الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
حرائق قلوب السوريين
عبد السلام حاج بكري

الحرائق التي اشتعلت في غابات غرب سورية خلال الفترة الماضية، والتي قضت على غالبية المساحة الحراجية في المنطقتين، الساحلية والوسطى، فاقت ما اعتاده السوريون من حرائق في مثل هذا التوقيت من كل عام، من حيث المساحة والخسائر المتوقعة منها وتعدّد منابع اندلاعها، والأهم من ذلك اختلاف الغاية من إشعالها وعدم جدية أجهزة النظام المختصّة في إطفائها.


لا شك أنّ أجواء الحرارة المرتفعة وانعدام الرطوبة التي تعيشها سورية في هذه الفترة، مع اقتراب دخول فصل الخريف، أسهمت بشكل كبير في تمدّد الحرائق وتوسعها بسبب تجفيفها التام للأغصان والأوراق المتساقطة، وهذا ظرف تعيشه وتعاني منه غابات العالم دون استثناء.


يدرك المتابعون الأسباب الحقيقة المألوفة التي تقف خلف اشتعال الغابات سنوياً في سوريا، وهي أنّها تمهد الطريق أمام الشبيحة لتحويلها إلى فحم يبيعونه بأسعار مرتفعة في السوق المحلية، وفي الدول المجاورة، إذ يعود عليهم بأرباح طائلة، وهو أمر دأبوا عليه منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ويحمل فواز الأسد، ابن عم رأس النظام، براءة اختراع هذه الجريمة بحق المساحات الخضراء -على قلّتها- في سورية أمام مرأى عمّه حافظ، وداوم على حرقها حتى وفاته، وورثه أقرباؤه بارتكاب هذ المجزرة البيئية.


حرائق هذا العام تحمل دلالات جديدة على جرائم أكبر يعمل النظام على التحضير لها، وليس أقلّها، تحويل مساحات واسعة منها للاستثمار العقاري والزراعي ومنحها لكبار ضباطه في الجيش والمخابرات، يضاف إلى ذلك، المعلومات التي ترد بغزارة عن اكتشافات أثرية في كثير من المواقع، تعيق الأشجار الكثيفة الوصول إليها والتنقيب عنها، مما دفع القيادات الأمنية، حسب مصادر متقاطعة، بالإيعاز لعناصرهم بإشعال النيران في أماكن متعددة للتمويه على المواقع التي سيشقّون الطرقات فيها تمهيداً للتنقيب عن آثارها، وقد سبقهم إلى هذا السلوك رفعت الأسد عم رأس النظام، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حيث أمر بشقّ طريق وعر جداً من بلدة جورين إلى صلنفة يبتعد عن الطريق المعروف، وذلك بهدف الوصول إلى نقطة أثرية والتنقيب فيها بالمعدّات الثقيلة.


ولعلّ هؤلاء من أوعز لفرق الإطفاء في المحافظات القريبة للتمهل بالتوجه إلى أماكن الحرائق لإخمادها، كما منعوا الطيران المروحي من المشاركة في عمليات الإطفاء، تاركين حقول ومزارع الفلاحين من المناطق المعارضة والموالية لهم عرضة للفناء، عدا عن الأضرار البشرية التي أوقعتها.


ولا يبتعد عن هذه المنحى سعي روسيا لتملّك مساحات كبيرة مجاناً تمهيداً لإقامة مشاريع سياحية ومقرّات لشركات ومصانع عسكرية تعود لفلاديمير بوتين والمقربين منه، وتريدها قريبة من قاعدتها في حميميم، ومن هنا نفهم سبب عدم مبادرة روسيا للمشاركة في إخماد النيران المشتعلة منذ أيام حتى وصلت أطراف القرداحة رغم مشاركة طائراتها في إخماد حرائق أصغر جنوب تركيا، يومي الجمعة والسبت الماضيين.


أما أهم أسباب إحراق النظام لأكبر غابتين في سورية وهما في جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية، فهو القضاء على بساتين الفاكهة التي تشكّل مصدر الدخل الوحيد لسكانها في حال عادوا إليها عند أي تسوية محتملة، فيدفع بالكثيرين منهم إلى البقاء حيث هم وعدم العودة، وبمسمى آخر تهجير طوعي لسكانها من الطائفة السنيّة بعد التهجير القسري بفعل وابل قنابل الطيران الذي يختصّ بالقتل ويمتنع عن إطفاء الحرائق، وبذلك يحتفظ ضباط الأسد بحيازتها بعد استيلائها عليهم عقب تهجير أصحابها.


ويجدر السؤال عن الدور الذي على المعارضة وفصائلها المقاتلة القيام به لوقف هذا النزيف في الثروة الغابية وهذا المخطط الخبيث، لا سيما أنّ الأراضي والجبال التي تحترق اليوم كانت ترفد سورية بنصف إنتاجها من الفاكهة والتبغ، وهي آخر ما تبقى من مساحات خضراء في سورية، بعدما أبادها إهمال نظام بشار ووالده، والجواب على تساؤل مشروع كهذا كان ممكناً لو كانت قوات المعارضة تعمل بأجندة وطنية حقيقية، بأن ندعوها لتحرير ما يمكن تحريره من أيدي هذا النظام.


غير أنّ الجواب الحقيقي اليوم على التساؤل، وبناء على واقع حال فصائل المعارضة يمكن تلخيصه بحوار افتراضي يجريه عبر الهاتف ضابط في جيش الأسد مع ضابط في القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، الضابط: النجدة سيدي، هل يمكن أن ترسلوا طائراتكم لإطفاء الحرائق التي تحيط بنا، لأنها إن لم تتوقف سنغدو مكشوفين تماماً للعدو -يقصد فصائل المعارضة- وهذا يجعلنا في خطر داهم، ويجيبه الضابط الروسي بعد قهقهة طويلة: عدو.. خطر.. هههه؟؟؟؟


أخيراً، لن تتوقف النيران عن التهام السوريين وممتلكاتهم وغاباتهم، ما دام هذا النظام المجرم يحكمهم، وقد سبق أن أحرق قلوبهم وأحلامهم قبل أشجارهم.


ليفانت – عبد السلام حاج بكري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!