الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ثقافة الطهي كتب وبرامج
رقية العلمي

تُعنى مئات من المؤسسات التعليمية العربية بتعليم فنون الطهي ضمن برامج علمية وعملية، صروح تُخرّج سنوياً الآلاف من الطهاة والطاهيات. عمل مهم فالطعام حضارة وإدارة مطابخ المطاعم والفنادق فن لا يُستغني عنه وينطبق هذا على الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب 


برامج الطبخ:


في 1994 توقف الشيف رمزي شويري عن تقديم فقرته الخاصة بالطهي، من خلال شاشة فضائية لبنانية، والذي استمر لأكثر من عقد، برنامج على الهواء مباشرة، كان قطرة ثم انهمر المطر.


بعدها أصبح هناك مئات من هذه البرامج في العالم العربي وتخصصت فضائيات تبثّ كل ما يتعلق بالطعام والطهي بتقديم أشهر الطهاة والطاهيات، فغزت برامج الطبخ الفضائات حتى في فقرات البرامج الصباحية. ولم يُكتفَ بذلك بل قامت الفضائيات باستيراد وتقليد برامج عالمية لمسابقات الطهي للأطفال وللكبار.


وللأمانة برنامج الشويري لم يكن الأول، فهناك نساء رياديات سبقنه، ففي الخمسينيات قامت أبلة نظيرة بتقديم برنامج “هانتغذى إيه النهاردة” عبر الإذاعة المصرية. وفي التلفزيون الكويتي قدمت الفلسطينية نهى خلف برنامج “من مطبخي”، وبرامج أخرى مثل برنامج “طبق اليوم” الذي كان يبث على التلفزيون السعودي.


استغلال المرأة:


أبداً ليس هدف هذا التنافس تثقيف المشاهدات، لكن هذا “الحراك المطبخي” ما هو إلا نواة ربحية للإعلانات التجارية لمستلزمات المطبخ والمنظفات تُبث خلال هذه البرامج


يقودنا هذا لتذكر ” أوبرا الصابون “:

ففي الثلاثينيات انطلقت في أمريكا وبريطانيا المسلسلات الصباحية الدرامية المسماة “Soap Opera”، موجهة لربات البيوت اللواتي كن ينظفن منازلهن خلال أوقات بثّها يتخللها إعلانات ترويجية للصابون والمنظفات.


قامت الفضائيات العربية بتطبيق فكرة إدماج الإعلانات خلال هذه البرامج، مستعينة بالطهاة -معظمهم وجه إعلامي لمنتجات غذائية- مثال: دعاية لأفران غاز يقدمها 4 طهاة. كما تُستغل الفنانات للتأثير على المستهلك في الترويج لمواد الطبخ مثل الزيوت والزبدة.


كتب الطبخ


قام الشيف رمزي بنشر عشرات الكتب لمأكولات المطبخ اللبناني والعربي العالمي، كما قامت اللبنانيتان، سيما عثمان وصدوف كمال، بنشر كتاب “ألف باء الطبخ الموسع”.


في حقبة الستينيات في فلسطين، كان “الكتاب الحديث لعمل الحلويات وفن الطهي، للمقدسية كيتي كتن، كتاب مرجعي تقليدي يدخل مع جهاز العروس، ما زالت المقدسيات يحتفظن به، غلافه أسود مقوى ورقه أصفر والطباعة متواضعة والصور أسود وأبيض.


قبلها في الأربعينيات، صدر في مصر كتاب “أصول الطهي أبلة نظيرة”، أول موسوعة عربية مرجعية. وفي الستينيات صدر في العراق “دليل الطبخ والتغذية” لنزيهة أديب وفردوس المختار.


لم يكتفِ مشاهير الطهاة والطاهيات بتقديم برامج الطبخ، بل قاموا أيضاً بنشر الكتب ذات صلة، مثل منال العالم وأسامة السيد والشيف حسن وشربيني والخالدي وحورية وسميرة وآخرون.


في استطلاع تصويتي شاركت به 56 امرأة حول مدى الاستفادة من كتب الطبخ بعد شرائها، كانت الغلبة في التصويت لجهة بقاء هذه الكتب على رفّ المطبخ، وليست مرجع يستعان به من قبل ربات البيوت فالمرجعية عادة هي نهج الأم التقليدي.


والمأخذ ارتفاع سعر المواد المطلوبة لتطبيق الوصفة، وهذا مرهق لميزانية الأسرة، وأيضاً لعدم تجانسها وثقافة المطبخ العربي وعدم انفتاح أفراد الأسرة على طرق جديدة بعيدة عن الذوق التقليدي المتناقل عبر الأجيال.


مدونات الطهي:


في عام 2002 كانت جولي بويل المتزوجة وذات الثلاثين عاماً تشعر بالملل وروتين الحياة، فقررت تطبيق الوصفات الواردة في كتاب الأميريكية جوليا تشايلد “إتقان فن الطبخ الفرنسي” (1961) وتوثيق تجربتها في مدونتها الشخصية على الإنترنت، ونشرتها في كتاب “جولي وجوليا”: 356 يوماً 524 وصفة في مطبخ وشقة صغيرة”.

