاولة التسوية المقررة في التحكيم الروسي. مشروع 


حيث سعت تركيا جاهدة لتنفيذ رغبتها في تطوير مشروع الطرق مع الصين، ولعدم استطاعة أنقرة أن تجد لنفسها مكاناً على كل من طريق الشمال، الذي سيمر عبر روسيا ضمن المشروع الصيني "الحزام والطريق"، أو ما يُعرف (طريق الحرير الجديد )، وكذلك من الطريق الجنوبي الذي سيمرّ عبر إيران، وبالتالي تعرّضت خطط تركيا لفتح ممر وسطي يبدأ من (ناختشيفان إلى أذربيجان مروراً بالآراضي الأرمنية) للتحدّي الكبير نتيجة الحركة المرورية الدبلوماسية الإيرانية التي قامت بها حكومة طهران مؤخراً.


السبب الرئيس من سعي حكومة أنقرة لفتح ممر ناختشيفان 


تحاول تركيا من خلال فتح هذا الممر (ناختشيفان) الوصول إلى مناطق آسيا الوسطى، ولكي تصل أنقرة لهدفها هذا تسعى جاهدة لإبرام محادثات السلام تحت الوصاية الروسية بين حكومتي باكو ويريفان.


وكما هو معروف، قامت تركيا بتوقيع اتفاقية التعاون التجاري مع أذربيجان (خط أنابيب غاز ناختشيفان)، والتي حققت ما يقارب 4 مليارات دولار من الأرباح، حيث تجد تركيا أنّ فتح هذا الممر الذي يمر من أرمينيا وصولاً بأذربيجان مرتبط تماماً بتقدم هذه الاتفاقية بشكل أفضل، وبالتالي تكون أنقرة قد ضربت عصفورين بحجرٍ واحد وهو كالتالي:


- الوصول إلى موارد الغاز الطبيعي في أذربيجان بطريقة شرعية وقانونية.


-الطريق البديل لمشروع طريق الحرير الجديد مع الصين وتحدي روسيا وإيران.


وبإعتبار أنّ تركيا تشكل الممر الذي يربط آسيا الوسطى بأوربا، تقوم أنقرة باستغلال هذه الميّزة من خلال تطوير مشروع (الممر المركزي البديل) ليكون بديلاً عن الممرين البريين اللذين يمران جنوباً من إيران وإلى الطريق السريع الشمالي من روسيا، محاولة تعطيل طهران وموسكو للوصول إلى المشروع الصيني طريق الحرير.


الأسباب التي قد تؤدّي لفشل الحكومة التركية في تحقيق هدفها


يبدو أنّ التحرّك التركي لأجل تحقيق هدفه بفتح الممر محكوم عليه بالفشل، ذلك بسبب العلاقات الروسية والإيرانية الجيدة، والتي تطورت في السنوات السابقة مع الصين، فمشاريع التوليد والطرق في إيران أقوى بالمقارنة مع تركيا هذه من جهة، ومن جهة أخرى موقع إيران البحري له أهمية حيوية لمشروع طريق الحرير بالنسبة للصين، وكذلك العلاقات الاستراتيجية العميقة التي تجمع طهران وبكين، واعتماد الأخيرة على النفط الإيراني الذي أصبح أرخص نتيجة الحظر الأمريكي، بالتالي تكون إيران أكثر امتيازاً في هذا المشروع من تركيا.


في واقع الأمر، تم توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي شامل بين الصين وإيران في عام 2016، ونتيجة لهذه الاتفاقية دعمت الصين مشاريع القطارات عالية السرعة في إيران منذ عام 2017. في الوقت نفسه، تريد الصين القيام بأنشطة نقل النفط في مضيق هرمز.


في هذا السياق، تحاول الصين بناء موانئ جديدة في إيران، تراها شريك لا غنى عنه في النقل البري والبحري في مشروع الحزام والطرق.


الدور الإيراني في المنطقة وتأثيره في إخفاق الخطط التركيّة


في الحقيقة، إنّ ما يقلق إيران سعي تركيا في تحقيق مخططها لفتح ممر بينها وبين أذربيجان، هو التأثير السلبي الذي سيطرأ على حركة بيع الغاز الطبيعي الإيراني، فعند وصول الغاز الأذربيجاني إلى تركيا سيُقلل الاعتماد على غاز إيران، بل سيُقطع التدفق الطبيعي للغاز الإيراني، ذلك لأنّ إيران هي المورد الوحيد والكبير للغاز الطبيعي لتركيا من جهة، ومن جهة أخرى، دور إيران في مشروع الحزام والطريق، حيث إنّ طهران تشكل  العمود الفقري للمشروع، وبالتالي هذا الممر يهدّد بضرب مصالح إيران في عدة اتجاهات، لذا ستستخدم طهران نفوذها على أرمينيا وستبذل قصارى جهدها لمنع فتح هذا الممر أو تأخير فتحه على الأقل في الوقت الراهن.


السبب الرئيس للتدخل العسكري التركي في الحرب الدائرة بين الجارتان والعدوتان 


إنّ الهدف الرئيس من الحرب التي خاضتها باكو، والتي كانت مدعومة بالجهاديين المرسلين من قبل تركيا لناغورنو كارباخ، ليس فقط من أجل استعادة الأراضي الأذريبجانية المحتلة كما تدّعي باكو، إنّما الهدف الحقيقي والأهم هو تنفيذ المخطط التركي في فتح هذا الممر، فناغورنو ليست مهمة للغاية بالنسبة لأنقرة بقدر أهمية فتح ممر ناختشيفان عبر أرمينيا لتصل تركيا من خلالها إلى الجمهوريات التركية الصغيرة (الدول التي تتحدّث اللغة التركية) في آسيا الوسطى، وبالتالي ستقع تركيا مجبرةً تحت رحمة حكومة أرمينيا، وعلى ما يبدو إنّ مشروع "الحزام والطريق"، الذي ينال اهتماماً شديداً من قبل تركيا، محكوم عليه بالفشل.


أرمينيا على الرغم من الخسارة ما تزال الأقوى 


المثير للاهتمام، وعلى الرغم من خسارة أرمينيا لأجزاء من أراضيها في العمل العسكري الأخير، لكنها ما تزال صاحبة الموقف واليد الأقوى، فحكومة يريفان تدرك تماماً مدى أهمية هذا الممر بالنسبة لكل من أنقرة وباكو، أنقرة التي لم يتم تضمينها ضمن محادثات التسوية التي حدثت تحت الوصاية الروسيّة، وبالتالي لن تسمح أرمينيا بفتح هذا الممر بسهولة ودون تنازلات كبيرة من الجانب الأذربيجاني، فناختشيفان أكثر أهمية من ناغورنو بالنسبة لتركيا، وفي الأيام القليلة القادمة قد يكون من الممكن رؤية عودة أجزاء من الأراضي التي خسرتها أرمينيا لسيطرتها مرة أخرى، في حال حدوث تنازلات كبيرة قد تقرّر جمهورية أرمينيا وقتها فتح هذا الممر، وهذا مجرد احتمال، وحينها سيتضح الموقف الإيراني والروسي، والذي سيكون على الأغلب حاسماً.


هل ستبقى إيران مكتوفة الأيدي في حال فتح الممر؟ 


لقد خططت تركيا ضد إيران في القوقاز كثيراً، ولكي تحافظ تركيا على طرق تجارتها من جهة، ولتصل الصين بأوربا من جهة أخرى، وكذلك لتصل هي أيضاً وعن طريق أذربيجان إلى الجمهوريات التركية الصغيرة في آسيا الوسطى، لا بد لها من المكافحة لأجل تنفيذ خطة الممر المركزي البديل، وبالطبع إيران لن تقف مكتوفة الأيدي. حيث تعمل طهران على مجموعة من الصيغ تهدف إلى تعطيل المسار التركي.


إنّ إيران ولكي تحافظ على دورها في مشروع "الحزام والطريق" تاركة تركيا وراءها، اتّخذت طريقاً يبدأ من العراق مروراً بسوريا ولبنان، لتصل حكومة طهران من خلالها إلى البحر المتوسط، حيث أجرى وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، مؤخراً اتصالات دبلوماسية مع باكو وموسكو وتبليسي ويريفان. تتم هذه الزيارات في وقت تمّت قراءة عميقة منه لمنع مصالح تركيا في المنطقة.


تسعى إيران ومن خلال إيجاد حلول بديلة لمنع مشروع فتح الممر بين باكو وأنقرة، الذي يضر بمصالحها، وتجري محادثات دبلوماسية مع دول الجوار على هذا الأساس، حيث تحاول خلق المصالحة بين أرمينيا وأذربيجان على أرضية مشتركة، فبعد حرب ناغورنو لم تستطع تركيا أن تجد لنفسها مكاناً على طاولة الحلول، ولتحمي مصالحها في المنطقة تريد أن تتعاون مع روسيا وإيران، وهي على يقين بأنّ فتح الممر يعارض مصالح الدولتين، وهي لا تستطيع فتحه رغماً عنهما، لذا لجأت إلى حيلةٍ جديدة ألا وهي أنّها تعمل على صيغة تخدم مصالح  الجميع.


الصيغة التي خرجت بها الحكومة التركية 


هذه الصيغة التي تسمّيها تركيا 3+3 تتطبق كالآتي:


المجموعة الثلاثية الأولى: تتولّى روسيا منصب الحكم وفقاً للصيغة، باعتبارها صاحبة النفوذ الأقوى في المنطقة، إلى جانب القوتين الإقليميتين، إيران وتركيا.


المجموعة الثلاثية الثانية: أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، الدول الثلاث الصغيرة، وذات القوى المحدودة في المنطقة، حيث تدعّي تركيا بأنّها ستجعل الجميع يقبلون هذا الصيغة كما تدّعي بأنّه لن يكون مصدر ضرر لأحد.


السؤال الذي يطرح نفسه، في حال تم فتح الممر المركزي البديل، هل من المعقول عدم تضرّر المصالح الروسية والإيرانية؟. مشروع 


أنس ماماش


ليفانت - أنس ماماش  

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!