تحولت حياة الشخصيتين، جوليا مؤلفة الكتاب، وجولي قارئة الكتاب، لفيلم سينمائي (2009)، جوليا وجولي Julie & Julia من أوائل الأفلام المستندة على المدونات الإلكترونية.


الطهي تمازج ثقافات


الشيف نجود سعد الدين من الأردن، تخصصت بتقديم برامج الطهي المتلفزة، مختارة هي وطاقمها الفني نهج البحث الميداني، فلفت الكاميرا مناطق الحضر والبادية والريف في الأردن.


ففي إحدى القرى جرت العادة بأن تطبخ العروس لحماتها طبق الششبرك مع البرغل كإشارة لمهارتها في الطبخ. وفي السياق اكتشفت بأنّ المنسف الأردني يطبخ بطرق ومكونات مختلقة، وإن كان أساسه الجميد.


تطرّق البرنامج للموروث الثقافي للفئات التي استوطنت الأردن، مثل الأرمن والشركس والشيشان والدروز، جماعات حافظت على هويتها الأصلية من خلال استمرارية تنفيذ الأطعمة الخاصة بهم، إضافة طرح البرنامج فكرة تطوير الأكلات الأردنية ودمجها مع أكلاتهم، فأصبح هناك مثل منسف أرمني وشركسي ودرزي، كما تأثر المجتمع الأردني بثقافة هذه الأطعمة، وهناك كتب طبخ خاصة بهذه الفئات، مثل كتاب “سفرة أناهيد” للوصفات الأرمنية.


دور النشر:


يقول نزار قباني بأن أكثر الكتب مبيعاً في معارض الكتب العربية هي كتب الطبخ. 


نشر هذه الكتب يسير في مسارين يعود بالفائدة الربحية للناشر وللمؤلف على السواء، بالمقابل هناك دور نشر عربية سياستها عدم نشر هذا النوع من الكتب. وحول ذلك تكلمت مع الكاتبة الناشرة غدير الشيخ صاحبة دار النخبة للنشر في بيروت فقالت: “من المقولات المشهورة والتي توصي بها النساء عامة والمتزوجات حديثاً خاصّة: إنّ أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته”، فتجد المرأة نفسها تسعى إلى تعلًم أصناف الطعام المحلية والغربية.. ومن هنا وجدت دور النشر موضوعاً دسماً ومريحاً في آن، فتسابقت لنشر الكتب المتنوعة عن المطابخ العربية وغيرها، وتضمنت أصناف الحلويات مزيّنة بأجمل الصور، وبقيت هذه الكتب رائجة بل سبّاقة بالنسبة إلى كمية المبيعات في المعارض، منذ أواخر السبعينيات إلى فترة قريبة.


ولكن مما لا شكّ فيه، أنّ التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل أبعدت الناس عن هذه الكتب، فإنّ أي شخص يمكنه بكبسة زر أن يدخل إلى أي موقع ويتعلم وينفذ مباشرة وصفة أي وجبة يريدها، بل ويترافق هذا مع فيديو، وتحولت كتب الطبخ، التي لم يخلُ مطبخ من واحد منها أو أكثر، لمجرد كتاب على الرّفّ لم تعد تستخدمه سيدة المنزل منذ زمن بعيد، ولكنه وبمجرد النظر إليه يحملها ربما إلى عشرات المواقف والمناسبات واللقاءات التي كان هذا الكتاب رفيقاً لها يوماً ما، وكانت تُفاخر بأنّها أعدّت ألذّ المأكورت والحلويات لعائلتها وضيوفها.


وأنا كناشرة أقول إنّ الكتاب الورقي ما زال مطلوباً وبكثرة، بل ويفضل الكثيرون اقتناءه ويبتعدون عن الكتاب الإلكتروني، أما بالنسبة إلى كتب الطبخ، فأظن أنّ فرصها بالبقاء والاستمرار باتت شبه معدومة.


الخلاصة: غير وارد هنا التقليل من أهمية هذا النتاج، لكنه زخم إعلامي فاق المعقول، يصب نحو الهم الرئيس “الطبخ والمطبخ”؛ من السذاجة بمكان الظن بأنّ المرأة ستتسمّر أمام الشاشة لمشاهدة “الطبيخ” طول الوقت؛ هذا النوع من ثقافة المطبخ فقد البريق، فَالآن على النت ومضات للوصفة لا تتعدّى الثلاث دقائق مختصرة وشاملة.


دع عنك بأنّ بعض مقدمات هذه البرامج لا يمثلن شخصية المرأة العربية، بسبب المغالاة في المكياج وعمليات التجميل وملابس غير عملية، فترى الأكمام الفضفاضة تدخل مع الملعقة في الطنجرة. من جهة أخرى ساعدت الحسابات الشخصية شريحة لا بأس بها من النساء، أن يعتشن من بيع المأكولات البيتية، منصّات الكترونية تروج وتعرض منتجهن دون رسوم دعاية وإعلان. 


ليفانت – رقية العلمي 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!